من تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق.. كيف أغلقت السلطة حزب الشعب سنة 1947؟ وكيف شارك في إنتخابات 1948؟

من تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق.. كيف أغلقت السلطة حزب الشعب سنة 1947؟ وكيف شارك في إنتخابات 1948؟

د.وسام عكار التميمي

كانت صحيفة الوطن لسان حزب الشعب برئاسة عزيز شريف قد نشرت في حقل " شؤون الطلاب والمدارس " نص الاحتجاج الذي بعث به طلاب كلية الملك فيصل ضد مدير الكلية " المستر ووذ "، الذين وصفوه بالمدير المستورد، في (30 نيسان 1947)،

بسبب إجراءاته التعسفية ضد الطلبة، إذ قام بفصل بعض الطلاب لمدة عشرة أيام وخصم درجات من سلوك البعض الآخر لأسباب واهية، ثم نشرت الصحيفة تأييدات بعض المدارس الثانوية ومعاهد إعداد المعلمين لذلك الاحتجاج، وعلى أثر ذلك تم إجراء تعقبات قانونية ضد عزيز شريف كونه المدير المسؤول عن صحيفة الوطن، فتم اعتقاله في (5 آيار 1947)،، فأصدر معاون شرطة بغداد قراراً بالإفراج عنه مؤقتاً بكفالة مالية حتى الانتهاء من إجراء التحقيقات القانونية، وأن تجرى محاكمته في (3 حزيران 1947)، في محكمة بغداد الكبرى، وأن تبقى صحيفة الوطن محجوزة عن الصدور حتى صدور قرار الحكم، علماً أن آخر عدد للصحيفة قد صدر في (7 آيار 1947)، وكتب عزيز شريف مقالاً فيه بعنوان: (المعاهدة الأردنية ـ العراقية. دراسة وتحليل) الجزء الثاني، فبقيت الصحيفة معطلة حتى (26 شباط 1948)، إذ عادت للصدور مرة أخرى.

جرت محاكمة عزيز شريف في محكمة بغداد الكبرى في (3 حزيران 1947)، برئاسة القاضي شاكر العاني، على وفق المادة السادسة من الباب الثاني عشر من(ق.ع.ب)، فتكفل للدفاع عنه ثلاثة عشر محامياً، وبعد استجواب عزيز شريف، ومعه مدير كلية الملك فيصل صدر قرار الحكم في (10 حزيران 1947)، بالحكم على عزيز شريف، بغرامة مالية قدرها عشرون ديناراً أو الحبس لمدة اثنين وعشرين يوماً، وتعطيل صحيفة الوطن لمدة ستة أشهر من تاريخ حجزها، وعلى أثر هذا الحكم قدّم عزيز شريف، لائحة للاستئناف في (19 حزيران 1947)، مطالباً بإلغاء الفقرة القانونية القاضية بتعطيل الصحيفة، لأنها صحيفة حزب سياسي مجاز من وزارة الداخلية، ولكن الاستئناف ردَّ وبقى قرار الحكم نافذاً.

عقد حزب الشعب اجتماعاً في (30 حزيران 1947)، في مقر حزب الشعب حضره بحدود 250 شخصاً، ألقى عزيز شريف، فيه خطاباً أوضح من خلاله طبيعة العلاقة بين العراق وبريطانيا، ووصفها بأنها عقد بين سيد ومسود، وأن غرض السياسة الاستعمارية هو سلب الحريات الوطنية وسوق الوطنيين إلى السجون والمعتقلات، لم تكن علاقة الأحزاب التقدمية أو اليسارية إن صحَّ التعبير جيدة مع السلطة، فقد قامت الشرطة يوم (25 أيلول 1947)، بمداهمة حزبي الشعب والاتحاد الوطني، بحجة أنهما يخلاّن بالأمن، وأصدر مدير الدعاية العامة بياناً في (29 أيلول 1947)، بسحب إجازة الحزبين مدعياً أنهما يستمدان بعض نفقاتهما من جهات مجهولة، وجاء في ملخص البيان، " لاحظت الحكومة أن حزبي الشعب والاتحاد الوطني أخذا منذ تأسيسهما يقومان خلافاً للقانون، ولنظاميهما المصدقين، بتحبيذ المبادئ الهدامة وترويجها، والحث على الثورة وخلق الاضطرابات، والإساءة إلى رجالات العراق المسؤولين، كما وجدت أنهما اعتمدا في تلقي قسم من مصروفاتهما على إيرادات من مصادر مجهولة، وعمدا في تنفيذ مقاصدهما السرية إلى تشكيل نظام الخلايا الخطرة... فقد تقرر إبطال رخصتهما، استناداً إلى المادة العاشرة بدلالة المادة الرابعة من قانون تأليف الجمعيات، وما زالت التحقيقات جارية في هذا الشأن بكل عناية وسيساق ممن تتوفر بحقهم الأدلة الكافية من الأشخاص الذين قاموا بهذه الأعمال الإجرامية إلى القضاء لينالوا عقابهم ".

في وثبة 1948بعد أن اضطرت وزارة صالح جبر إلى تقديم استقالتها في (27 كانون الثاني 1948)، أنبرى الشعب العراقي للمطالبة بتأليف وزارة شعبية، وكان محمد الصدر المرشح البارز لتأليفها نظراً لمكانته الاجتماعية، ولتمتعه باحترام الجماهير الشعبية، وبعد مداولات قام بها الوصي والأحزاب السياسية، تم إقناع محمد الصدر على تأليف الوزارة في (29 كانون الثاني 1948)،)، بعدما أعلنت الأحزاب الثلاثة (الاستقلال والأحرار والوطني الديمقراطي)، الاشتراك في تأليف الوزارة، بشرط تحقيق مطالبها المتمثلة بإبطال معاهدة بورتسموث، وحلّ المجلس النيابي وفسح المجال أمام النشاط الحزبي، وحلّ مشكلة الغذاء، فوافق الصدر والوصي على هذه الشروط، فاشترك محمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال وأصبح وزيراً للتموين، أما حزب الأحرار فإنه لم يشترك لعدم اطمئنانه على تحقيق تلك الشروط، أما الحزب الوطني الديمقراطي فلم يُدع إلى تأليف الوزارة لما عرف عنه ميوله الاشتراكية.

وجد حزب الشعب المنحل الفرصة سانحة لإعادة نشاطه الحزبي فبادروا أولاً بإعادة صحيفة الوطن للصدور في (26 شباط 1948)، وقد كتب عزيز شريف في (29 شباط)، مقالاً بعنوان: (في سبيل التحرر من القيود الاستعمارية إلغاء معاهدة 1930 ضروري وممكن)، أوضح فيه أن اخفاق معاهدة بورتسموث، جاء بعد المقاومة الشعبية للحركة الوطنية، لتخليص العراق من الوجود البريطاني الذي طالما استخدم نفوذه لسحق الحريات العامة بأساليب إرهابية مختلفة، وبتسخير الساسة المنسوبين إليهم، مضيفاً أن معاهدة عام 1930، باطلة بطلاناً أصيلاً لأنها تناقضت مع حقوق العراق بالسيادة الوطنية التي هي أبرز سمات الاستقلال التام، ورأى عزيز شريف، أن الشعب العراقي قد عظمت وطنيته، فكان آخرها وأعظمها التظاهرة بالوثبة الوطنية المطالبة بإلغاء معاهدة بورتسموث، وحلّ المجلس النيابي المزيف ومحاكمة سفاكي الدماء، وتحقيق الحريات الديمقراطية وفي مقدمتها حرية التنظيم الحزبي والنقابي، مشيراً إلى وجود بعض الأحزاب تنظر إلى الحريات الديمقراطية نظرة ضيقة، وإلى حرية التنظيم نظرة أضيق، فيقصرون الأمر على طلب فتح فروع للحزب، دون العمل في سبيل حرية التنظيم الحزبي بوجه عام، لأنهم لا يرون ضرورة الكفاح في سبيل الحريات الديمقراطية.

بعد إعادة صحيفة الوطن للصدور، قدّم أعضاء حزب الشعب المنحل طلباً في (31 آذار 1948)، إلى وزارة الداخلية لإعادة تأسيس حزب الشعب، وأرفقوا المنهاج والنظام الداخلي السابق للحزب بطلبهم، وقد وقّع الطلب كل من: عزيز شريف، وعبد الرحيم شريف، وتوفيق منير، وعبد الملك عبد اللطيف نوري، وأحمد قاسم العباس، وحميـد هندي، وعامر عبد الله، وعبد الله مسعود القريني، وعبد الرزاق زبير، ولكن الوزارة لم تجب على طلبهم طول مدة حكم وزارة محمد الصدر، فقرر أعضاء حزب الشعب الاشتراك في الانتخابات النيابية في (نيسان 1948)، بعدما حُلَّ المجلس النيابي السابق في (23 آذار) من العام المذكور، أذ قررت الحكومة ان تكون الانتخابات وفق قانون الانتخابات رقم (11) لعام 1946.

رشح حزب الشعب المنحل عزيز شريف، وعبد الرحيم شريف في بغداد، وعبد الكريم الماشطة في الحلة، وعلي التميمي في الديوانية، وعباس بلال في تلعفر، وما كادت الانتخابات تجرى حتى ظهرت التدخلات الحكومية بإعلان الأحكام العرفية، وقيام مؤيدي معاهدة بورتسموث بفرض أنفسهم على الانتخابات، فوقعت معارك كثيرة وحوادث أودت بحياة الأبرياء، ومثال على تلك الحوادث ما حصل في مدينة تلعفر، إذ أوقف الشرطة مؤيدي مرشح حزب الشعب كافة وجلبوا إلى الموصل، ونتيجة ذلك لم يفز أي من مرشحي حزب الشعب في الانتخابات بعد ظهور النتائج في (15 حزيران 1948)، وحصل ممثلو الحكومة على أغلبية ساحقة في مجلس النواب، وبقية الأحزاب السياسية المعارضة بسبعة مقاعد، منها أربعة لحزب الاستقلال، وثلاثة لحزب الوطني الديمقراطي.

عن رسالة (عزيز شريف ودوره السياسي...)