إسماعيل فهد إسماعيل ونزعة التجديد في تقنيات السرد العربي

إسماعيل فهد إسماعيل ونزعة التجديد في تقنيات السرد العربي

جميل الشبيبي
تعتبر رواية (كانت السماء زرقاء) للروائي إسماعيل فهد إسماعيل من الروايات التجريبية القصيرة التي صدرت في وقت مبكر من تاريخ الرواية العربية القصيرة (1970)، إضافة إلى أن زمن كتابتها يعود إلى منتصف ستينيات القرن العشرين. الذي لم يشهد سوى روايات قليلة تميزت بهذا الشكل القصير دون التقنيات الخاصة التي حفلت بها هذه الرواية المتميزة في الإنجاز الروائي العربي..


وتتضح النزعة التجريبية في هذه الرواية بعدة مستويات بعضها يتعلق بعالمها والآخر يتمحور في تقنياتها الأسلوبية الجديدة التي ستكون إحدى المحاور الأساسية في قراءتنا هذه.
من السمات الأساسية في النزعة التجريبية في هذه الرواية اعتمادها على تجزئة العالم الروائي وكسر خطيئة الزمن وتقطيع الحكاية إضافة إلى اعتماد عالمها على سارد مصاحب للشخصية يستخلص إحداثها وآراءها من خلال أعماق هذه الشخصية مما يعني إحلال العالم الداخلي في هذه التجربة الروائية بدلا من عالم الخارج الذي تضج به الروايات السائدة في بداية السبعينيات.
وتأتي تجزئة العالم الروائي باعتماد مؤلفها على تقنية المونتاج وهي تقنية سينمائية تتضح من خلالها بعض الخواص الجوهرية لظهور الصورة وتجسدها في الحاضر خلافا للأدب الذي يعتمد على أزمنة نحوية تسمح بوضع الإحداث بعضها نسبة للبعض الآخر. ولذا فالتقنية السينمائية المعتمدة على المونتاج وعين الكاميرا والعناوين الداخلية المسموعة او المرئية جعلت الأفعال تقع في الحاضر دائماوقد استثمرت تقنية المونتاج في الرواية لتقطيع الحكاية والزمن والمكان.في إشارة دالة على عالم مفتت تحكمه آلية التباعد والتشرذم والضياع. ويتضح ذلك جليا في بنية العالم الروائي في حركة السرد التي سنفصل الحديث فيها لاحقا. وما ما يهم هنا الآن فهو التأكيد على أن زمن كتابة هذه الرواية زمنا يكاد يخلو من الروايات القصيرة باستثناءات نادرةوهذه الحقيقة تجعلنا نؤكد ان رواية (كانت السماء زرقاء) هي أحدى الروايات القصيرة الرائدة في الساحة العراقية والعربية لأنها لم تسبق برواية عراقية أو عربية تمتلك تقنياتها وعالمها المكثف الضاج والمنضبط بصفحات لا تتجاوز الـ(142) من القطع المتوسط.
لقد ولدت الرواية العراقية الحديثة عندما صدرت رواية(النخلة والجيران) للروائي غائب طعمة فرمان عام 1968 بعد زمن كتابة رواية (كانت السماء زرقاء) بثلاث سنوات. كما ان رواية (جواد السحب الداكنة) للروائي عبد الجليل المياح التي ورد اسمها في الملاحظة الهامة كانت قد صدرت عام 1968 أيضا وقد اطلع عليها الروائي إسماعيل فهد إسماعيل بعد أن كتب روايته هذه. وكانت سببا في اعتذاره في الملاحظة الهامة التي تصدرت الرواية ليؤكد انتماءه الفكري والايديولوجي الجديد والذي اتضح فيما بعد في روايته الرابعة (الضفاف الأخرى) حين جمعت شخوصا من رواياته الثلاث ضمن واقع جديد يبتعد عن أجواء العبث وهموم ألذات التي تبحث عن هوية في تلك الروايات والتحول الى عالم الانتماء والنضال السياسي والمطلبي.
ولم تظهر في الوطن العربي في عام 1965 روايات حديثة في شكلها وتقنياتها باستثناءات قليلة وهذا ما أكده الشاعر صلاح عبد الصبور في مقدمته لهذه الرواية عام 1970 أي بعد زمن كتابتها بخمسة أعوام مندهشا من هذا النمط من السرد الروائي الجديد حين أكد :(وكانت هذه الرواية مفاجأة كبيرة لي. فهذه رواية جديدة كما اتصور.رواية القرن العشرين. قادمة من اقصى المشرق العربي. حيث لا تقاليد لفن الرواية) ثم اعتبرها (من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي حتى الآن..) وملاحظا قبل هذا : (إننا في أدبنا العربي لا نستطيع حتى الآن أن نقول ان لنا طموحا إلى تجاوز الأفاق التقليدية إلى آفاق جديدة. فما زال معظم أدبنا الروائي ينبع من منطق(الحدوتة) وهو في سبيل ذلك يعنى بوصف ظاهر الأشخاص....ملامحهم وسيماهم...ويهتم بما يجري فوق سطح جبل الجليد لا بما يعتمل في أعماقه الراسخة في قاع البحر.ص8) وهي شهادة مهمة لصالح هذه الرواية وشهادة صادقة على النتاج الروائي العربي زمن صدور هذه الرواية.
ان ميلاد الرواية القصيرة في الوطن العربي المتمثل في هذه الرواية يمثل إضافة نوعية للرواية العربية وابتكارا فنيا يسعى الآن العديد من كتاب الرواية العربية على إنجازه.
وتسعى هذه القراءة إلى إضاءة هذه التجربة الروائية من خلال التوغل في بنيتها وتفحص آليات تحقق هذه البنية وبالشكل الذي يضعها تجربة روائية رائدة في مسار الإنتاج الروائي العربي القصير.

العالم الروائي
في عالم هذه الرواية يتداخل عالمان متناقضان عالم الشخصية المأزومة وعالم الخارج الذي يظهر كخلفية باهتة لعالم الداخل الضاج بالحيوية والتساؤل والسخرية المرة. ويبدو العالم الخارجي الذي يحيط بالشخصية عالما حياديا من دون أية دلالة فهو استمرار مكاني لا بد من وجوده ولذا نراه من دون تفصيل او أوصاف فيظهر المقهى مثلا في الرواية عبارة عن (أريكة خشبية ملقاة إلى جانب الشارع عند مفترق الطريق التي توصل سوق البصرة القديم.والأخرى التي تتبعه ناحية الزبير) ص25.
أما حاضر السرد فيحدد المكان من خلال حركة الشخصية في المكان الجديد بعد أن يتعرض زورق المهرب إلى مهاجمة الشرطة العراقية.ويتضح المكان بالشكل التالي : أسلاك شائكة. أشواك منتشرة في ارض زراعية متروكة. اسم المكان (السيبة): (بالأمس كان قد اتصل بأحد أصدقائه القدامى من سكان ناحية السيبة. اخبره بأنه قرر اجتياز الحدود العراقية إلى إيران). كما يتحدد المكان أيضا بأسماء أعلام كشط العرب وشط السيبة..وكل هذه الأسماء والأماكن ليس لها دلالات في العمل الروائي باستثناء الأسلاك الشائكة التي تشي بواقع مسور وشائك خصوصا اذا ارتبطت بالشخصية الثانية (الضابط الجريح) وعلاقته بالحدث المركزي إذ يظهر أمام أنظار الشخصية المحورية بهذا الشكل كمدخل تعريفي بالشخصية الثانية (الضابط):
(جسد ضخم معلق بصورة محكمة على الأسلاك.احد الحذاءين الكبيرين قبالة وجهه. أما الثاني فكان مشنوقا من الناحية الأخرى).
ويتضح العالم الداخلي الضاج من خلال منتجة حكايتي الزوجة والحبيبة المشخصة بذات الثوب الأزرق الذي سنفصل فيه عند تناول تقنية بناء زمن الحكاية.
ينبثق عالم الرواية الداخلي من أعماق الشخصية الرئيسية في الرواية. وأحداثها عبارة عن ذاكرة متأزمة ووعي ذاتي يتشكل على وفق حساسية مفرطة بانتمائها إلى ألذات في حين يشكل الخارج إطارا لتحرك الشخصية ولتداعيتها التي تنبثق دائما من مرئيات تحيط الشخصية أو تقع أمام أنظارها.
ويبتكر الروائي لهذا العالم الداخلي تخطيطا طباعيا شكليا لفصله عن العالم الخارجي المشاكس على وفق تقنية طباعية تقسم فضاء الورقة على وفق نمطين للكتابة اولهما يستخدم اللون الفاتح والثاني بالحرف البارز الغامق وقد ورد في هامش الصفحة الرابعة والعشرين من الرواية إيضاحا بذلك (من اجل زيادة الإيضاح عملنا على أن يكتب التداعي الذي يرد ذهن البطل والتداعي الذي يرد عن طريقه بحروف بارزة)(الهامش ص24).
ولم تكن هذه التقنية التي أصبحت معروفة الآن مألوفة أو مستخدمة في الرواية العربية أثناء نشرها في عام 1970 وبهذا المسعى السردي افرد المؤلف بوعيه الفني المتقدم حيزا واضحا لعالم الشخصية الداخلي باعتباره عالما خاصا ومتفردا في حين بدا العالم الخارجي إطارا لهذه المغامرة الحياتية التي يخوضها البطل باتجاه عالم لا مرئي يحاول أن يراه عبر تأزمه من عالمه الخاص الضيق الرتيب والعالم المحيط الذي يطرح عليه أسئلة محيرة تتصل بالوجود والحرية وعبث الحياة.
وبتقنية هذا الفضاء الطباعي يعمد الروائي إلى بناء عالم ضاج بمستويين أولهما يواكب حاضر السرد المشخص في حركة الشخصية في المكان الذي وصل اليه (السيبة) بعد فشل تجربة العبور الى ايران ويتضح عبر ردود الفعل الآنية التي ترافق رحلته بعد مهاجمة الشرطة للزورق الذي اقله ومجموعة من الهاربين.وثانيهما عالم الداخل الضاج بالأسئلة الوجودية المحيرة المنبثقة من أعماق الشخصية وهي تواجه إشكالات الوضع الجديد.
ويتحقق المستوى الأول حين يجد البطل نفسه في فضاء غريب عليه يتعامل معه بردود فعل مباشرة حين يسمع كلمة (- اركض) باستنكار حاد لهذا الأمر (من يأمرني !) ويعطي السارد المصاحب له توضيحا لهذا الاستنكار: (هو لا يعي ما يسمع. ويكاد لا يعي ما يدور في مخيلته. كل الاتجاهات تبعده عن الموت. إلا اتجاها واحدا...الوراء ص17) ويتعزز هذا الشعور بردود الفعل الداخلية الرافضة لتفوهات الخارج التي يسمعها من الضابط الجريح عبر صوته الداخلي منها: (عليهم أللعنة ص17) (لست منكم ص18) (لست ضابطا ص19) ثم بصوت مسموع (ولا إنسانا ص19) إضافة إلى تلخيص ممنتج لحكاية وصوله إلى السيبة وركوبه الزورق باتجاه إيران مع عشرين هاربا التي تشكل القسم الأول المرقم بالعدد 1 وجزءا كبيرا من القسم المرقم بالعدد 2.
وإذا احتكمنا إلى الحكاية التي كانت السبب المباشر في أزمة البطل وقرار هروبه إلى إيران سنجد انها أزمة مألوفة وعادية لا تستلزم كل هذا التأزم وطرح الأسئلة العبثية والوجودية. فالحكاية عبارة عن علاقة زواج فاشل ومفروض من الأهل وهي من الإشكاليات المتكررة والمألوفة. غير أن كل ذلك لم يكن ألا سببا مباشرا تكمن خلفه أسباب عميقة أساسها تلك العلاقة المتوترة مع العالم المحيط الذي يزرع الإحباط واللاجدوى والخيبة. وبعض ذلك توضحه الملاحظة الهامة التي تصدرت الرواية في طبعاتها المختلفة. التي كتبت بعد أنجاز الرواية بأعوام وهي تنتمي إلى بداية السبعينيات من القرن العشرين. وتكشف عن وعي مؤلف الرواية بالخلفية الاجتماعية والسياسية التي انبنت عليها أحداث روايته وأزمة بطلها. ولذا سنلجأ الى بناء هامش مفصل ننظر فيه الى الفضاء الواقعي الذي ظهرت فيه هذه الرواية سواء في العراق او الوطن العربي لأجل الانطلاق منه إلى فضاء الرواية ليكون بمثابة تأسيس كيان مصاحب لبنائها الفني يشير إلى المبررات الموضوعية والفنية التي أسهمت في ظهور هذا النوع من الكتابة المكثفة المفارقة للرواية العربية آنذاك والتي انعكست أيضا في الروايات العربية التي ظهرت في منتصف السبعينيات من القرن العشرين. فهي نتاج ظروف موضوعية حياتية وثقافية متشابهة.
وتلخص العبارة التي وردت في الصفحة 20من الرواية عالم الشخصية المحورية. وتنص على أن (حياته كلها سلسلة من الركض المتواصل. هو هارب. هارب من كل شيء حتى من نفسه..) وهذه العبارة تأتي كرد فعل لفعل الأمر (اركض) الذي يتفوه به الضابط الجريح. وهي عبارة خارج ذهن الشخصية أي أنها لا ترد من خلال ذهنه. بل كتعليق من قبل السارد المصاحب للشخصية. وبهذا المعنى فإنها تكتسب شموليتها في التعبير عن عالم مشظى لا يمكن الإمساك به. ويتعزز هذا المفهوم عن هذا العالم المتداعي من خلال ذكريات الشخصية او بالحوارات التي يتلفظها بشكل ساخر او من خلال تعليقاته الملفوظة او الداخلية. ففي معرض تعليقه على قرار القاضي الشرعي بإرجاع زوجته له بعد ان طلقها عدة مرات لأنه كان مخمورا يعلق تعليقا غير مسموع ورد بالشكل الآتي (هو لا اتعاطى شرب الخمر. شل لسانه امام الرجل المسؤول وفي داخله تعتمل ثورة. رغب أن يقول:
(كيف تتوفر القدرة السحرية لكلمات معدودة للقضاء على علاقة زوجية؟! ألا يجب ان تتوفر الأسباب الكفيلة بإقناع الطرفين للابتعاد عن بعضهما.....ص30)
وفي حواره الداخلي حين يرى الأسلاك الشائكة وهي تحيط بالأرض الزراعية يعلق ساخرا وهو يتساءل (لماذا أحاط صاحب الأرض أرضه بالأسلاك الشائكة؟... ويجيب (من اجل ان يحميها من الآخرين؟.. هو يزرعها من اجلهم !.) وتبلغ السخرية مدى كبيرا عندما يعلق قائلا: (الحيوانات تعيش على هذه الأرض. تأكل منها. تموت عليها. لكنها لا تبيعها أو تسورها. لعل الحيوانات لا تعي وجودها...ص37). إن هذه الأفكار العبثية التي ترد ذهن البطل في حاضر السرد. هي نفسها التي تشكل حياته في عالم الزوجية او بالعلاقة مع ذات الثوب الأزرق. ففي علاقته الزوجية لم يشعر يوما بالانتماء الى عالمه العائلي وكان دائم التمرد والشكوى من هذه العلاقة. الامر الذي دفعه لطلاق زوجته ثلاث مرات. كما انه كان يرفض كل التوسطات التي تتحجج بالأطفال والأم والأب متجاوزا كل ذلك باتجاه ساخر او غاضب ويؤكد هذا المقطع الممنتج وجهة نظره في الحياة الزوجية :
(في المرات السابقة كانت تنتابني نوبة من الشرور سرعان ما تتحول الى صراع داخلي مجنون. وتدوي في رأسي آلاف المطارق «..أطلقها؟..لا. أطلقها؟ نعم. أطفالي؟...الى الجحيم بهم. أطفالي؟..ضحايا بريئة. أنا؟.. اكرهها..أنا؟..تعودت معاشرتها. أبي؟ إلى الجحيم به. أبي؟ قادها الي بزواج أعمى. أمي؟.. لا يمكنك احتمالها الى الابد. امي؟ والأطفال أخي؟ لا دخل لي في الأمر....ص87-88).
ان هذا التداعي المكثف والممنتج يكشف العلاقة مع الزوجة والاهل. ويشي بالقطيعة مع الجميع حين يرد الحوار ونقيضه في ذهن البطل وهو يسرد علاقته الزوجية لذات الثوب الازرق، ولو كان قد تخلص من الكابوس العائلي لورد هذا الحوار بشكل آخر وليس بشكله المتشنج والمتقطع الدال على الضيق النفسي والرفض القاطع لذلك العالم الرتيب.
اما علاقته بذات الثوب الأزرق فتبدو من خلال نزوة عابرة تتحكم به من اجل الإيقاع بها وجرها إلى عالمه المجنون. ويتضح ذلك من تعليقاته المصاحبة لعملية الإيقاع بها : «انا اسرقها...اسرق شيئا إنسانيا»ص32 ويتكرر ذلك بعد عدة اسطر. كما ان هذه العبارة تتكرر في صفحات أخرى من الرواية إضافة إلى عبارة (أنت إنسان خاص) التي يرددها دائما باعتبارها معادلا لهذا الخراب الروحي الذي يحيط به ويأخذ بخناقه.
أما وجهة نظره عن الحياة فتلخصه هذه العبارات :(يتألم..ما هو الألم؟..هو ما عاد يحس إحساسات إنسانية. كل الذي يعرفه انه ولد عفوا. ودون مبرر. ثم القي به في خضم الحياة. هو لا يعني سوى الشعور باللاجدوى وإحساس آخر يحز في نفسه...الغثيان ص 86-87).
ان عالم الشخصية الروائية في هذه الرواية هو عالم شخصية واعية لمصيرها ومثقفة تمارس كتابة القصص. وفي أحد لقاءاتها الممنتجة مع (صاحبة الثوب الازرق) يصرح لها بما يهدف اليه من كتابة القصص (ان انصر انسانية الانسان الذي اضطره المجتمع. ودفعته ظروف معينة الى سلوك مسلك مغاير لسلوك الاخرين.ص43) غير ان العالم الواقعي المعيش يضعه في ازمة وجودية عميقة تطرح عليه تساؤلات محيرة عن معنى الحياة التي يريد وبين الواقع الصلد الذي يرعبه برتابته وحركته البطيئة باتجاه تكريس العلاقات البائدة وادامتها. بالضد من تطلعاته الثقافية والفكرية.
وتتضح وجهة نظره في الاحداث السياسية في بلده (العراق) في تلك الفترة من تاريخ العراق من خلال تعليقاته وحواراته مع الضابط الجريح وهي وجهة نظر مفارقة لما كان يحدث من عسف وتنكيل وإبادة. ففي معرض تعليقه على عبارة عامل السينما الذي يصف بناية السينما بانها بناية قديمة جرى تجديدها وطلائها بالالوان قائلا :(اذن فالمادة الخام هي...هي..الجوهر هو..هو.. تبدلت الاسماء. وزوق المظهر الخارجي بالوان رخيصة. واقع ما قبل سنوات هو واقع اليوم..ص45) وهو رد ضمني على الشعارات الزائفة التي رفعها انقلابيو 8 شباط في ذلك الوقت(عام 1963).
لقد كان ميلاد هذه الرواية في منتصف ستينيات القرن العشرين.استجابة فنية مبكرة للتحولات الفكرية والسياسية والادبية التي وجدت لها مناخا ملائما بداية سبعينيات القرن العشرين في العراق والوطن العربي.وهي استجابة ظهرت لاحقا في النتاج الروائي العراقي والعربي.