محمد علي الخفاجي.. رائد الشعر المسرحي المعاصر

محمد علي الخفاجي.. رائد الشعر المسرحي المعاصر

عبدالله الحسيني
ولد شاعرنا (محمد علي الخفاجي) في خضم الاحتلال الانكليزي للعراق، وتنصيب ملك له واستلام نوري السعيد - منصب رئيس الوزراء! وقيام (حلف بغداد) ، احداث مستعرة دامية... ومن اتونها ، اشرق محيا (الخفاجي) من عصائب (ثوار اهل كربلاء)... ومن خلال - مدارس تلك المحافظة الفقيرة برز الطالب العبقري المجتهد، ليلتحق بـ (دار المعلمين العالي)

وحتى نيله - بكالوريوس اللغة العربية وادابها عام 1960 .. حيث ساهم مع مجموعة من المثقفين والادباء، في اصدار اول مجلة ادبية محلية، ومنهم نصر محمد راغب وزهير غازي زاهد وصلاح الانصاري وحميد المطبعي وجواد احمد علوش مع حامد الهيتي وسالم الخباز.
كانت ايام الشباب حافلة بالمطارحات الشعرية والمضاربات اللغوية، حتى صدور اول مجموعة له (شباب وسراب - 1964) وهو ما يزال طالبا، حيث قال فيه الدكتور محسن غياض (جامعة بغداد) يكفي ان اقول انك شاعر فحسب!! وعقب عليه الدكتور( ماهر حسن فهمي - جامعة القاهرة) قائلا انك فعلا وتد في اركان الخيمة الادبية المعاصرة... وفي احداث العهد الجمهوري الثاني 1965 ظهر له - ديوانه الثاني (مهرا لعينيها) الذي قدمته للساحة الادبية، الدكتورة (سعاد البرزي - دمشق) حيث تقول ، انا اليوم امام ديوان شاب لشاعر الشباب... شاعر يعرف كيف يجرح كبرياء الحرف وعنفوان الكلمة! ويسلب تقوى التعبير وروعته... حيث قال فيه الاستاذ عبد المنعم الجادر - رئيس تحرير - كل شيء - انذاك: ان صديقي الخفاجي كما قلت سابقا كان ولايزال شاعرا عملاقا في قصائده... وابان احداث - نكسة 1967 - حلق ديوانه الثالث (لو ينطق النابالم) ليطفىء النار المستعرة في قلب كل غيور ، يتعذب لمجازر فلسطين مع اليهود... وما ان هدأت الزوبعة - السياسية والاجتماعية - في البلد، حتى اشرق ديوانه الرابع (انا وهواك خلف الباب / 1970) الذي قال فيه الدكتور عناد غزوان - جامعة بغداد (عرفته من حروفه الجميلة التي سكب فيها ما عنده من امال والام... وديوانه هذا نقطة انطلاق - موفقة وجريئة ، تستحق كل تقدير وثناء) وخاطبه الناقد عبد الجبار داود البصري في جريدة الجمهورية قائلا ، انه مصور بارع يجيد تجميع الصور وانتقاءها ويصح القول انه ذو قدرة هائلة على تكثيف تجاربه..
وهكذا تصاعد الفن الابداعي والادبي لدى الخفاجي في ديوانه (لم يأت امس سأقابله الليلة) وديوانه (يحدث بالقرب منا) اما ما كتبه الخفاجي في الشعر المسرحي (من مقدمة وعقدة وحل) فهذا مالم يزاحمه فيه احد حيث يبدأ بنقطة انطلاق الحدث ورموزها حتى ينمو وعنده الحدث المسرحي، وتتفاعل احداثه، ويشتد الصراع بين الخير والشر، داخل متن حكائي شعري سهل - يكون - مادة البناء! ثم ينتقل الصراع الى الحل... ادار الخفاجي حواره بسلاسة وتدفق في تتابع الاحداث من غير انقطاع، وبلغة مسرحية سهلة واضحة، افصحت بيسر عن الفكرة التي يدخلها المشاهد وبعيدا عن حياة وحالات الشاعر.. والشاعر الخفاجي يختفي تماما وراء شخوص ابطاله! فلا يتحدث عن نزوع نفسه ولا يظهر للقارئ والمشاهد اي جزء من آهات الشاعر النفسية ! بل يختفي خلف العمل كليا!!
ان الشعر المسرحي - قديم - لدى اليونان والمسرح الروماني، وانتقل الى ادبنا العربي عن طريق الهجرة والمعاصرة والادب المقارن... حيث تتنوع الاوزان في المسرحية الشعرية وتتنوع القوافي بسبب توزعها على فصول ومشاهد متعددة، فنكتب باسلوب الشعر العمودي او الحر، ولكل شخصية طريقتها في التفكير والعيش والحديث... ومن اوائل الشعراء العرب في هذا المجال: خليل اليازجي واحمد شوقي وعزيز اباظة وصلاح عبدالصبور وخالد الشواف وعاتكة الخزرجي.. الا ان اسلوب الخفاجي المعاصر اختلف عن هؤلاء بفنه الشعري والنثري الهادئ! الحوار، المكثف الوجيز بين شخوص (عمله) اي تأدية الفكرة بأقصر عبارة للمشاهد والسامع!! ويشد الحدث هذا - المشاهد - بتأزم الصراع (العقدة) وتشابك الاحداث!! وبهذا الارتقاء يشغل المشاهد ويشده الى الاحداث مع قدرة الخفاجي في ايصال المعاني العميقة ، بلغة مؤثرة... ومن تلك المسرحيات الشعرية (وادرك شهرزاد الصباح) و (حينما يتعب الراقصون ترقص القاعة) و (الديك النشيط - للاطفال) و (ثانية يجيء الحسين) حتى خاطبته الدكتورة (سعاد البزري - دمشق) الخفاجي ، لعمري اقولها صريحة واضحة! انت يا خفاجي، جديد في فنك وتعابيرك وجدير بان يقال لك - شاعر - فانا اليوم امام شاعر - يعرف - كيف يجرح كبرياء الحرف ويجعله عبدا لخدمته؟