بعض من تأثير صلات القربى في الحياة السياسية قبل تأسيس الدولة العراقية

بعض من تأثير صلات القربى في الحياة السياسية قبل تأسيس الدولة العراقية

د . حميد حسون العكيلي

شهد العراق خلال عهدي الاحتلال والإنتداب البريطاني له 1914-1932 تأسيس العديد من الجمعيات والأحزاب السياسية حيث كانت التركيبة الاجتماعية لها قائمة على مراعاة الأسر ذات المكانة الدينية والاجتماعية والاقتصادية.

فضلاً عن، الشخصيات التي تتمتع بتحصيل علمي مرموق كالمحاميين، أو الذين يتمتعون بخلفية عسكرية كالضباط الخريجين من الكليات الحربية في اسطنبول في اختيار أعضائها. لذلك فلا غرابة والحالة هذه، ان نجد طالب النقيب رئيساً لأي تنظيم سياسي يتكون في البصرة، نتيجة لنفوذه وسطوته ومكانة أسرته، بحيث ترأس حزب "الحر المعتدل" في البصرة، وتبرع عمه هاشم النقيب بداره الكبيرة لتكون مقراً للحزب، وبعد حلّه وتشكيل جمعية "البصرة الإصلاحية" في البصرة أصبح رئيساً لها، وجعل من داره مقراً للجمعية، كما أصبح رئيساً لفرع جمعية "العهد" في البصرة عام 1919.

وينطبق الأمر نفسه, على وجهاء البصرة من ذوي الأسر الاقتصادية الكبيرة، أمثال عبد الله باش أعيان و عبد اللطيف المنديل، إذ أصبح الأول نائباً لرئيس حزب "الحر المعتدل"، والثاني عضواً فيه.

أما أسرة الباجه جي، فكان دور مزاحم الباجه جي كبيراً في ترأس "النادي العلمي" إلى جانب أبن عمته حمدي الباجه جي، الذي كان عضواً في حزب "الحر المعتدل" فرع بغداد، ثم انتقل نشاطهما (مزاحم وحمدي الباجه جي) إلى جمعية "العهد" السرية. في حين, كان لأسرة الشبيبي من خلال الأخوين محمد رضا ومحمد باقر الشبيبي دورٌ في الحركة الوطنية، إذ انضما إلى "النادي العلمي"، ثم أصبحا ناشطين في جمعية "النهضة الإسلامية" في النجف الأشرف، وقد انتمى محمد باقر الشبيبي إلى جمعية "حرس الاستقلال" بعد تأسيسها عام 1919، مثلما انتمى صهر أخيه محمد جعفر وهو عباس مهدي، إلى الجمعية نفسها، بعدما كان عضواً في جمعية "الشبيبة الجعفرية"، قبل اندماجها مع جمعية "حرس الاستقلال".

وبما أن "النادي العلمي" يعمل بإرشاد يوسف السويدي، فمن الطبيعي جداً, أن ينتمي إليه نجله ثابت السويدي. مع العلم, ان عبد المجيد كنه، وهو أحد الملاكين، وتحسين العسكري شقيق جعفر العسكري، قد أصبحا عضوين في "النادي العلمي" أيضاً.

ومن الأسر الاقتصادية والتجارية التي كان لها ثقلها الواضح في تشكيلات الجمعيات والأحزاب قبل تأسيس الدولة العراقية، هي أسرة الصابونجي عندما أصبح محمد الصابونجي ضمن الهيئة الإدارية لحزب "العهد العراقي"، فيما انتمى التاجر الكبير عبد المحسن شلاش إلى جمعية "النهضة الإسلامية" في النجف الأشرف.

ولا نبالغ إذا ما قلنا، إن أغلب أعضاء جمعيتي "حرس الاستقلال" و"العهد" كانوا من ذوي الأسر المعروفة بثقلها الديني والسياسي والعسكري، وقد أصبحوا فيما بعد الركيزة الأساسية التي اعتمد عليها البلاط في إدارة الدولة العراقية خلال العهد الملكي. من هذا المنطلق، وجدنا أعضاء جمعية "حرس الاستقلال" تضم بين صفوفها ممثلين عن أسر السويدي وبابان وشوكت باشا، من خلال انتماء كل من جلال بابان والأخوين ناجي وسامي شوكت، ويوسف السويدي، كما تواجدت أسرتا الأورفلي وأبي التمن، من خلال انضمام مكي الأورفلي وجعفر أبو التمن. بالإضافة إلى، السيد محمد الصدر، الذي هو سليل عائلة دينية ما زالت تتمتع بثقل اجتماعي كبير في أنحاء العراق كافة.

ومن الشخصيات الأخرى التي انضمّت لهذه الجمعية، عبد المجيد كنه وقريبه شاكر محمود الوادي، ومحمود رامز، وآخرون. وبعد إندماج جمعية "الشبيبة" إلى جمعية "حرس الاستقلال"، أصبحت الجمعية تضم بين صفوفها شخصيات تنتمي إلى أسر كبيرة، وقد أدت دوراً كبيراً خلال العهد الملكي، حيث تواجدت أسرتا البصام وكبه، وذلك بانضمام صادق البصام ومحمد حسن كبه، وقد أصبح الأخير إلى جانب جعفر حمندي، الذي يرتبط مع أسرة كبه بروابط المصاهرة، وذلك بزواجه من زهرة محمد جابر الحاج مصطفى كبه. بالإضافة إلى، وجود المحامي صادق حبه وصهره عبد الرزاق الازري، بحكم أن الأخير متزوج من أبنة محمد حسن حبه قريب صادق حبه. فضلاً عن، تواجد سعد صالح جريو وآخرين.

أما جمعية "العهد"، فقد ضمّت بين صفوفها شخصيات عسكرية، كانت العمود الذي استندت عليه الحكومات العراقية المتعاقبة في أغلب مراحل العهد الملكي، إذ ضمّت كل من، نوري السعيد وصهره جعفر العسكري وشقيقه تحسين العسكري، وجميل المدفعي وقريبه علي جودت الأيوبي، وياسين الهاشمي ورشيد الخوجة ومولود مخلص. فضلاً عن، الأعضاء الذين انتموا إلى حزب "العهد"، الذي تأسس بعد الإنشقاق الذي حدث في جمعية "العهد"، حيث تواجدت أسرة النقشلي من خلال انتماء سامي النقشلي وأنور النقشلي، وأسرة العمري من خلال انتماء مصطفى العمري، وكذلك أسرة الجليلي، حيث انتمى احمد الجليلي إلى الحزب. بالإضافة إلى، شخصيات أخرى كانت تنتمي معظمها إلى أسر دينية معروفة.

من جهة أخرى, فعلى الرغم من عدم وجود قانون للأحزاب، إلا أن هناك بعض الشخصيات التي تمتلك الثروة والجاه الاجتماعي، سعت إلى تشكيل الحزب "الوطني العراقي", الذي ضمّت هيئته المؤسسة كل من, جعفر أبي التمن، وأحمد الشيخ داود، ومولود مخلص، وحمدي الباجه جي، وبهجت زينل، ومحمد مهدي البصير، وعبد الغفور البدري.

ويلاحظ أن جميع أعضاء هذا الحزب يتمتعون بالثراء المادي، ما عدا محمد مهدي البصير، الذي كانت ثروته وطنيته فقط، على حد تعبير الأكاديمي المهتم بدراسة الأحزاب السياسية فاروق صالح العمر.

وبعد صدور قانون الجمعيات في الثاني من تموز عام 1922، واصل الحزب نشاطه السياسي بجميع شخصياته مضافاً إليهم محمود رامز، واحمد عزت الاعظمي وعلي محمود الشيخ علي. مع العلم، ان محمد مهدي كبه، الذي أصبح أمين الصندوق في الحزب، كانت تربطه صلة رحم مع معتمد الحزب جعفر أبي التمن، وذلك بزواج أبنة الأخير معالي من جميل كبه، قريب محمد مهدي كبه، كما دخل الحزب أحمد فهمي المدرس، شقيق عبد الجليل برتو، الذي يرتبط بصلة القرابة من جهة النساء مع أسرة جعفر أبي التمن.

ثمة حقيقة تاريخية، وهي أن وجود الأقارب في صفوف هذا الحزب، أدى إلى تكوين رأي سياسي مشترك، فمثلاً عندما عارض رئيس الحزب جعفر أبو التمن الانتخابات، أيده قريبه محمد مهدي كبه في ذلك، الأمر الذي يؤكد على أن بعض الارتباطات الاجتماعية كانت تسهم في تكوين رأي سياسي مشترك.

وعندما تأسس حزب "النهضة العراقية", كان للمصاهرات وصلات القربى الأثر الواضح في هيئة الحزب المؤسسة، إذ إن معتمد الحزب أمين الجرجفجي، قد جعل من أبنه محمد أمين الجرجفجي رئيساً لإدارة جريدة "النهضة"، بالرغم من صغر سنه. بالإضافة إلى، انتماء مهدي الجرجفجي إلى الحزب، وهو الشقيق الأكبر لمعتمد الحزب، وعندما انسحب عبد الرزاق الأزري من الحزب لانشغاله بالوظيفة، حل محله قريبه عبد الهادي الجلبي. مع العلم، أن صلة قرابة الأخير من عبد الرزاق الأزري متأتّية من كون والدته من عائلة الأزري ووالدة عبد الرزاق الأزري من عائلة الجلبي. وينطبق الامر نفسه, على أسرة علاوي، التي تواجد منها الحاج حسين علاوي نائباً لرئيس الحزب، وقد انضّم بواسطتهِ نجله عبد المجيد علاوي إلى صفوف الحزب عام 1927.

ولا يفوتنا أن نشير هنا، إلى ان حزب "النهضة العراقية"، قد ضمّ بين صفوفه شخصيات تنتمي إلى أسر لها ثقلها السياسي والعشائري، وقد أسهمت بشكلٍ واضح في بناء العراق الملكي، إذ ضمّ الحزب الشيخ احمد الظاهر، والشيخ عمر العلوان شيخ عشيرة الوزون، وهي بطن من بطون عشيرة خفاجة في كربلاء المقدسة.

أما أسرة الجميل، فقد مثلها عبد القادر افندي الجميل، الذي انضم إلى حزب "النهضة العراقية"، في آيار 1925، مثلما انضّم أيضاً رؤوف الجوهر، وهو من رجال الحركة الوطنية الرافضة للاحتلال البريطاني، وشقيق أنور الجوهر، الذي أصبح نائباً في الدورة الأخيرة لمجلس النواب العراقي.

عن رسالة : (المصاهرات الإجتماعية وصلات القربى وأثرها السياسي في العراق الملكي 1921-1958)