الحياة الثقافية في العراق في الجيل الماضي.. نوادٍ وجمعيات منسية

الحياة الثقافية في العراق في الجيل الماضي.. نوادٍ وجمعيات منسية

احمد راشد الفهداوي
ازدادت الحاجة الى الاصلاح في العراق وضرورة الاهتمام باحوال البلد المتدهورة اجتماعياً واقتصاداً وثقافياً بعد أن اهملت تلك المجالات بسبب انشغال سياسيي البلد بأمور الحكم منذ تاسيس الدولة العراقية وتسابقهم لتحقيق مصالحهم الشخصية، فكان سعي الشباب العراقي لتحقيق نهضة جديدة اسفرت عن تاسيس عدد من النوادي الثقافية التي كان لها دور مهم في حياة المجتمع البغدادي.

وسوف نقوم بدراسة هذه الاندية حسب تسلسلها الزمني والتي ظهرت في اثناء او قبل الفترة الزمنية للدراسة لنتعرف على دورها في حياة بغداد الثقافية.

نادي القلــــم
تأسس هذا النادي في نيسان عام (1934) بمبادرة من بعض الشخصيات القومية التي بدأت مشاورتها لتأسيس النادي منذ عام (1933) حيث كان الاجتماع الاول في بيت فاضل الجمالي، وارادت أن يكون النادي على غرار نوادي القلم العالمية ليكون الهدف من انشاؤه تعارف المثقفين العراقيين فيما بينهم وتكوين علاقات مع اقرانهم في الوطن العربي وتعزيز الادب العربي.
تولى الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي منصب رئيس النادي في أول هيئة إدارية له فيما تولى محمد فاضل الجمالي منصب نائب الرئيس ومتي عقراوي منصب امين الصندوق وابراهيم حلمي منصب امين السر وعضوية كل من باقر الشيبي وروفائيل بطي وعلي الشرقي وعباس العزاوي وعبد الكريم الازري وعبد الجبار الجلبي وامين سعيد وعبد السميع وزير، وبعد وفاة الزهاوي في (27/ شباط 1936) خلفه في رئاسة النادي الشيخ محمد رضا الشبيبي الذي بقي في منصبه حتى عام 1954 حيث توقف نشاط هذا النادي بصدور مرسوم الجمعيات رقم (19) لسنة (1954).
استأنف النادي نشاطه مجدداً بعد تجديد اجازته في الخامس من آذار عام (1956) وتولى الدكتور محمد فاضل الجمالي رئاسته وعضوية كل من توفيق وهبي وعبد الكريم الازري وروفائيل بطي وعبد المجيد محمود والدكتور احمد سوسة والدكتور جواد علي والدكتور عبد المجيد عباس، وتمثلت نشاطاته بالقاء المحاضرات العلمية والادبية والاجتماعية والقصائد والقصص، وكانت هذه النشاطات تقام اسبوعياً وبشكل منتظم في بيوت اعضاء النادي، وكانت تدور النقاشات والمساجلات حول هذه المحاضرات والتعليقات المتنوعة فضلاً عن مناقشة اعمال الادباء وقد نشرت الصحف والمجلات العراقية العديد من هذه المحاضرات في صفحاتها، فيما نشرت المحاضرات التي لم يتم نشرها على شكل مجموعات بأسم النادي (مجموعة نادي القلم).
كان لاعضاء النادي القلم علاقات وثيقة مع نظرائه نوادي القلم في دول العالم المختلفة، وتوضحت تلك العلاقات بعدان منح نادي القلم في لندن الشيخ محمد رضا الشبيبي شرف العضوية، فضلاً عن انتداب نادي القلم في الارجنتين لعضو النادي مجيد خدوري لحضور اجتماع النادي الارجنتيني، كما كانت للنادي علاقات وثيقة ايضاً مع النوادي العربية المختلفة.

نادي المثنى بن حارثه الشيباني
دفع النجاح الذي حققته جمعية الجوال الشباب القومي الى توسيع نشاطهم فقاموا بتأسيس نادي المثنى في اوائل شهر شباط عام 1935 في بغداد، وتم اختيار هيئته الإدارية من بين الاعضاء المؤسيسين للنادي فقد تولى السيد صائب شوكت منصب رئيس النادي ومحمد كبة نائباً للرئيس وسعيد الحاج ثابت اميناً للصندوق وعبد المجيد القصاب سكرتيراً، فيما تم اختيار اعضاء اخرين للاشراف على لجان النادي الثقافية والرياضة والاقتصادية والفنية والدعاية والخدمات الاجتماعية، وضمت الهيئة المؤسسة كل من الدكتور متي عقراوي والدكتور خالد الهاشمي ومحمد يونس السبعاوي وقاسم حمودي وصديق شنشل ونعمان العاني والدكتور امين رويحة ودرويش المقدادي وابراهيم عطار باشي.
اتخذت الهيئة الإدارية للنادي مقراًُ لها من احد الدور السكنية التي استأجرتها في شارع الملك فيصل (شارع المتحف حالياً) ليكون مقراً للنادي الى أن حصلت على قطعة ارض في منطقة الوزيرية بمساعدة وزير المالية رستم حيدر الذي قدم لها منحة مالية بأسم الملك غازي وقدرها (2000) دينار لغرض بناء مقر النادي الجيد.
سعى النادي منذ تاسيسه الى تحقيق اهدافه التي نص عليها نظامه الداخلي في فقرته الثانية وهي (بث الروح القومية العربية وانماء الشعور الوطني والمحافظة على التقاليد والمزايا التي يظهر بها الطابع العربي وتنشئه الاجيال وتقوية روح الرجولة العربية فيهم وتكوين ثقافة عربية جديدة تجمع الى التراث العربي الصالح من ثقافة الغرب).
اصدر النادي مجلة خاصة به عرفت بمجلة المثنى نسبة الى اسم النادي فقد صدر العدد الاول منها في (27 / أب / 1936) وكرست المجلة عملها خدمة للنادي واستقطبت عدداً من المفكرين العرب ,فقد نجحت بشكل كبير في تثقيف الناس وتعريفهم بقضايا وطنهم الكبير.
كان لنادي المثنى دور كبير في تنمية الثقافة العامة للشباب فقد عمل بعزم على تعزيز العلاقات والروابط الشبابية بين الشباب العراقي وشباب دول المشرق العربي، ودأب على عقد الندوات الثقافية واقامة الاحتفالات في المناسبات الوطنية والقومية، فضلاً عن قيامه باعمال اخرى كثيرة ارتبطت بالجانب السياسي للبلاد حيث لا يمكن اغفال دور النادي السياسي والذي ادى نشاطه الاخير الى اغلاقة من قبل الحكومة العراقية بعد أن وجهت له اتهامات عديدة، فصدر امر الغلق من قبل وزارة الداخلية بكتابها المرقم (339) في السابع من نيسان عام 1942 فضلاً عن الغائها اجازة النادي كما شمل الكتاب ايضاً إلغاء اجازة (جمعية الجوال) للاسباب نفسها وبعد فترة تمت مصادرة النادي وممتلكاته وتحويلها لصالح (نادي اخوان الحرية) الذي تأسس كمنتدى للبريطانيين واعوانهم.

نادي أخوان الحرية
تأسس هذا النادي في عام (1944) من قبل الكاتبة الصحفية (فريا ستارك) الموظفة في السفارة البريطانية وجرى حفل الافتتاح في نيسان ومقره هو نفس مقر نادي المثنى سابقاً، وحضر حفل الافتتاح الرئيس الفخري للنادي البريطاني
(سكيف) والذي جاء من القاهرة، ويعتبر النادي امتداداً لجمعيات اخوان الحرية التي ظهرت في عدن اولاً وبعدها في القاهرة ثم في العراق وذلك بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية..
جاء تأسيس النادي على اساس انه نادٍ ترفيهي يسعى لمعاضدة الديمقراطية وهذا ما اكدته فرياستارك لوزير الداخلية صالح جبر حينما تقدمت بطلب التأسيس والذي رحب بفكرة تأسيس النادي وتمت الموافقة انذاك عليه رسمياً لكن اهداف النادي كانت غير ذلك وهو في حقيقة الامر تأسس لاغراض سياسية ولخدمة المصالح البريطانية من خلال كسب الشباب العراقي المثقف وابعادهم عن قضايا وطنهم المصيرية، لذلك قوبلت جمعيات اخوان الحرية والنادي بالرفض من قبل العناصر الوطنية واتهمتها بانها مركز للدعاية البريطانية، وما يثبت ذلك هوالتقرير الذي اصدره السفير البريطاني كورونواليس بمناسبة انتهاء عمله في العراق والذي اكد فيه الدور الكبير الذي لعبته منظمات اخوان الحرية في خلق علاقات مع العراقيين ولاسيما الضباط منهم الامر الذي ساعد في استقرار البلاد.
افتتح النادي فروعاً في عدد من الوية العراق مثل الموصل والبصرة والديوانية والعمارة واربيل والسماوة وكربلاء، وازاداد عدد اعضاء النادي بشكل كبير بسبب النشاطات الاجتماعية التي يقوم بها النادي وفروعه المختلفة، ومن بين تلك النشاطات والتي نشرت في الصحف، هي دعوة احد شيوخ العشائر لعدد كبير من اعضاء نادي اخوان الحرية من عراقيين وبريطانيين وامريكيين وبولنديين ومعهم نحو (50) جندياً من جنود الاحتلال الى وليمة عشاء ومسامرة في مقر عشيرته، وكان من بين المدعوين عدد من النساء العراقيات والبريطانيات ممن يجمعهن لواء اخوان الحرية.
جرت احتفالات اخرى متشابهة في عدد من الوية العراق الاخرى، كما نضم النادي مجموعة من المحاضرات في بغداد تناولت مظاهر النظام الديمقراطي. وطبيعة علم الاجتماع واهميته للمواطن الاعتيادي، والحياة القومية التي تهم المواطن العراقي وميزانية الدولة والمواطن الاعتيادي، فضلاً عن محاضرات عامة مختلفة.
اقامت جمعية اخوان الحرية قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية حفلة كبرى ابتهاجاً بانتصار الحلفاء بحضور اكثر من (300) مدعو من الكبار المسؤولين والقى فيها السيد سكيف الرئيس الفخري لجمعية اخوان الحرية ومستشار وزارة المعارف كلمة اكد فيها أن الهدف الذي أنشئت من اجله اخوان الحرية في العراق قد تحقق وانها قد قامت بعمل مفيد.
ونشرت جريدة العراق في عددها الصادر في (19 مايس 1945) خطاباً لسكيف اكد فيه أن امر تعديل شكل جمعية اخون الحرية لكي تلائم الظروف التي هي غير ظروف الحرب امر يتطلب المناقشة، وهذه الكلمة هي اشارة الى نهاية وجود النوادي في العراق بعد انتفاء الحاجة لوجودها فقد اغلق النادي في (5 / 10 / 1945) حسب ما جاء في كتاب متصرفيه بغداد الموجه الى وزارة الداخلية.

نادي (زد) Z
تأسس هذا النادي عام 1942 على اساس انه نادٍ ترفيهي اجتماعي في ظاهره لكنه كان لا يختلف عن نادي اخوان الحرية في هدفه السياسي باقامة صداقات مع العراقيين، وقد ضم موظفي السفارتين البريطانية والامريكية والموظفين الاجانب في مؤسسات الدولة العراقية والشخصيات العراقية الموالية لبريطانيا.
نادي البعث القومي
تأسس هذا النادي على يد السيد سامي شوكت عام 1946، وهدفه نشر الثقافة القومية بين الشباب واصدر جريدة خاصة بالنادي عرفت بجريدة البعث القومي وكتب فوق اسمها الاية القرآنية الكريمة (كنتم خير امة اخرجت للناس.. تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ووضعت تحتها صورة الاعلام العربية وكتب عليها عبارة
(البلاد العربية واحدة لا تتجزأ).. ولكن هذا النادي لم يعمر طويلاً واغلق في صيف عام 1946 بقرار من وزارة ارشد العمري.

نادي البعث العربي
تأسس نادي البعث العربي في التاسع من ايار (1950) في بغداد، ويعتبر تاسيسه امتداداً للجمعيات والنوادي التي ظهرت في عقد الثلاثينات لا سيما جمعية الجوال ونادي المثنى بن حارثه الشيباني، ويهدف النادي الى تاكيد الالتحام المصري بين العروبة والاسلام وانماء الشعور القومي الصادق، ومساندة نضال الحركة القومية ومقاومتها لاساليب الحكومات العراقية المتعاقبة التي لم تلتزم بالدستور وكل اعمالها منافية لمبادئ الحرية والتقدم، وتشجيع ومساندة المؤلفين والمفكرين والعمل على تآلفهم لخدمة الوطن العربي ورفع المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. تكونت الهيئة الإدارية الأولى للنادي بعد اجراء الانتخابات من السادة عبد الرحمن البزاز رئيساً والدكتور علي الصافي اميناً للسر والدكتور عبد الحميد الهلالي محاسباً وعضوية السادة علي الدلي وشكري صالح زكي وعبد الكريم كنه وحسن الدجيلي.
اصدر النادي مجلة خاصة به باسم (مجلة البعث العربي) مديرها المسؤول حسن الدجيلي وصدر العدد الاول منها في (15 / كانون الاول / 1951) وكتب عليها
(مجلة اسبوعية يصدرها نادي البعث العربي مرتين في الشهر وقتياً فقد عالجت مختلف القضايا الوطنية والقومية، فضلاً الانتقادات المستمرة للحكومة العراقية، حتى عطلت مع صحافة الاحزاب والصحافة الوطنية ابان انتفاضة تشرين الثاني (1952).
اهتم النادي بالجانب الثقافي وشكل لجاناً ثقافية لغرض الاشراف على هذه النشاطات حيث أنشئت مكتبة للنادي لتثقيف اعضاؤه، وفتح دورات عديدة لتعليم الناس القراءة والكتابة لغرض مكافحة الامية، فضلاً عن تنظيم المحاضرات والمناظرات وانشاء المدارس والمؤسسات الصحية وادى النادي دوراً كبيراً في مناصرة جميع القضايا الوطنية والقومية وساند الثورات والانتفاضات سواء التي نشبت في العراق اوفي الاقطار العربية الاخرى.
واصل النادي نشاطاته المختلفة حتى الغائة في (12 / أيلول 1954) بعد أن قامت حكومة نوري السعيد باصدار المرسوم رقم (19) لسنة (1954) الذي الغت فيه الجمعيات والنوادي، ثم أعيد تاسيسه في العشرين من كانون الاول (1954)، اى أن وزارة الداخلية قامت بحل النادي من جديد في السادس والعشرين من كانون الاول عام (1956) بسبب موافقه القومية المؤيدة فاعتبرت ذلك مخالفاً لأهداف تاسيسه البعيدة عن السياسة..

النادي الروتاري
تأسس في بغداد عام (1955) واسهم في تاسيسه المهندس علي جودت الايوبي ومعاون مدير الداخلية العام جمال رفعت ومعاون مدير الميناء عبد الامير رحمهُ الله والمحامي رزوق شماس ورئيس جمعية اصدقاء الشرق الاوسط الامريكية في بغداد جورج نافي وترجع فكرة تأسيسه الى المحامي الامريكي يول هاريس) وكان هدفه كسب اعضاء للنادي من اصحاب النفوذ والسلطة من خلال اغرائهم بالمال الكثير مقابل كسب المعلومات الاستخبارية (التجسس) لصالح الولايات المتحدة الامريكية، على الرغم من اصطباغه بالصبغة الثقافية، وللنادي فروع عديدة في مختلف دول العالم.
ففي عام (1957) زار العراق النائب الاول لرئيس النادي الروتاري الذي يقع مقره الرئيسي في امريكيا المستر كاتوني لتفقد شؤون النادي في بغداد، واعلن في مؤتمر صحفي أن هدف النادي هو تكوين الصداقة مع بقية نوادي العالم ضمن نطاق اجتماعي واسع، فضلاً عن تحقيق الصداقة بين اعضاء النادي الواحد، مؤكداً على أن شروط الانتماء للنادي تنص على قبول عضوين فقط من كل مهنة باستثناء الصحافة لانها الواسطة بين النادي والناس.

نـادي المعـــارف
تأسس النادي في الرابع والعشرين من حزيران عام 1956 بجهود مجموعة من المثقفين الذين يعتبرون الهيئة المؤسسة للنادي وهم الدكتور محمود الامين والدكتور مهدي المخزومي ويوسف صالح السامرائي وزكي صالح الراوي وصادق علي الشهيدي ويونس محمد امين وعزة باقر العمري وجعفر طالب، ويهدف النادي الى نشر الثقافة في المجتمع البغدادي وتقوية الروابط والعلاقات بين الكوادر التعليمية والمطالبة بحقوقها والتعبير عن رأيها.
تميز اعضاء النادي بانقسامهم الى نوعين الاول هم الاعضاء العاملون من موظفي وزارة المعارف، والنوع الثاني هم الاعضاء المؤازرون وجميعهم من الناس غير الموظفين استمر النادي في تقديم خدماته الكثيرة لاعضائه حتى نهاية العهد الملكي.
مما تقدم يتضح لنا أن النوادي الثقافية التي تأسست في بغداد قد أدت دوراً كبيراً ومؤثراً في المجتمع البغدادي من خلال نشاطاتها المختلفة، وان اغلب هذه النوادي كانت قد أنشئت لتحقيق اغراض سياسية لكنها اصطبغت بصبغة الثقافة لتمرير تلك الاغراض، ومع هذا فقد كان لها تأثير كبير على البغداديين وساعدت على نشر الثقافة ولو بنسبة متوسطة.

عن رسالة (الحياة الثقافية
في مدينة بغداد (1939 – 1958))