كاظم إسماعيل الكاطع الشاعر والإنسان

كاظم إسماعيل الكاطع الشاعر والإنسان

رحيم يوسف
تندرج محاولة الكتابة عن الكاطع ضمن خانة المغامرة، اولأقل الدخول في متاهة متشعبة، فهو شاعر كبير متعدد المواهب، وكتب كل شيء تقريبا، ولا يختلف اثنان على موهبته الفذة وقدرته الكبيرة في الكتابة، شخصية رافقتها كثيرا واستفدت منها أكثر، وها انا احاول الاقتراب من عالمه قدر استطاعتي. (اسير مع الجميع وخطوتي وحدي)

هذا ماكتبه سعدي يوسف وهذا القول ينطبق تماما على كاظم الكاطع، فهو صوت هادر في برية ارواحنا محيلا القبح إلى جمال شفاف عبر لغة بسيطة راقية لا تشبه مثيلاتها في الشعرية العراقية بغزارة شديدة لا تجنح إلى التكرار اطلاقا. هذا الجنوبي العملاق الذي استلهم روح الجنوب وحزنه الموجع منذ صباه في صرائف العاصمة والشاكرية حيث الجوع والفاقة والحرمان في بيوت الطين، وهو يخزن في ذاكرته الأحداث والمواقف، ومن ثم دراسته للأدب الإنكليزي التي وسعت مداركه وأثرت ثقافته لينطلق في رحاب الشعر منذ إصداراته الأولى حتى اواخر ايامه، ليتحول إلى مدرسة شعرية قائمة بذاتها أضافت الكثير جدا الى الشعرية العراقية وخرّجت اجيالا من الأسماء اللامعة التي يشار اليها بالبنان. أي شعور يجتاح الانسان وهو بمواجهة الموت يجلس مترقبا، وهو يستعرض شريط حياته في تلك اللحظات المشحونة بالخوف بل الرعب والترقب بين أزيز الرصاص ودوي الانفجارات التي لا تتوقف، لايدري من اين ستأتي رصاصة غادرة او شظية ظلت طريقها باتجاهه، لتنهي حياته وتحوله إلى جثة هامدة هناك في عمق الهور، حيث يتحول القصب والبردي إلى ملايين النايات التي تنشد حزنا يزيد جنون الواقع المتلفع بسواد الموت المجاني، يكتب الكاطع (الليلة اموت الليلة آخر ليلة، الغيم مد ايده على راسى والمطر شد حيله) اي احساس بالفجيعة يجتاح الشاعر حين يتحول المطر الى رمز للموت، المطر الذي يملك أسرار الخصب وديمومة الحياة الازلية ليهرب منه باتجاه مانحة الحياة الاولى واعني الأم عسى ان يكون سواد(شيلتها) بديلا عن سواد الغيم الذي تحول هو الاخر الى رمز للموت محاولا العودة إلى ايام طفولته الأولى في حماية الام. (ما مرتاح منك مني من الجاي من الراح) الكاطع الذي تناوشته الهموم مبكرا وتعرض الى المضايقات والمطاردات في مدينة الثورة، وضاقت به سبل العيش وبالكثر من أبناء جيله والأجيال اللاحقة، كان يعيل عائلة كبيرة مع زوجتين في بيت صغير في مدينة الثورة كنت التقيه يوميا في بيته بصحبة الشاعر مكي الربيعي ومجموعة من الاصدقاء، تسربوا من ثقوب الذاكرة أوفي نادي اتحاد الادباء في ساحة الأندلس في الأوقات التي رافقته فيها كان حيويا كريما طريفا لاذعا في ذات الوقت، غالبا ماكنت اشاكسه بمحبة فيرد علي وهو يضحك:
(انته خبيث بتشديد الياء منين طالبهه منين فريجي وماخذلك مرة من الناصرية). مرة اتصل بي ليدعوني للذهاب إلى نادي اتحاد الادباء، حين وصلت وجدته يتسيد طاولة ويتحلق حوله مجموعة كبيرة لا اعرف اكثرهم كانوا سعداء وهم يشربون البيرة ونحن نشرب العرق همس لي رحيم (ذوله يشربون بدون وجع كلب والحساب راح ايطيح براسنه) في نهاية الجلسة دفع كل منا سبعة دنانير ونحن نخرج قال امشي انتعشه باجه واذا بالجميع يصعدون معنا ، جلبوا لنا صينية كبيرة مملوءة بالثريد مع رأس من الباجه همس باذني: (الولاد خوش يفنغشون ثم خويه خربيتي انته ماكلت لحيمه ونادي بويه جيبولنه نص رأس عوازه) فانبرى أحدهم صارخا (رأس رأس) رد عليه كاظم (انهجم بيتك الفصيح) ودفع كل منا سبعة دنانير أخرى بعد ان شربنا الشاي قال لهم (بويه احنه منا ماشين لاهلنه) وهنا خاطب أحدهم الكاطع قائلا (ابو وسام شكرا عالرفقة الجميلة والخمرة اللذيذة والعشوه الهانئة) فرد عليه شكرا (عالفجوج). في فترة قصيرة فقد الكاطع الحبيبة والابن الذي مات منتحرا فتلاقفته الأمراض ليرحل تاركا إرثا كبيرا بحاجه الى قراءات متعددة بحثا عن القيم الجمالية الكبيرة التي يحتويها. اخيرا لا اظنني وفيت الرجل حقه في هذه العجالة.