صفحات مطوية من حياة الشيخ محمد رضا الشبيبي

صفحات مطوية من حياة الشيخ محمد رضا الشبيبي

سيف الدين الدوري
باحث ومؤرخ
باحث ومؤرخ هو محمد رضا بن جواد بن شبيب بن إبراهيم بن صقر الجزائري بن عبد العزيز بن دليهم. وهو من منطقة الجبايش في محافظة ذي قار حيث سكن جده الاعلى شبيب الذي إقترن به إسم الأسرة.
ولشبيب ولدان هما محمد وموسى، توفي الأخير دون خلف، أما محمد شبيب فقد تزوج إبنة الشيخ صادق أطيمش أحد رجال الأدب والفكر في مدينة الشطرة.

وغادر محمد شبيب الى النجف في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر بسبب نزاع مع عشائر المنطقة أدى الى فقدان أراضيه الزراعية ولرغبته الجامحة لدراسة العلوم الدينية. وكانت النجف في نظره المكان الأنسب لكونها مركزاً دينياً وفكرياً توفرت فيه عناصر الجذب لاستقطاب طلاب العلوم الدينية بالاضافة الى طموحه في مركز إجتماعي عالٍ.
تنتمي أسرة محمد رضا الشبيبي الى فخذ المواجد من عشيرة بني أسد المعروفة التي تقطن الجبايش والمناطق المجاورة لها، وهذا ما يؤكد أرومتها العربية الأصلية أن مجموعات الناس الموجود هناك منذ أدوار ما قبل التاريخ إستطاعت ان تحافظ على عنصريتها وأصلها القديم الذي نجده اليوم إذ بقي الاختلاط محصوراً فيها ومقتصراً عليها فقط. نشأ جواد والد محمد رضا الشبيبي في كنف جده لامه صادق أطيمش وتعلم القراءة والكتابة ومبادىء الأدب. وعلى ما يبدو أن الوسط الثقافي الذي ترعرع فيه بعد جده للسفر الى بغداد ومن ثم الى النجف ليستقر فيها ويستقي من علومها.وبدا نجم محمد جواد يتألق في النجف بسرعة وذلك بسبب علمه وفضله وخلقه ، فقد قال عنه العارفون أنه كان من أشياخ الكتاب وفحول الشعراء تعبّر عن مقامه المحمود في صناعة الكتابة مقاماته التي يعلو لها البديع.
ولد محمد رضا الإبن الأكبر لجواد الشبيبي يوم الاثنين المصادف للسادس من أيار/مايو 1889 في حي البراق أحد أحياء النجف القديمة وكانت والدة الشبيبي بهية بنت مهدي تنتمي الى أسرة الطريحي النجفية المعروفة وقد انجبت فضلاً عن محمد رضا محمد باقر (1890-1960 ) أحد أبرز مثقفي العراق المعروفين ومن كبار مفكري ثورة العشرين ومحمد جعفر ومحمد علي والشاعر محمد حسين ومحمد رشاد.
نشأ محمد رضا في حي البراق بالنجف ليقضي فيها شطراً من حياته مع صبيتها ويدخل في أحد كتاتيب النجف لتعلم القراءة والكتابة وحفظ الآيات القرآنية على يد سيدة فاضلة تعرف بإسم (مريم البراقية) وكان ذلك عند السنة الخامسة من عمره ليتعلم بعدها الخط على يد الشيخ هادي مصير أحد خطاطي النجف المعروفين آنذاك.
كانت بداية تعلّم الشبيبي هذه لا تختلف عن بداية أقرانه فالكتاتيب هي التي كانت تقوم بدور مؤسسات التعليم ولم تكن المدارس منتشرة آنذاك وحتى عندما فتحت المدارس الحديثة ، فقد كانت حكراً لأبناء الموظفين والقلة القليلة من أبناء المتصلين بهم من وجهاء ذلك الزمان. ومن هنا نرى أن محمد رضا الشبيبي قد أكمل مراحل تعلمه الأولى على طريقة الدراسة التقليدية في النجف فضلاً عن الرعاية التي أولاها إياها والده.
إلا أن الشبيبي لم يستمر في إكمال مراحل الدراسة النجفية التقليدية الثلاث بل إنقطع عنها بعد أن إجتاز المرحلة الاولى منها أي المقدمات ليتجه إتجاهاً خاصاً به بعد أن أحسّ بالنفور منها بسبب ما لمسه من جمود وتقيد فيها فإتجه الى الدراسة الحرة والتفكير المجرد.
ومن هنا تحوّل الوالد محمد جواد الشبيبي الى المعلم الأول لإبنه البكر والى موجهه فقد أرشد ( ولده) فلذة كبده محمد رضا في وصية خاصة خطها بقلمه وكتبها باسلوبه في اليوم السادس من تموز/يوليو سنة 1904 وكان الولد يبلغ من العمر خمس عشرة سنة جاء فيها” جد للعلم فيه يظهر جدك، والى العمل ، بما تعلم فذلك رشدك وإتق الله خير تقاته وثق منه بالتسديد وتوكل عليه ولا تعتمد على مخلوق في شيء ، فأمر الخلق اليه وإستعمل أحسن السلوك وتودد الى القوم الذين يتودد اليهم أبوك ولا تهتم بأمر المعاش فإن أباك قد فارق أباه وهو إبن سبعة أيام فدبره الله على ما رأيت. وأمك أمك أحسن خدمتها فقد ربتك صغيراً وخدمتكَ كبيراً ولئن مكنك الله وأني لأرجو ذلك فلا تجعل على يدها يداً ولا تقدم عليها أحداً إخوتك إخوتك أحسن تربيتهم وأدبهم وكما يرضي الله وأهل الورع”.
وكان محمد رضا الشبيبي نفسه يعتز كثيراً بارومته العربية الأصلية فقد كتب عن والده بخط يده أنه من أسرة عربية عريقة في العلم والأدب شهيرة في النبل والكرم.
يقول الشبيبي عن نفسه “ كان لي وَلَع بتعلم اللغات أيام شباب ولكن لم أجد لغة غير العربية إجادة تامة .. أني أعرف طرفاً من الفارسية ، ومن اللغات الشرقية الأخرى ومن بعض اللغات الغربية”.
ويقول أيضا”أنني لا أدعي بأنني صاحب رسالة ، بل أنا أبذل جهدي في سبيل المصلحة العامة والعمل في سبيل المصلحة العامة ليس له نهاية فهو عمل باقٍ ما بقيت الحياة وما ترددت الأنفاس.
فقد عاش الشبيبي في صباه وشبابه حياة طالب علم ، منفتح الذهن ، صافي الفكرة، منشغلاً بالقراءة والبحث ، يقتطع من ذلك أوقاتاً للتفسح أحياناً، وكان يمتلك عاطفة جياشة لم يفصح عنها علناً إلا عند وفاة زوجته التي هزته هزاً، وكشفت عن كوامنه التي طالما لم يفصح عنها في أصعب لحظات حياته.
كان الشيخ محمد رضا الشبيبي سريع البديهة حلو النكتة ، لا يجامل أحداً حتى إذا كان ذلك شخصاً مثل نوري السعيد الذي كان يكنّ للشبيبي إحتراماً خاصاً جديراً به . وكان لا يسكت عن كائن من كان إذا أحس أن في كلامه ما يمس العراق من طرف خفي حتى وإن كان ذلك شخصاً مثل طه حسين الذي كان الشبيبي يجلّه لعلمه وأدبه.
تميز الشبيبي بطبع هادىء ، فكان يكضم غيظه في فورة غضبه حتى في عز أيام شبابه ، فلم يرد على أحد من منتقديه في ميدان العلم شفاهة أو كتابة .
كان محمد رضا الشبيبي معتدل البنية حنطي اللون مربوعاً أقرب الى الطول ، طبيعي النظر، خفيف اللحية . كان جاد المظهر متواضعاً في الهيئة ، يلبس قباء بلون داكن ، وعباءة سوداء ، وعلى رأسه عمامة بيضاء ، ليبدو متانقاً حسب مفاهيم المجتمع يومذاك ، عرفه الجميع منذ شبابه وقوراً متزناً بسيطاً الى الحد الذي تجاوز فيه ثوابت أبناء طبقته، للشيخ محمد رضا الشبيبي الشخصية العراقية الوطنية ، مواقف كثيرة معظمها طويت ولم يعرف عنها أحد من هذا الجيل، أو حتى البعض من الأجيال السابقة. فقد ولِد الشبيبي عام 1889وتوفي عام 1975 ،ولم يملك من حطام الدنيا شيئاً لا مال ولا عقار فقد كان بيته مرهوناً يوم وفاته بمبلغ ثلاثة آلاف دينار.حسب ما أبلغني بذلك ولده الدكتور أكرم الشبيبي.
شغل الشيخ محمد رضا الشبيبي خلال حياته مناصب سياسية، وثقافية، وتربوية في الدولة العراقية، منها مناصب وزارية وخاصة وزارة المعارف،التي استقال منها بسبب خلاف بينه وبين طه الهاشمي كما كان عضواً في مجلس الأعيان .ويقود المعارضة فيه.فهو متأثر برأي الكواكبي في أن التربية هي أداة لتقويم الخلق ولسمو الروح.وأن التربية يجب أن تكون أداة لمحاربة الشرور والاستبداد. وفي إطار التربية لدى الشبيبي يتعدى المدرسة ويتعدى الجيل الناشيء ، بل أنها أداة إصلاح للجميع من أجل المجتمع المنشود لا يستثني منها أحداً.
ويرى الشبيبي في حجر الأم المدرسة الصغيرة التي تربيك على قدر إستعدادك، ثم يأتي دور الأب ثم الأسرة في تربية الطفل . أما تربية العقل وتثقيف الشعور هما وظيفة المدرسة والأستاذ في نظره. فيقول “ نحنُ نريد للطلاب ملكات تجعلهم يقرأون ويكتبون وينشئون ويخطبون”.
فقد ساهم الشبيبي في بناء الدولة العراقية بعد أن أختير لمقابلة الشريف حسين بن علي في مكة، ونقل له مطالب الشعب العراقي للتخلص من الاحتلال البريطاني . هذه المطالب التي بعث بها الشريف حسين بدوره الى نجله الأمير فيصل الذي كان يشارك في مؤتمر الصلح بباريس عام 1919 ليعرضها على المؤتمر هناك.كما شارك الشبيبي في الحرب العالمية الأولى الى جانب الجيش العثماني ضد القوات البريطانية في العراق.
لم يعرف الشبيبي للتعصب معنى أياً كان شكله قومياً أم دينياً أم طائفيا ، مما جعل الجميع يتحدثون اليه بملء الحرية في تبادل الرأي بعيداً عن الغرور والكبرياء. وهو الى ذلك كان وفياً للجميع للقريب والصديق والجار والبعيد. وقد تجلى وفاؤه في حبه للنجف الذي كاد أن يكون عشقاً لا يجاريه عشق الوطن. وكان ذلك ضرباً من ضروب الوفاء الجليل لمسقط رأسه حيث عاش أيام صباه وشبابه وحيث تعلّم وعلّم وحيث ساهم في الحياة السياسية والأدبية مساهمة فعّالة.فمنذ أيام شبابه جمع الكتب والمخطوطات النادرة وأولاها إهتماماً خاصاً وكان من الذين يحضرون بإستمرار مزاد الكتب الذي كان يجري كل خميس وجمعة في قيصرية علي أغا بالنجف فتجمّعت لدية طائفة كبيرة من رسائل وكتب ومخطوطات نفيسة. وقد تجمّع لديه ما يربو على سبعة آلاف مجلد بين مخطوط ومطبوع.
لم يتناقض إباؤه مع تواضعه ووفائه إذ لم يكن فيه أي قدر من التعالي ، فقد جاء إباء الشبيبي من كونه مجبولاً على معاداة الذل والهوان والاستبداد فهو لم يكن من النوع الذي يرضيه “ مشروع ضيم موردا” أو يقبل بـ” مرتع ذل مرعى” كما ورد في خماسية له تحمل عنوان “ نفثة مصدور” نشرها في عز شبابه.
كان الشيخ الشبيبي يعرف أن لكل مقال مقام مما جعله إنساناً ممتعاً ، أما تقواه وأدبه الجم وسلوكه القويم فلم يكن لأي منها حد أو حدود، ولم ينجذب لمغريات الحياة ولا لمجلس السمر التي كان يرتادها العديد من معاصريه في مجال الشعر. ولم يكن ضعيفاً أمام المال، بل أنه جرّب الحاجة اليه مراراً في حياته وربما كان ذلك أحد أسباب عدم ميله للرحلات، ومن المنطلق نفسه لم يتخذ من الأدب والعلم حرفة تدرّ المال عليه.وفي هذا المجال يقول الشبيبي في إحدى قصائده:
المال مأرب كل في صناعته
بئس الصناعة لا كانت ولا الأرب
يستعجلون من الأغراض أعجلها
أين التطوع في الأعمال والقرب
يقيّض الله رزقاً غير محتسبٍ
إذا مضى عملٌ في الله محتسبُ
كان الشيخ الشبيبي من المطالبين بالحرية والدستورية وضد الإستبداد لذلك نراه وقفَ موقفاً مسانداً لحركة الاتحاد والترقي في تركيا عام 1908 ووقفَ معها بحماس حاله حال أي مثقف عربي آخر ، إذ علّقَ عليها آمالا كبيرة بأنها تؤدي الى إنعتاق العراق من مشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تفاقمت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1876 - 1908 . لكن سرعان ما أصيب الشبيبي مثل أقرانه الوطنيين بخيبة أمل كبيرة من سياسة الاتحاديين التي إنصبت في إتجاه قومي متعصب معادٍ للطموحات المشروعة للشعوب غير التركية الداخلة في الامبراطورية العثمانية. فقد نقض الاتحاديون عهودهم التي قطعوها للعرب وللقوميات الأخرى بشأن منحم حقوقهم القومية وبدأوا يتبعون سياسة أكثر ديكتاتورية مما سبق عهدهم وأقاموا نظاماً مركزياً جعلوا من سياسة التتريك أحد أهدافه المركزية. مما زعزع الثقة بهم. وإنتقلَ الشبيبي الى الخندق المعادي للاتحاديين.كما تأثر الشيخ الشبيبي بأفكار جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا التحررية الاصلاحية التي كانت تصل الى العراق بصورة خاصة عن طريق مجلتي “ العروة الوثقى” و” المنار” وغيرهما.إذ كان الشبيبي على إتصال وثيق بالصحافة العربية ولا سيما بـ” مجلات مصر وسوريا” التي وَجَدت طريقها الى العراق فالنجف في تلك المرحلة. وكان أكثر العراقيين نشراً فيها. يقول الدكتور عبد الرزاق محي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي السابق الذي زامل الشبيبي على مدى سنوات “ أن الشبيبي وأقرانه كانوا يقرأون بلهفة وشوق ما في صفحات المجلات والجرائد العربية من أبحاث ومقالات ، فبدأوا عن طريقها يقرأون آثار الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وشبلي شميل واليازجي والبستاني وغيرهم فتلقوا أفكارهم “. كما أن الشيخ الشبيبي تأثر بتجربة الثورة الدستورية في إيران عام 1905 إذ كانت النجف على إتصال بتلك الثورة التي فرضت الدستور والبرلمان على الشاه بعد أقل من عام على إنطلاقتها بحكم سيل الزوار الايرانيين الى العتبات المقدسة في العراق الذين تحولوا الى أشبه بمراسلين ينقلون أنباء الثورة وأخبار تطوراتها ووقائعها.كما كان الشبيبي معجباً بمدحت باشا وبأفكاره وإصلاحاته.

الشبيبي ضابطاً في الجيش العثماني
والشيخ الشبيبي يتحدث عن نفسه حينما كان ضابطاً إحتياطاً ضمن القوات العثمانية ببغداد، ومشاركته القتال معها ضد القوات البريطانية التي دخلت العراق عند الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، في حديث له مع جريدة الزمان البغدادية لصاحبها النائب عن مدينة الموصل توفيق السمعاني وذلك في عددها الصادر بتاريخ 6/1/1957 فيقول»كنا من طلاب مدرسة ضباط الاحتياط التي أنشئت في بغداد، عقب إعلان الحرب العالمية الاولى، وكانت المدرسة مكونة من صف واحد، قسّم الى شعب أربع، وكان عميد هذه المدرسة، ضابط تركي من صنف أركان الحرب أسمه- عادل بيك- وأختير المدرسون كلهم من الضباط الأتراك، ولا أنسى أن بعضهم من الالبانيين، وأبناء الإستانة من الأتراك، وكان من زملائنا في مدرسة ضباط الاحتياط ،الأستاذان نصرة الفارسي وناجي شوكت وغيرهما. أما مكان المدرسة المذكورة فهو متصرفية بغداد بالقرب من القشلة . وكانت قبل ذلك مدرسة لطلاب الحقوق في بغداد .كنا نتدرب يومذاك تدريباً عنيفاً على إستخدام الأسلحة الحديثة في ضواحي بغداد . والواقع أن بعض رجال الادارة والجيش من الأتراك، لم يكونوا مرتاحين الى إندماج الشباب العراقي في هذه المدرسة، وتلقي الثقافة العسكرية، فلذلك حاولوا فصل العناصر العراقية البحتة، من البقاء في المدرسة المذكورة، وإرسالهم الى الوحدات العسكرية المحاربة على حدود المملكة التركية في آسيا الصغرى، والاناضول، ثم سوي الأمر بيننا وبين ولاة الأمور، وأعفي من أعفي من الخدمة العسكرية».

الشبيبي ونوري السعيد
عن نوري السعيد يتحدث الشيخ محمد رضا الشبيبي فيقول « في أحد الايام وحينها كنت وزيراً للمعارف، صرخت بوجه نوري السعيد في المجلس، وقلت له أنت دكتاتور. فقال لي نوري السعيد ( إذا أنا ذهبت وجاءت من بعدي حكومة أخرى ستعرف من هو الدكتاتور).
ويضيف الشيخ الشبيبي» وفعلا لم تمض سنوات بعد هذه الواقعة إلا وأبتلينا بما قاله نوري السعيد فقد جاء يوم 14 تموز 1958. ففي يوم من الأيام كنتُ جالساً في بيتي، وإذا بطارق يطرق عليّ الباب، فخرجتُ لأرى جمعاً من الشباب الثوري، وهم يقولون لي أن إبنتك متهمة ،وأنها مناهضة للشيوعية وللحزب الشيوعي الحاكم. قلتُ وماذا تريدون منها؟ قالوا نريد أن تأتي معنا لنسألها بعض الاسئلة. قلتُ لهم أصبروا حتى أخبرها بذلك وأغلقتُ الباب، ثم أتصلتُ بالهاتف برئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، وقبلَ كل شيء أخبرته بقصة نوري السعيد وما قاله لي، ثم قلتُ لقاسم خبر الذين جاؤوا الى بيتنا وهم لا زالوا أمام الباب ينتظرون الفريسة. قال لي رئيس الوزراء أصبر قليلا فاني سأبعث عدداً من رجال الشرطة لتفريقهم . ثم قلتُ له الآن فهمتُ كلام نوري السعيد مالذي صنعتم بالبلد؟ ويقول الشبيبي أغلق قاسم التلفون ، ولم يمر سوى دقائق حتى جاءت مفرزة من الشرطة، فأحاطوا بهؤلاء الشباب ثم فرقوهم عن الدار».

موقف الشبيبي من حكومة الايوبي
وحينما إستقالت حكومة نوري السعيد وشكلّ علي جودت الأيوبي حكومة جديدة تحدث الشيخ محمد رضا الشبيبي عضو مجلس الأعيان بكلمة القاها في إجتماع مجلس الاعيان بتاريخ 6/25/ 1957 طالب فيها حكومة الأيوبي بإطلاق سراح المعتقلين وإعادة الأساتذة والطلاب المعتقلين الذين تم إعتقالهم أثناء الحكومة السابقة - حكومة نوري السعيد- على أثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وطالبَ الشبيبي أيضاً من الأيوبي تقديم بيان سياسته أو عن خطوطها العامة وقال أن الحكومة السابقة أي حكومة نوري السعيد لم تتمتع بتأييد كافٍ من الشعب حتى إستقالت.
وتحدث الشيخ الشبيبي عن الارادة الملكية بقبول إستقالة الوزارة السابقة وتأليف وزارة جديدة برئاسة الايوبي فقال لقد تليت الارادة الملكية بشأن إستقالة الوزارة السابقة وتأليف الوزارة الجديدة وقد كانت هناك عادة جارية في كثير من الحوادث المشابهة للحادثة المذكورة بأن تتقدم الحكومة ببيان شفهي أو غير شفهي عن خطوط السياسة العامة التي تتبعها . فيسرنا أن يزود مجلس الاعيان بهذه المناسبة ببعض البيانات من قبل فخامة رئيس الوزراء عن سياسته التي يتبعها في هذا الدور.
وردّ الايوبي قائلاً: أرجو من العين المحترم - يقصد الشيخ الشبيبي- أن يعطينا فرصة قصيرة حتى نقدم للمجلس العالي ببياننا الذي يطلبه في فرصة قريبة إن شاء الله.وهنا تحدث الشيخ الشبيبي مرة أخرى وقال» أنا والمجلس لانبخل في منح الوزارة، أو فخامة رئيسها فرصة قصيرة أو طويلة حسبما يشاء للادلاء ببيانه، ولكن هل يمنح فخامته المجلس فرصة أخرى لأن المجلس على أهبة إنتهاء دورته، ولا أظن أن هناك مجالاً لأن يجتمع المجلس مرة أخرى، للاصغاء الى البيان السياسي، أو المنهج الذي يتقدم ببيانه أو لم يشأ؟ ولكني أقول أن طلب الفرصة بمناسبة إنتهاء الدورة لا يسفر عن نتيجة.
ورد الأيوبي قائلاً : هذا الأمر عائد الى المجلس فاذا إجتمع فأنا حاضر للادلاء بالبيان وإذا لم يجتمع فأنا حاضر أيضا .
وقال الشيخ الشبيبي: نعم إستقالت الوزارة السابقة وأود أن أشير الى ناحية إقتصادية وضعت تلك الوزارة سياستها في ناحية واحدة وهي أنها صرفت جملة غير قليلة من عائدات النفط في هذه البلاد ، وهي عائدات كثيرة ونفقات طائلة على وجه لا أراه أنه أدى أو سيؤدي في المستقبل الى رفع مستوى معيشة الشعب العراقي.
وأضاف الشيخ الشبيبي : وهذه العائدات كما لا تخفى أصبحت تكوّن الجزء الأكبر من ميزانية الدولة . وقد لاحظنا أن الوزارة المستقيلة إتكلت إتكالاً تاماً على عائدات النفط أي أنها إتكلت على مورد واحد من موارد الدولة بينما لا يخلو مثل هذا الاشكال على مورد واحد من موارد الخزينة من خطر لأن البلاد زراعية مثل كل شيء ولا نذيع سراً إذا قلنا أننا لا نملكُ من شؤون النفط شيئاً يطمئننا على أننا نستطيعُ الاحتفاظ بمثل هذه العائدات دائماً، فلولا لا سامح الله على شؤون النفط طارىء كما وقع أخيراً وذهبَ قسمٌ من العائدات أو كله فماذا تصنع البلاد مع أنها عودّت على عائدات لم تألفها في السابق؟ مع أن هناك مقاييس للصرف العام والصرف الخاص جرت على اساس ميزانية لا تقل عن 100 مليون ديناربعد أن كانت ومنذ مدة غير بعيدة لا تزيد عن ربع هذا المبلغ.
وقال الشيخ الشبيبي: أستخلص من هذا أمراً واحداً هو أن عناية الحكومة وسياستها يجب أن ترمي الى تنمية جميع موارد البلاد وألا تتكل الدولة على مورد معين قد يكون يوماً ما في كفة القدر مثلاً الموارد الزراعية والطبيعية والاقتصادية من البلاد وغيرها ونحن نرى وضعنا الزراعي . وكما قلت أن البلاد زراعية - يتأخر- سنة بعد أخرى ويسوء وأن حالة المزارعين والفلاحين لا يغبطون عليها وأن واردات الخزينة من هذه الناحية تتضاءل سنة بعد أخرى. ولهذه المناسبة أقول أن سياسة الوزارة المستقيلة جديرة بالمناقشة والحساب من هذه الناحية وطالما حاسبناها وناقشناها على تردي الاوضاع الاقتصادية في البلاد لذلك رجونا الوزارة الجديدة أن تعير هذه النواحي إهتمامها وأن توافي المجلس بالخطة التي تتبعها في الاصلاح العام بالبلاد.

احمد مختار بابان
وتحدث أحمد مختار بابان وزير الدفاع وقال: من حق العين المحترم الشيخ الشبيبي أن ينتقد ويلوم على ما تعلمون أن معاليه قد إستنفذ خلال مدة حكم الوزارة السابقة كل ما عنده من إعتراضات وإحتجاجات وبيانات وقد أجيبَ عليها من قبل فخامة رئيس الوزراء المستقيل والوزراء في ذلك الوقت . وقد تكون كثير من تلك الاعتراضات في الحقيقة على غير حق وقد تكون على حق في إعتقاده هو، ولا يمكن أن يكون كل ما يقول أو يعترض على صواب. وأنا مع إحترامي لعقيدة كل شخص ومبدئية الشخص ، وبالنظر لما هو معروف عن معالي الشيخ الشبيبي من حرص على التقاليد البرلمانية .
كنت أتمنى وأنا أحمل له كل إحترام أن يتجنبّ توجيه اللوم للوزارة السابقة في الوقت الذي إستنفذ ما عنده وفي وقت فخامة الرئيس السابق غير موجود فيه.
وأضاف بابان: لقد قال معالي الشيخ أن الوزارة السابقة لم تكن كاسبة ثقة الشعب . ولا أدري من أين جاء معاليه بهذا؟ وكيف يقرر ثقة الشعب وحده؟ وكيف يتكلم وحده بإسم جميع الشعب؟ أنا لا أعتقد بأن ذلك صحيحاً.إن لمعالي الشيخ عقيدته بما يشاء وقد يكون هو لا يثق بالوزارة السابقة ولكن لا أدري من أين جاء بقوله ان الشعب جميعه لم يثق بالوزارة السابقة ونحن ندري بأن ثقة الشعب تمثل في مجلس الأمة وأن ما بينه معاليه لا يرضاه المجلس بأجمعه.
وهنا رد الشيخ محمد رضا الشبيبي عضو مجلس الاعيان على كلام أحمد مختار بابان وزير الدفاع قائلاً: أنا أيضا أحترم شخص معالي وزير الدفاع وإحترام آرء كل ذي رأي يبدي. وقد إنفرد معاليه بالدفاع عن سياسة الوزارة السابقة وقال أو إدعى بأنني إستنفذت كل شيء في معارضتها وهذه الدعوة غريبة جداً . فهل يمكن لعضو في هذا المجلس أن يستنفذ كل ما عنده من أين علم ذلك؟ فإن الذي قلته هو جزء مما يجب أن يقال إن كان في الماضي أو في المستقبل. والقول بأنني إستنفذت كل ما عندي قولاً لا أوافق عليه ولا يستطيع معاليه أن يؤيد هذه الدعوى أو يبرهن عليها لأن المرء مسؤول عما في نفسه . وأما القول أن ملاحظاتي في السابق والحاضر لم تكن في محلها فاني أترك الحكم لذوي الضمائر الحية هذه في البلاد.

الشبيبي.. الشيخ المعارض
وحينما قدمت مجموعة من القوى السياسية العراقية مذكرة رسمية الى حكومة السيد علي جودت الايوبي في 8/11/ 1957 تضمنت المذكرة إزالة آثار الاحكام العرفية، وإتخاذ الاجراءات اللازمة للافراج عن المحكومين في القضايا السياسية، وفي مقدمتهم الاستاذ كامل الجادرجي زعيم الحزب الوطني الديمقراطي، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وكذلك إعادة النظر في فصل الاساتذة والطلاب ورد حقوقهم اليهم، بسبب وقوفهم ضد سياسة حكومة نوري السعيد أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وأخيرا إفساح المجال لحرية التنظيم الحزبي والنقابات وإطلاق حرية الصحافة في العراق، ورفع المنع الذي إستمر حقبة طويلة على دخول بعض الصحف العربية. فقد ردت الحكومة على هذه المذكرة على لسان خليل إبراهيم مدير التوجيه والاذاعة العام خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في 8/22/ 1957 قائلاً « أن الحكومة تنظر بعين العطف الى قضية السيد كامل الجادرجي وأن 209 من الطلاب الراسبين في صفوفهم دعوا لخدمة العلم فسقط منهم بالفحص الطبي ودفع القسم الآخر البدل النقدي وبقي منه 49 من أصل 443893 طالباً في العراق . كما أن الطلاب المفصولين أتخذت التدابير اللازمة لاعادتهم الى مدارسهم، وأن الحكومة سعت لايجاد حل القضية الاساتذة الذين فصلوا، كما وأنها على إستعداد للنظر في طلبات تأليف الاحزاب السياسية.
وقال خليل « لا يخفى عليكم أن الذين حكمت عليهم المحاكم العرفية العسكرية، لا تستطيع الحكومة إطلاق سراحهم بمجرد أمر إداري، لأن هذه الاحكام صدرت من محكمة لا بمجرد أمر إداري، وأن الأحكام التي صدرت وفق القانون لا يمكن أن تنقض الا بقانون. وليس هناك من المحكومين السياسيين سوى السيد كامل الجادرجي. والحكومة لا تستطيع إطلاق سراحه بأمر من رئيس الوزراء، أو وزير الداخلية، وإنما بموجب صدور تشريع أو عفو . والحكومة تنظر بعين العطف الى هذا الموضوع، وهي ماضية في درسه من جميع نواحيه، وعندما يحين الوقت المناسب لا تتأخر عن إتخاذ الاجراءات القانونية لاطلاق سراحه باصدار عفو أو شيء قانوني آخر.
أما في ما يتعلق بالاساتذة الذين فصلواكما يقول خليل ابراهيم، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد، فلحسن الحظ لم يبالغ أحد في عددهم وقد حاولت الحكومة أن تجد حلاً لاعادتهم، حتى أنها رجعت الى ديوان التدوين القانوني ولم تجد مع الأسف هذا الحل. ولم يبق لديها سوى إستصدار قانون خاص .والقانون يتطلب إبرامه من مجلس الأمة، ولعل الحكومة إذا رأت من المناسب التقدم بهذا القانون تتقدم به عند إفتتاح المجلس.
أما أفساح المجال للتنظيم الحزبي والنقابي، فهناك نقابات للعمال، وأما التنظيم الحزبي، فان قانون الجمعيات موجود، وقد رحبت الحكومة بمن يتقدم بطلب رسمي لتأليف جميعة سياسية، ولكن منذ تشكيل الوزارة الحاضرة حتى الان لم يتقدم أحد بطلب رسمي لتأليف حزب سياسي، وإنما هناك مجرد إشاعات تتناقلها الصحف، والحكومة على إستعداد للنظر في الطلبات التي تردها بهذا الشأن.
أما فيما يتعلق باطلاق حرية الصحافة، فأنتم أعرف مني، إذا كنتم أحراراً فيما تكتبون أم لا وتستطيعون الجواب بأنفسكم . وأريد أن أتساءل وأنتم تنشرون خطب عبد الناصر، وخطب المعارضة في لبنان وخطب المسؤولين في سوريا . أريد أن أتساءل ما إذا كانت هناك صحيفة سورية أو مصرية، تنشر خطاباً أو تصريحاً لرئيس وزراء العراق. أما منع بعض الصحف من الدخول الى العراق، فهو إجراء ليس بجديد فهناك قانون منع وسائل الدعاية المضرة في العراق، وهو ساري المفعول منذ سنوات، والحكومات المتعاقبة قائمة بتطبيقه لحفظ أمن الدولة وصيانة أخلاق الناس، فهي لا تمنع دخول الصحف لغرض سياسي، فقط بل أنها تمنع الصحف والمجلات الخلاعية والشيوعية والمضللة، وهذا الاجراء لم تلجأ له هذه الوزارة أو الوزارة التي سبقتها بل تلجأ اليه كل حكومة وكل دولة.
وقال الشبيبي نقول الوزارة قد دخلت شهرها الثالث من حكمها، دون أن تعالج الأمر، وأن أضفاء صفة العصمة على الاحكام العرفية، مما يتنافى مع نص المادة 120 من القانون الاساس، التي أعتبرت القائمين بتنفيذها معرضين للتبعة القانونية، التي يترتب على أعمالهم الى أن يصدر قانون باعفائهم، كما تتنافى الصفة المذكورة مع الواقع اذ أن الوزارة السابقة إستغلت الادارة العرفية لخدمة أغراضها الخاصة، والانتقام من معارضيها، وخصوصا السياسيين وملاحقة الكثير من المواطنين للبطش بهم وأرهاب غيرهم.
وقال الشيخ الشبيبي :
1- ليس صحيحا أن الاستاذ كامل الجادرجي هو الوحيد الذي حكم في قضية سياسية عن طريق الحكم العرفي . أما تنصل الوزارة من مسؤولية أستصدار العفو والقاء ذلكم على عاتق جهاز غير مسؤول، فأمر يتنافى مع نظام الحكم المقرر في البلاد، الذي نص على المسؤولية الوزارية، مما يجعل الوزارة وحدها هي المسؤولة عن إتخاذ جميع الاجراءات اللازمة، للافراج عن المحكومين في القضايا السياسية.
2- تطرق مدير التوجيه الى مقارنة من لحقهم الحيف من الطلاب بالنسبة الى مجموع الطلبة في العراق، وخرج من هذه المقارنة بأن عدد المعاقبين قليل، كأن الجور لا يكون جوراً حتى يعم الجميع. هذا عدا عن المغالطات الاخرى في أقوال مدير التوجيه، إذ سبق في الواقع عدد من غير الخاضعين للتدريب الى معسكرات وقد كبل كل منهم بالحديد وكأنه مجرم يدفع الى السجن، وذلك دون التفات الى عدم توافر شروط الالزام بالتدريب بالنسبة لهم.
3- تساءل المتحدث الرسمي هل يستحق ذلك كل هذه الهوسة الطويلة العريضة في العرائض والبرقيات، وتلك لهجة في لغة الدواوين والبيانات الرسمية، لا نرى من المناسب الرد عليها، بل يحسن أن نمر بها بدون تعليق.
4- وبلغ المتحدث الرسمي الذروة في المغالطة حين أشار الى التنظيم الحزبي والنقابي، فزعم أن الحكومة لم يقدم اليها أي طلب رسمي لتأليف حزب، وما ينشر في الصحف بهذا الصدد مجرد شائعات، بينما يجب أن يعلم أن للهيئة المؤسسة لحزب المؤتمر الوطني، طلباً ما زال قائماً لدى مجلس الوزراء من 16 تموز من السنة الماضية 1956 وقد سارت الوزارة القائمة في هذا الأمر وعلى نهج الوزارة السابقة، وأبقت الطلب المذكور معلقاً دون بت. واذا كان هذا شأنها في حرية إحترام التنظيم الحزبي، فكيف يطمئن المواطنون الى تقدمها لأي طلب باجازة تنظيم حزبي أو نقابي، بل أن الوزارة القائمة لم تخرج عن خطة الوزارة السابقة، ولو بمنح إجازة واحدة باصدار جريدة جديدة على كثرة الطلبات المقدمة اليها.
5- ولم يفت المتحدث الرسمي في معرض الرد على المذكرة أن يتطرق الى الحريات في سوريا ومصر، ويزعم تقييدها هناك لعدم نشرها بيانات الحكومة العراقية، وكأن التعريض ببلاد عربية أخرى فرض يحرص مدير التوجيه على الا يسقط من حسابه حتى في معرض الرد على مذكرة عالجت الشؤون الداخلية فدعت الى إطلاق حرية دخول الصحافة العربية، لا من حق المواطنين في العراق الاطلاع عليها وليس فيها في واقع الأمر ما يمس أمن الدولة، وإنما مارس مدير التوجيه منذ عهد الوزارة السابقة صلاحيات مطلقة في منع الصحف العربية الحرة من دخول العراق لخلق جو من القطيعة مع سائر البلاد العربية مما يتنافى مع ما دعا اليه رئيس الوزارة القائمة من تصفية الجو العربي.
وأضاف الشيخ الشبيبي « هذا ولا نريد أن نتطرق الى نقاط أخرى من مغالطات الرد الرسمي لافتضاح أمرها، وإنما نرجو أن يوفق فخامة رئيس الوزراء الى أن يعمل شيئا يخالف ما إنطوى عليه بيان المتحدث الرسمي، لاستمرار عهد الوزارة السابقة خلال فترة حكم الوزارة القائمة الآن، وأن لا يدع فخامته مجالاً لتلبيد غيوم جديدة تتراكم الى جانب الغيوم القديمة التي كانت مخيمة على العلاقات العربية.
وإختتم الشيخ الشبيبي تصريحه قائلاً « وختاماً لابد لنا من القول بأن مطالب المواطنين الموقعين على المذكرة السياسية لا تزال قائمة، وهم يصرون على مطالبة المسؤولين باتخاذ ما يلزم، من الاجراءات لتحقيقها وفي مقدمة ذلك ما يتعلق منها بالحريات الدستورية، وإطلاقها من عقالها، طبقاً للمفاهيم والنظم الديمقراطية، والاقدام على تصفية آثار الاحكام العرفية.

هموم الشيخ الشبيبي الاقتصادية
لم يكتف الشيخ محمد رضا الشبيبي بالحديث عن الاقتصاد العراقي، بل كان يبدي إهتماما بالاقتصاد العربي، وضرورة إستقلاله إستقلالاً تاماً. ففي مقال إفتتاحي له بجريدة الزمان بتاريخ 8/24/ 1957 تحت عنوان( إستقلال العرب إقتصادياً ) جاء فيه « صدق من قال الاستقلال الاقتصادي قبل غيره من أنواع الاستقلال ولا يستثنى من ذلك الاستقلال السياسي. فاذا فقدنا نحن معشر العرب الاستقلال الاقتصادي، فقدنا الاستقلال السياسي تبعا له، لا شك في ذلك لا ننكر جرأة بعض المسؤولين المعنيين بالشؤون الاقتصادية في بعض البلاد العربية في دفاعهم عن وضع اقتصادي منهار . ألم يقولوا لنا أن نظرية التوازن التجاري نظرية بالية؟ الم يعطوا للشركات الاجنبية الكبرى أكثر مما يأخذون منها؟
ما أكثر الأدلة على هذه البلاد العربية تتجه الى فقدان إستقلالها السياسي تبعاً لفقدان إستقلالها الاقتصادي، وأن بلدنا تعاني مرافقها الاقتصادية ما تعانيه من أهمال ثم تتكل على عائدات ترضح بها شركات أجنبية فقط، لهي بلدان مهددة بفقدان الحرية السياسية.
هناك ولا شك خطة إقتصادية رسمت منذ زمن بعيد، نستطيع أن نسميها سياسة التجويع والتفقير، هذه الركن الأساس لفرض سلطان الأقوياء الطامعين على بعض بلدان الشرق العربي، مستغلين حاجتها وفقرها وما تمنى به من تعاسة وحرمان. ولا عبرة بالمظاهر والصور الفارغة ولاعبرة بأن تظهر على مسرح المجتمع العربي طبقة محددة تكتنز الذهب والفضة، وتستطيع أن تتمتع بجميع أسباب الترف والرفاه، على حساب كثرة بائسة هي جمهرة الشعب العربي المنكوب، إذا أردنا أن نصون إستقلالنا السياسي نحن معاشر العرب، وإذا أردنا أن نحكم أنفسنا وإذا أردنا أن نسود في بلاد ما، علينا أن نكافح عللنا الاجتماعية الوبيلة وعواملها وأسبابها، وفي طليعتها سياسة التفقير والتجويع وهي السياسة التي تفتك الآن بكيان العرب الاجتماعي فتكاً بالغاً.
وطالب الشيخ الشبيبي بلدان الشرق العربي بأن تضع حداً لاستنزاف البقية الباقية من ثراوتها، وأن تتمشى على خطة من شأنها حفظ التوازن من تجارة الاستيراد والتصدير، وأن ترسم خطة أخرى ترمي الى الاكتفاء الذاتي بمحاصيل البلاد الزراعية، وتصدير ما يفضل عن الحاجة الى الأسواق الأجنبية.

نظرة الشبيبي للدين والعلم
على الرغم من إجلال الشيخ الشبيبي للدين النابع من إيمان المؤمن العليم وعن نشأته نشأة دينية بحتة فأنه كثيراً ما كان يهاجم رجال الدين عندما كان يجدهم أصبحوا حجر عثرة في سبيل التقدم أنه أراد أن يفهم القوم أن الدين ليس « عادات معطلة» بل أنه» تحليل وتحريم» فتوجه اليهم في العام 1911 طالباً منهم أن لا يجعلوا « آلة التفريق دينهم» لأن الدين « عن وصمة التفريق معصوم».
أجل أن الدين في نظر الشبيبي لم يكن « عادات معطلة» لذا فأنه دان بقوة وقناعة التقاليد البالية والخرافات ، فهي التي ادت الى تأخر الشعب فكريا وانحطاطا ثقافيا، وهي التي كانت تؤثر سلبا على مسار النضال من اجل التحرر والانعتاق.
يضع الشبيبي مع ذلك وغير ذلك الدين في المقام الأول بالنسبة لكل شيء في حياة المجتمع، فيرفض أن يكون غير الدين محوراً لكل ما فيه خيره وسؤدده، فالاخلاق عنده تستقيم بالدين، ومن دون الاخلاق يذهب العلم ذهاب الزبد. والشبيبي بذلك يربط بين الدين والعلم باسلوب صوفي مبدع، ودون أن يكون سلفياً، أنه على العكس تماماً من ذلك واقعي في تفكيره ، متفائل ، فهو يفكر في « اليوم والغد» بل وحتى في « ما بعد الغد»لذلك يعد الشبيبي حقاً الانموذج المعبّر عن حقيقة أن العلم أداة لتهديم قلاع الظلم والاستبداد والتخلف وضمان السير نحو المستقبل الافضل فهو يريد العلم العملي لكل شيء وفي كل ميدان ومجال سوى المدارس الدينية وحدها يستثنيها من ذلك، مع العلم أنه لم يفصل العلم عن الدين، فإن الأول كلما بلغ به التطور ساعد أكثر على تجلي عظمة الخالق ، كما أكد في بحثه عن الاكتشافات الفلكية بل أنه يذهب أبعد من ذلك بكثير حين جعل الدين والعلم أخوين إرتضيا رحماً واحداً غير مقطوع ولا منفصل.فاذن كان الجهل لدى الشبيبي يعادل الموت.

إهتمام الشبيبي بالاقتصاد
كان الشبيبي يبدي إهتماما للاقتصاد العرقي وخاصة القطاع الزراعي ويدعو الى تشجيع الزراعة .كما كان يقف وبصلابة ضد هجرة أبناء الريف الى المدن، ويقول أن ذلك يؤثر سلباً على الانتاج الزراعي. وبعنوان( مرافق منسية) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا بصحيفة الزمان بعددها في 4/27/ 1957 قال فيه» في البلاد مرافق إقتصادية قليلة ولكنها منسية محرومة من العناية وفي مقدمتها مرافقنا الزراعية، وهذه المرافق أحق من غيرها بالحماية والتشجيع، لأن العراق بلد زراعي قبل كل شيء، وقد دلت التجارب على أن الحركة التجارية في جميع الاسواق تتوقف على إزدهار المواسم الزراعية، وكثرة الطلب عليها من الخارج.
وها نحن نرى كساداً ظاهراً في الأسواق التجارية، التردي المواسم الزراعية في السنوات الاخيرة، وعدم التمكن من تصريف منتجات العراق بأسعار حسنة، ويشمل ذلك كافة المحاصيل من الحبوب والتمور وغيرها من المنتجات.
من ذلك نفهم أن مرافقنا ومحاصيلنا الزراعية بحاجة الى حماية قوية فعلى المسؤولين أن يبذلوا جهودهم، لترويج ما يصدر من العراق، والسعي الى إيجاد الأسواق الخارجية . إننا نستورد بضائع مختلفة من البلدان الاجنبية تبلغ قيمتها أكثر من مائة مليون دينار، وهي ثروة طائلة تتسرب الى تلك البلدان الاجنبية،.يجري كل ذلك من سمع المسؤولين وبصرهم ولا يحرك ذلك منهم ساكناً، لحفظ التوازن بين تجارة التصدير والاستيراد . والانكى من ذلك أن أسواقنا تغص بالكماليات من تلك الحاجيات المستوردة، ولا يقتصر الاستيراد على الضروريات، كما يجري ذلك بالبلاد نظرة عابره الى المخازن التجارية في جميع أسواق العراق، تكفي لمعرفة إننا مغبونون، وإننا عالة على غيرنا.
وأضاف الشيخ الشبيبي قائلا : تناولنا هذا الموضوع أكثر من مرة ونادينا بظهور الخطر أو الغزو الاقتصادي الذي تغلغل بين ظهرانينا، وطالبنا المسؤولين بأن يلتفتوا الى ما يحيق بالبلاد، من الكوارث المعاشية في هذه الناحية، فإن الزراعة تدهورت تدهوراً عظيماً سنة بعد أخرى، وهؤلاء عشرات الالوف من الزراع والفلاحين، يتركون الأرياف، ويهاجرون من المزارع الخصبة، للاقامة في ضواحي المدن وممارسة أحط المهن، كنقل الطين والتراب في بعض المشاريع الصناعية والبنائية، وأكثرها أجنبية، ومعنى ذلك أن جمهرة الشعب العراقي أصبحوا من طبقة الفعلة أو العمال الكادحين، مقابل أجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وقال الشيخ الشبيبي» وهكذا خرب الريف وأقفر من الزراعة، وحرم من سواعد أبنائه المفتولة، فقلّ الانتاج الزراعي، وأصبح هذا الشعب عالة، يستورد المخضرات والبقول من الخارج، فضلا عن الحبوب والمواد الغذائية الاخرى. وتساءل الشيخ الشبيبي قائلا» أفلا بعد هذه الحالة تقهقراً اقتصادياً؟ اليكم نسوق الحديث أيها المسؤولون.

النفط نقمة وليس نعمة
كان الشيخ الشبيبي من أشد المعارضين لهجرة أبناء الريف لأرضهم وزراعتهم، وإنتقالهم الى المدن للعمل فيها بأحقر الاعمال.
وتحت عنوان( عيش من الزفت) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالاً في صحيفة الزمان بتاريخ 7/20/ 1957 جاء فيه» عاش العراقيون في الماضي السحيق، وهم يصنعون خبزهم مما ينتج من هذا الوادي الحبيب الذي وصف بانه- أهراء العالم- وهذه الكلمة تعني أنه إذا أقحطت الدنيا ولم يقحط العراق ما لدينا من خير.
وأضاف الشبيبي» يعيش أهراء العالم الآن أحيانا عالة على غيره ويستورد خبزه العزيز من الاقطار البعيدة . هكذا عاش العراقيون حراس هذه الاهراء في ماضيهم السحيق الى أن إكتشف النفط فهجر العراقيون الارض، وتركوا الحرث والزرع في كثير من الجهات، أو حملتهم السياسة وظروفهم المعيشية القاسية على ذلك، فأصبح النفط الذي لانملكه روح الحياة في العراق، وأصبحنا كلاً على آبار النفط والزفت القار الأسود.وأصبح عيشهم من ذلك الزيت المحرق والقار الملتهب . فياله من عيش وبيل. وقال الشيخ الشبيبي» هناك من يقول أن النفط أصبح وبالاً على العراق .وتساءل الشبيبي. وكيف لا يكون النفط وبالاً وقد إتكلنا عليه وحده تقريبا؟ ونحن لا نملك من أمره شيئا إلا هذه العائدات المعلقة بكفة القدر. ويقول هؤلاء كيف لا يكون النفط وبالاً على هذه البلاد وقد إقفرت بسببه الحقول وتضاءلت الى جنبه سائر المرافق الاقتصادية من زراعة وتجارة وصناعة؟ إن نفط أمريكا وروسيا ورومانيا ونفط غيرها من البلاد جلب الخير والمير لأهلها . فلماذا نرى نفط العراق وبالاً وكالوبال على أهله؟
وأضاف الشيخ الشبيبي» خبز من نفط وعيش من القار. فمتى يكون هنيئاً أو مريئاً مثل هذا العيش في مثل هذه البلاد؟ يصدّر النفط دائماً لأننا لا نملك من أمره شيئاً. أما محاصيلنا الزراعية، فما أكثر العقبات والصعاب التي تقام في سبيل تصديرها لأن المحاصيل ملك الأمة العراقية . لن ننخدع بتضخم العائدات النفط بالارقام والكلمات المعسولة. فالعبرة أن يعيش العراقيون أحراراً مرفهين . لا أحرار بائسين خبزهم من النفط وأدامهم من القار وعيشهم من الزفت»
الريف المهجور وتحت عنوان( ريفنا المهجور) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالاً في صحيفة الزمان بتاريخ 11/2/ 1957 جاء فيه» سنرى الريف العراقي الجميل مقفراً من سكانه، في جهات غير قليلة، فيما إذا دامت هجرة أبناء الريف الى ضواحي المدن العراقية الكبرى، أو الى الممالك المجاورة كالكويت وأنحاء خوزستان وغير ذلك. ولا معنى لهذه الهجرة إلا إضمحلال كل شيء، فاذا إضمحلت الزراعة فيه إضمحلت بقية المرافق من تجارية وإقتصادية تبعاً لها.
وأضاف الشيخ الشبيبي» يتساءل الكثيرون عن سبب ركود الحركة التجارية في العراق، وإستفحال الازمة النقدية في الاسواق ، ولو علموا أن سبب ذلك كامن في كساد سوق المنتجات الزراعية، كالحبوب وفي مقدمتها الشعير والتمور، وبقية المنتجات التي بقيت في المخازن بدون تصدير . ومعنى ذلك أن الاموال التي تتمثل في قيمة الصادرات لاوجود لها في البلاد إلا نادراً ، وهذا سر جمود الحركة التجارية وركود الأسواق وسبب من أسباب هذه الأزمة النقدية، التي يشعر بها كل عراقي في الوقت الحاضر».
وقال الشيخ الشبيبي» وها هنا نتساءل عن مهام المصرف المركزي، وما هو أثر جهوده في تفريج هذه الازمات؟للعراق أموال طائلة تعد بمئات الملايين مودعة في المصارف الأجنبية وفي مقدمتها موجودات صندوق إحتياطي العملة العراقية، الذي يديره البنك المركزي المسؤول عن إصدار العملة، وقوام هذه الموجودات السندات الاسترلينية المودعة في بنك إنكلترا، يضاف اليها ذهب قيمته خمسة ملايين دينار، وسندات عراقية وأجنبية أخرى في حوزة البنك المركزي المذكور. وتساءل الشيخ الشبيبي: فلماذا لا ينقل هذا المبلغ الاحتياطي الى العراق؟ ولماذا لا يودع في المصارف العراقية؟ على شكل يساعد على تحسين شؤون الصيرفة وتخفيف وطأة الضيق الناشئ عن حاجة النقود والمؤسسات المالية الى مثل هذه النقود؟ هذا عدا الحسابات المنوطة بالمصرف المركزي . ومجمل القول أن إضمحلال المرافق الزراعية وإستفحال هجرة المزارع من الأرياف من أقوى العوامل في هذا الركود الملحوظ».
وأضاف الشيخ الشبيبي» ولهذه الهجرة الخطرة المخيفة عواملها وأسبابها وفي مقدمتها فقر الفلاح المدقع، وعدم تخصيص قطع من الارض معينة لكل فرد من أفراد الزراع، على أساس تكوين الملكية الزراعية الصغيرة، ومن العوامل المذكورة التي تعمل على بؤس الفلاحين وتلجئهم الى الهجرة، وترك الاشتغال في الزراعة هو ضآلة الدخل الناتج أولا عن قلة الحصة التي تصيب الفلاح، من قسمة الحاصلات، وثانيا عن هبوط أسعار المنتجات الزراعية بصورة عامة . لا شك في فائدة ما أنشئ حتى الآن من الطرق المعبدة والجسور الحديثة، ولكن ذلك لا يغني ولا يسمن ولا يسد مفاقر الفلاح ولا يشبع الجائع، ولا يكسو العراة ولايداوي المريض، ولا يحل مشكلة من المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد. لقد آثرنا البحث في هذه النواحي أكثر من مرة وأهبنا بالمسؤولين أن يتجهوا الى معالجة هذه المشكلات، ومن ذلك درس أسباب هذه الهجرة الهائلة من الأرياف وأضمحلال المرافق الزراعية للتوصل الى إيقافها عند حدها قبل خراب تلك الأرياف الجميلة فعساهم فاعلون». الاكتفاء الذاتي

إهتمام الشبيبي بالعلم والعلماء
كان الشيخ محمد رضا الشبيبي يبدي إهتماماً كبيراً بالعلم والعلماء ،ويدعو الى الاخذ بأيديهم من أجل تقدم البلاد وتطورها .ففي 5/15/ 1957 كتب الشيخ الشبيبي عموداً في جريدة الزمان البغدادية بعنوان( المواهب الضائعة) تساءل فيه» متى يكون بلدنا مقبرة تدفن فيها مواهب الموهوبين وكفايات الاكفاء ؟ متى تكون مدنه ميداناً يصول فيه الجهل ويجول وتحترم فيه البلادة والغباء وتنقلب المقاييس؟
متى تعمم الدراسات العلمية والبحوث الأدبية؟ من يشجع ذويها ويأخذ بيدهم بدون تفريق أو تمييز؟ نقول يقع ذلك بل يقع أسوأ منه في كل بلد لا يبالي بالعلم وذويه.
وفي العراق في هذا الوادي الحبيب وأي وادي الرافدين، ذلك الوادي الذي إنبثقت منه أنوار الحضارة والعلوم والفنون بأسرها حقباً غير قليلة. في هذا الوادي الحبيب وادي الرافدين مهد الحضارة، بقية باقية من ذوي المواهب والكفايات العلمية والادبية، تقتل لياليها سهراً بالتجهيز والكتابة وتنشئ ما تنشيء من القطع الفنية منثورها ومنظومها، فهل سأل سائل في هذه البلاد عن الفئة المذكورة؟ وكيف تعيش وكيف تسد رمقها وكيف تطعم أطفالها وكيف تكسوهم وأين يقيمون ويسكنون؟
ومن هو الذي تفقد هذه الفئة المغمورة وعني بأمرها وبإنتاجها؟ وهيهات أن يتفقد متفقد أصحاب المواهب والكفايات في بلد يطغي فيه التكالب والنزعات المادية البحتة، وتطاحن المتطاحنون فيه على حطام زائل لا يبالون كيف حصل بأيديهم ذلك الحطام، وهل جاءهم من وجوه مشروعة أو غيرها؟ لاشك أن هناك قوماً مسؤولين دائماً عن هذا الضرب من التقصير بحق ذوي المواهب والكفايات، وهو في الوقت نفسه تقصير في حق الوطن، وفي تفهم مصالحه وأسباب حياته والعمل على إنهاضه من كبوة الخمول.

إهتمام الشبيبي بأصحاب الكفاءات
وتحت عنوان ( طلبتنا المغتربون وشبابنا الجامعيون) كتب الشيخ الشبيبي مقالا في صحيفة الزمان بتاريخ11/9/ 1957 أكد على ضرورة الاهتمام بأصحاب الكفاءات العراقية العائدين من الجامعات الغربية ووضعهم في المكان المناسب .وقال» يزداد عدد طلبتنا المغتربين للدراسة في الجامعات الاوروبية والامريكية سنة بعد أخرى، منهم من يدرس على نفقته الخاصة، ومنهم من يدرس على حساب الدولة. وقد تطول غربة هؤلاء الطلبة، وهم يقيمون في أرقى جامعات الغرب أو في أضخم مدنه ، وهم يتقاض?