الرحالة البريطانيون في العراق  حقائق وطرائف

الرحالة البريطانيون في العراق حقائق وطرائف

بذلت بريطانيا مساعي كبيرة لتثبيت نفوذها في العراق عن طريق كسب زعماء المجتمع العراقي ومنهم زعماء العشائر، وكان لدوائر المخابرات العسكرية والسياسية دور بارز في هذا المجال من خلال عملائها الذين كانت ترسلهم بصفة سائحين واثاريين.

أن أول اشارة وردت عن رحلة قام بها مسافرون انكليز في مناطق العشائر العراقية كانت عام 1583 وكانت هذه الرحلة من بيرا (وهي بدون شك بيره جك) إلى الفلوجة . كما ترك اثنان من الرحالة البريطانيين وصفا لثورة شيخ المنتفك ثويني واحتلاله البصرة في 25 تشرين الأول 1787 وهما وليم فرانكلين والدكتور توماس هاول.
لقد جلبت العشائر العراقية انتباه السلطات البريطانية وخاصة في القرن التاسع عشر فكان الرحالة الإنكليز يجوبون مناطق العشائر العراقية ومنها رحلة الكابتن كينير J. Kinnier في سنة 1813-1814 وقد نشر وقائعها في كتاب أصدره في لندن عام 1818 وقد شملت رحلته مناطق عديدة من كردستان والموصل ومناطق أخرى .
وفي سنة 1816 زار جيمس بيكنغهام مناطق اليزيدية في سنجار والشيخان وقدم وصفا لمناطق سكناهم وأوضاعهم الاجتماعية، واتصل بأحد شيوخ العشائر المخيمة على الطريق بين مناطق اليزيدية والموصل. كما تجول بيكنغهام في مناطق العشائر في كردستان ونزل ضيفاً عند أحد أغوات اربيل . كما قدم بيكنغهام وصفا لأحوال العشائر في جنوب العراق .
وفي عام 1817 قام المقدم وليم هود W. Heude وهو من منتسبي كلية مدارس العسكرية بزيارة إلى العراق شملت بغداد والسليمانية واربيل والموصل . كما قام عدد من السياسيين والعسكريين البريطانيين بزيارة للمناطق الكردية في شمال العراق لاسيما السليمانية وأطرافها زاخو وعقرة والزيبار بهدف جمع المعلومات عن تلك المنطقة .
ومن جملة السياح البريطانيين الذين زاروا العراق جيمس بيلي فريزر في عام 1834 وقد وصف عشائر المنطقة الكردية وقراها ومنها ابراهيم خانجي إحدى القرى الكردية التابعة لرستم أغا احد رؤساء الأكراد . كما زار مخيم عشائر زبيد وبعض العشائر الأخرى في المنتفك وسوق الشيوخ وقدم خلالها وصفا جغرافيا لسكن العشائر العراقية .
ومع تدهور الأوضاع التي صاحبت ثورات العشائر الجنوبية وخاصة عشائر الفرات الأوسط فقد استطاع احد الرحالة الانكليزي لوفتس Loftus في عام 1850 من اجتياز أراضي قبيلة الخزاعل .
وفي هذا الصدد ايضا فقد اقترح الرحالة البريطاني جيري لسلامة الطريق بين بغداد والحلة والمسيب في معرض إشارته إلى معركة بين عشيرتي بني يسار والمكاسيب عام 1887 إنشاء قوة خيالة من العرب أنفسهم وجلب الشيوخ إلى صف الحكومة بدفع الرواتب اليهم وجعلهم موظفين حكوميين ومسؤولين عن سلامة الارواح والممتلكات التي تمر في المناطق التي تقطنها عشائرهم .
وشكلت العشائر الكردية مكانة بارزة من وجهة نظر بريطانيا بعد ان اعتقد الإنكليز بأنها ستشكل سلاحا بوجه الروس. كما ركزت الجاسوسية البريطانية نشاطها بين القبائل الكردية القاطنة في العراق. فقد قام النقيب ماونسل Maunsel بجولات في شمال العراق في عامي 1888 و 1892 زار خلالها دهوك والعمادية والزيبار واربيل والموصل .
أما رحلة الميجر سون E. soan فكانت ايضا من مخططات الجاسوسية البريطانية لذلك فقد أخفى سون القصد الحقيقي من رحلته بإخفاء شخصيته وتنكر باسم ميرزا غلام حسين الشيرازي والذي استقر به المطاف في حلبجة قرب السليمانية حيث استقبلته عادلة خانم زوجة عثمان بك الرئيس الأعلى لعشيرة الجاف. ولم يكن غريباً ان يقوم جيش الاحتلال البريطاني في العراق بارسال سون إلى السليمانية كمستشار للشيخ محمود عندما امتد الاحتلال البريطاني ليشمل السليمانية . وقد تضمن الكتاب الذي أعده الميجر سون ملحقاً على القبائل الكردية وفروعها ومواطنها على الحدود العثمانية – الفارسية .
وفي عام 1909 وصلت إلى العراق شخصية بريطانية قدر لها ان تلعب دورا مهما في تاريخ العراق المعاصر، وهي الرحالة والاثارية المس غرترود لثيان بيل G. Bell . فقد ابدت اثناء زيارتها اهتماما بالنظام العشائري وقامت بزيارة عدد من التجمعات العشائرية ذات الاهمية السياسية والاجتماعية فقد زارت العشائر العراقية القاطنة في حوض دجلة، ومنها الجبور وقيس والموالي وطي وزبيد وبني تميم وغيرها. كما زارت القبائل الكردية في شمال العراق والاقليات غير المسلمة التي تسكن المنطقة الشمالية كالنصارى واليزيدية وغيرهم . وأمضت سنة كاملة في خيام البدو عند قبيلتي شمر وعنزة ، ومن الذين التقت بهم على سبيل المثال فهد بك الهذال شيخ قبيلة عنزة، كما أقامت علاقات كبيرة مع عدد كبير من الإقطاعيين . وقد مهدت هذه الزيارات السبيل أمامها لأقامت علاقات واسعة مع زعماء العشائر ووجوهها وأفرادها وهذا ما ساعد في عملها أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى فيما بعد.
كما استطاع جواسيس الإنكليز الذين طافوا العراق قبل الحرب العالمية الأولى بسنوات ان يوثقوا علاقتهم الودية ويغدقوا العطايا الوفيرة على رؤساء عشائر الفرات الأدنى والأوسط بشكل خاص وان يضمنوا تعاونهم مع الجيش البريطاني وكان في مقدمة هولاء الكولونيل ليجمن Leachman الذي زار العراق عدة مرات خلال الفترة 1911-1913 .كان ليجمن يستهدف في زيارته إلى العراق في الدرجة الاولى بعث عوامل الفرقة والكره ضد العثمانيين في صفوف القبائل العربية معتقدا ان ذلك سوف يؤدي إلى تقويض النفوذ الالماني المتزايد، وقد حاول ايجاد منزلة لنفسه بين القبائل الثائرة وشيوخها الناقمين فشق طريقه إلى مضايف رؤساء القبائل والعشائر، فكان فهد بك شيخ عنزة ممن التقى بهم ليجمن . كما زار ايضا مخيمات العشائر الكردية، ففي اليوم الاول من شهر حزيران اجتاز الريف الذي تقطنه عشيرة الهماوند .
عن رسالة (السياسة البريطانية في العراق) جامعة الموصل