ألا إن القوة الرمي ..الملك فيصل الثاني وهوايته في الصيد وجمع الأسلحة

ألا إن القوة الرمي ..الملك فيصل الثاني وهوايته في الصيد وجمع الأسلحة

■ علي أبو الطحين
لا نجادل في حقيقة إذا قلنا أن المقهى أو الشاي خانه (توجد فروق كثيرة بين المصطلحين) ما هما سوى مكانين وجدا أصلاً للاجتماع أو اللقاء، ثم للتجارة فالاستراحة. وإذا كان للذاكرة أن تسعفنا بإسناد الرواة، آباء أو أعمام أو أخوال أو ختيارية أو تبع ما وصلنا عبر توثيق مدوّن أو مصور ، فإن الأمر في كل الأحوال يضطرنا أن نضع لتاريخ المقهى (في الموصل في الأقل) زماناً لا يرجع بالقدم إلى أبعد من عقدين لما قبل سنة 1900، أو إلى فاتحة القرن العشرين المنصرم على أبعد احتمال.

منذ نعومة أظفاره نشأ الملك فيصل الثاني على حب الفروسية والصيد والرمي ، وحين شب كان قد أصبح بارعاً في القنص والصيد وذو مهارة فائقة ودقة في الرمي وأصابة الهدف ، وتولدت له رغبة جامحة في جمع المقتنيات القديمة والحديثة من الأسلحة الخفيفة . في صيف سنة 1957 وضعت مجلة غان " GUN " الآمريكية المختصة بالصيد والرمي والاسلحة ، مقالة في ستة صفحات عن الملك فيصل الثاني وهوايته ومقتنياته من الآسلحة النادرة . وزينت تلك المقالة بالعديد من الصور الفريدة للملك في مشاهد الصيد والرمي مع نماذج من مقتنياته الثمينة من تلك الأسلحة ، ومنها المسدس الألماني الأتوماتيكي لوغر المرصع بالذهب على جانبه بعبارة " ألا إن القوة الرمي ".
تتضمن خزانة الملك فيصل الثاني من المقتنيات ، نماذج لجميع الأسلحة الخفيفة من مسدسات وبنادق ورشاشات كانت تستخدم في الجيش العراقي منذ تأسيسه سنة 1921 وحتى ذلك اليوم . إضافة الى نوادر الأسلحة من هدايا قدمت إلى الملك فيصل الأول والملك غازي وما قدم إليه شخصياً . ومنها زوج من بنادق بردي Purdey البريطانية الثمينة ، كانت هدية من الملك جورج الخامس إلى الملك فيصل الأول ، عربون الصداقة بين البلدين ، وقد رصعت بالذهب الحروف الأولى من أسماء الملكين متداخلة على عقب البنادق . وهناك بنادق الصيد للملك غازي من نوع ماوزر أبورندورف الألمانية و فاكلاف هولك الجيكية . وكان الرئيس اللبناني كميل شمعون قد أهدى الملك فيصل الثاني زوج من المسدسات اللبنانية القديمة المغطاة كاملة بالفضة مع حافظتها الجلدية الاصلية تعود إلى إبراهيم باشا الكبير ، أبن محمد علي باشا الكبير والي مصر ، عند احتلاله بلاد الشام في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر . وتضم مجموعة فيصل النادرة أيضاً بندقية ريمنغتون قديمة تمت مصادرتها من قبل الشرطة من أحد قطاع الطرق ، ومسدس لفوشته (ابو البكرة) بلجيكي الصنع من القرن التاسع عشر ، عثر عليه أحد عمال البناء مدفونا في أقبية بيت من بيوت بغداد القديمة ، وتم تقديمه هدية إلى الملك .
كذلك تحوي خزانة مقتنيات الملك فيصل الثاني مجموعة نادرة من السيوف العربية والإسلامية القديمة والنصال الدمشقية الناعمة البراقة والعديد من الخناجر وأغمادها المزركشة والمرصعة تعود الى عدة قرون مضت .
أضاف فيصل الى مجموعته كل ما هو حديث من الرشاشات الآلية والنصف آلية في ذلك الوقت ، مثل شمايزير الألمانية وغريز غان الأمريكية ورشاشة سترلين البريطانية وكذلك نموذج من الرشاشة الروسية الخفيفة PPSH-41 التي كانت تصنع في أيران . وحصل فيصل ايضا على البندقية الاتوماتيكية البلجيكية سيفي التي صنعت للجيش المصري ، ناهيك على العديد من البنادق الأخرى التي كان يستخدمها في ميدان الرمي في تل الملح ، مثل بندقية غافير 98 ماوزر الالمانية وبندقية انفيلد البريطانية التي تعود الى ايام الانتداب البريطاني على العراق .
اسس الملك فيصل الثاني ، النادي الملكي للرماية ، وخصص له تل الملح خارج بغداد كميدان للرمي . صمم في الميدان ، حقل 50 ياردة للرمي بالمسدسات ، وحقول من 100 و 200 و 300 ياردة للرمي بالبنادق . ويجتمع المشاركون في النادي في لقاءات اجتماعية لتبادل الآراء والمعلومات حول رياضة الرمي وكذلك تنظيم زيارات الى حقول الرماية ورحلات للصيد الى مناطق العراق المختلفة . وبصرف النظر عن المسؤوليات العادية لأعضاء النادي ، كانت هناك لجنة دائمة لدراسة مشاكل المحافظة على البيئة العراقية وتعزيز تنفيذ القوانين الصادرة بالصيد الجائر والقنص خارج أوقات الموسم . وقام النادي بحملة توعية كبيرة في موضوع المحافظة على البيئة تتمثل في تشريع القوانين والتعليم من خلال الصحف والاذاعة ، وتطبيق القوانين .
ذكر فيصل لمراسل مجلة غان أنه يتدرب اسبوعياً على الرماية في حقول الرمي في القصر الملكي ، ويذهب الى النادي بشكل مستمر للرمي البعيد ، ويحلو له صيد الطيور والصيد بالطعم في الآهوار في جنوب العراق ، وأشار الى انه في زيارته الاخيرة الى هناك أستطاع اسقاط 47 من البط البري ، بأستخدام بندقية وينشستر موديل 12 الأمريكية .
بجانب ولعه بالمقتنيات ، ومهارته في الصيد ، يتمتع الملك فيصل الثاني بدقة عالية بالرمي وأصابة الهدف . وأكد مرافق الملك اللواء نوري جميل للمجلة تلك البراعة للملك في الرمي ، وقال: أراهن على قدرة الملك بتهشيم على الأقل أربعة من ستة قناني زجاجية ترمى سوية في الهواء باستعمال المسدس .
ويذكر ان للملك فيصل الثاني مكتبة كبيرة من الكتب والمجلات والدوريات الخاصة بهوايته بالصيد والرمي والمقتنيات ، وان القناصل العراقيين في الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وبقية الدول التي تصنع الاسلحة ، كانوا يرفعون للملك باستمرار قصصات عن كل ما ينشر من مواضيع في الصيد والأسلحة في الصحف والمجلات والكتب الصادرة في تلك البلدان ما يهم الملك وينمي هوايته .
يروي ريموند ثورب في مقالة أخرى في احدى المجلات الامريكية قصة طريفة عن رغبة الملك فيصل الثاني بأقتناء سكين صيد أمريكية مشهورة تعرف بسكين باوي Bowie Knife . في سنة 1955 وقع في يد الملك فيصل كتاب عن تاريخ سكينة باوي فأعجب بها ورغب بإقتنائها ، فطلب الملك من مرافقه نوري جميل الكتابة الى مؤلف الكتاب ريموند ثورب ويستفسر منه كيف يمكن الحصول على هذه السكين وما هو السعر التقديري لها . يقول ثورب وصلتني الرسالة عن طريق رئيس الجامعة التي نشرت الكتاب وطلب مني مساعدة الملك بالحصول على هذه السكين .
صنع سكين باوي حداد أمريكي أسمه جيمس بلاك من ولاية أركنساس في الولايات المتحدة في حدود سنة 1830 بطلب من ضابط أمريكي يدعى الكولونيل جيمس باوي ، وسميت السكين على أسمه . وبعد ان أشتهرت هذه السكين ، قام بلاك بصنع العديد منها حتى تداركه العمر وأصابه العمى ومن ثم وفاته في سنة 1872 . لم يكن الأمر هيناً على ثورب للحصول على السكين الأصلية للملك فيصل ، فالسكين نادرة جداً وغالية الثمن أن وجدت ، وأن أغلب ما هو متوفر في السوق هو تقليد وليس أصيل . وكانت أحدى المجلات الأمريكية قد نشرت موضوعاً عن رسالة الملك فيصل الثاني ورغبته بالحصول على هذه السكين النادرة . فجاء الحل من رئيس احدى الشركات الأمريكية التي تصنع أدوات المطبخ، ويدعى ولتر دون راندال . فأتفق راندال مع ريموند ثورب بتصنيع زوج من السكاكين طبق الأصل عن سكاكين باوي الأصلية التي يملكها ثورب وأرسالها الى الملك فيصل الثاني، وهذا ما حدث . قام بعدها راندال بصناعة هذه السكين بشكل تجاري واصبحت تعرف بسكين ثورب باوي ، ويشار الى السكين حتى هذا اليوم في سوق المقتنيات بأنها نسخة من سكين الملك فيصل الثاني . وأصبحت في الوقت الحاضر نادرة بطبيعة الحال ، فقد عرض زوج من هذه السكاكين مشابهة طبق الأصل لسكاكين فيصل في مزاد على الأنترنت في نهاية العام الماضي بسعر 45 ألف دولار أمريكي.