ملك الكوميديا.. عاش حياة مليئة بالضحك والألم

ملك الكوميديا.. عاش حياة مليئة بالضحك والألم

عادل الهاشمي
كانت الانطلاقة السينمائية الأكبر لاسماعيل ياسين في العام 1942 عندما اختاره علي الكسار ليشارك معه فيلمه الشهير «علي بابا والأربعين حرامي» الذي أخرجه توجو مزراحي في هذا الفيلم يغني ويرقص ويمثل اسماعيل ياسين ويكون الفيلم هو نقطة انطلاقته الفعلية خاصة بعد نجاح الفيلم نجاحاً هائلاً وبعدما وجد فيه المخرج توجو مزراحي نموذجاً لممثل كوميدياً رائعاً فيقدمه في ثلاثة أفلام أخرى هي «الطريق المستقيم» و»تحيا الستات» عام 1943 و«نور الدين والبحارة الثلاثة» عام 1949.

وينطلق اسماعيل سينمائياً أكثر ويصبح واحد من أفضل فنانين الكوميديا على الشاشة ويقدم خلال حقبة الأربعينيات ما يقرب من 100 فيلم أهمها «نداء القلب، نمرة 6، حب من السماء، عريس الهنا، القلب له واحد، ليلة الجمعة، ليلة الحظ، وقد عمل خلال هذه الأفلام مع العديد من كبار مخرجي السينما أمثال توجو مزراحي وبركات وصلاح أبو سيف وعباس كامل وحسين فوزي وحسن الامام ونيازي مصطفى وحلمي رفلة وعز الدين ذو الفقار وأحمد بدرخان وسيف الدين شوكت ومحمد عبد الجواد، كما وقف أمام العديد من نجوم ونجمات السينما أمثال أنور وجدي وفريد الأطرش ومحمد فوزي وعلي الكسار ومحمود ذو الفقار ومحسن سرحان وحسين صدقي والنجمات أمثال ليلى مراد وليلى فوزي ومديحة يسري وصباح وفاتن حمامة وسامية جمال وتحية كاريوكا وماجدة وشادية.
ويشير نقاد السينما الى أن السبب في انتشار اسماعيل ياسين سينمائياً بهذه الصورة خلال حقبة الأربعينيات تعود الى نجاحه الساحق في أن يوجد لنفسه شخصية درامية ذات أسلوب مميز في الأداء الكوميدي جعل معظم مخرجي ومنتجي السينما مؤلفيها يضعونه ضمن التوليفة السينمائية التي كانت سائدة فهي هذه الحقيقة فهو لم يكن أبداً بطلاً لهذه الأفلام لكنه أيضاً لم يكن الاستغناء عن دوره أو الشخصية التي يجسدها في هذه الأفلام فهو صديق البطل خفيف الظل الذي يضفي على الأحداث لمسة كوميدية تخفف من حدة الحدث الدرامي لذلك شاهدناه مع أنور وجدي وكمال الشناوي ومحمد فوزي وفريد الأطرش وكان هؤلاء هم الأبطال لهذه الأفلام وكان اسماعيل يصنع بطولة خاصة من شخصية صديق البطل الذي يملأ الشاشة بهجة وحضوراً وتألقاً.
وخلال حقبة الأربعينيات وقع واحداً من الأحداث المهمة في حياة اسماعيل ياسين وبالتحديد في عام 1945، وكان اسماعيل في أوج نشاطه السينمائي وكان أيضاً في أوج تألقه كمنولوجست لا يزال يقف على خشبة المسارح ليقدم هذا الفن وأثناء عمله مع فرقة أحمد رفعت وأثناء وقوفه على خشبة المسرح يشاهد فتاة تجلس مع زوجة صديقه أحمد رفعت وبعد أن انتهي من فقرته تعرف على الفتاة وعرف أن اسمها «فوزية» وسرعان ما شعر بالانجذاب اليها ولم يتردد كثيراً فبعد أيام قليلة فاتحها باعجابه بها وطار من السعادة عندما أخبرته أنها تبادله نفس الاعجاب ولم يضع اسماعيل الفرصة ولا الوقت وطلبها للزواج فوافقت وتم زواجه بالفعل على «فوزية كمال» في 4 نوفمبر عام 1945 لتكون هذه ثالث زوجاته وتكون هذه السيدة هي رفيقة مشوار حياته كله وأم ابنه الوحيد «ياسين» و«قدم وفأل الخير» عليه كما يقولون لأنها شهدت معه سنوات مجده وتألقه.
بطولة مطلقة
ونعود لنستكمل مشواره الفني لنرى أن سنوات الخمسينيات كانت هي السنوات التي بلغ فيها اسماعيل ياسين قمة المجد السينمائي والفني فبعد رحيل نجيب الريحاني وتوقف علي الكسار عن السينما وجد اسماعيل نفسه هو المؤهل لملء الفراغ الكبير الذي تركه النجمان الكبيران ولم يكن اسماعيل وحده هو الذي يرى في نفسه ذلك بل كان هذا رأي منتجي ومخرجي السينما المصرية فراحوا يسندون اليه البطولة المطلقة وكان أول أفلامه كبطل فيلم «الناصح» الذي قدمه أمام الفنانة ماجدة الصباحي وكان أول أفلامها أيضاً وكان ذلك مع المخرج سيف الدين شوكت، بعدها قدم فيلم آخر من بطولته مع ماجدة ونفس المخرج هو فيلم «فلفل» عام 1950 ومنذ هذا التاريخ وحتى عام 1953 قدم اسماعيل عدد من الأفلام كبطولة مطلقة منها «المليونير» أمام كاميليا والمخرج حلمي رفلة، «البطل» أمام شادية وتحية كاريوكا ومع المخرج حلمي رفلة أيضاً، «محسوب العائلة» أمام تحية كاريوكا والمطربة نجاة الصغيرة ومن اخراج عبد الفتاح حسن، كما قدم البطولة المشتركة في أفلام أخرى مثل «حرام عليك، ليلة الدخلة، في الهوا سوا».
وهذه الأفلام التي أشرنا اليها لم تحقق النجاح الهائل المتوقع بل كان نجاحها محدوداً مما جعل اسماعيل ياسين يعود مرة أخرى الى الدور الثاني الذي حقق فيه النجاح الواسع وقدم خلال هذه الفترة أفلاماً مثل «الحموات الفاتنات، دهب، الآنسة ماما، آخر كدبة، ست الحسن حبيبتي سوسو، الحب في خطر، البنات شربات، تعالى سلم، حماتي قنبلة ذرية، قطر الندي، الحب بهدلة، بشرة خير، على كيفك، قليل البخت، من أين لك هذا، قدم الخير، أديني عقلك، بنت الأكابر، فاعل خير، أشهدوا يا ناس، بيت الطاعة»، وخلال هذه الأفلام واصل اسماعيل ياسين العمل مع كبار مخرجي السينما وشارك كبار نجومها ونجماتها لكن الشيء المهم الذي يجب الاشارة اليه هنا هو أن صديقه الكاتب أبو السعود الأبياري كان صاحب الكم الأكبر من هذه الأفلام كمؤلف.
ويأتي عام 1954 ليحمل انطلاقة سينمائية جديدة لاسماعيل ياسين، حيث يقدم فيلمه الشهير «الآنسة حنفي» الذي كان نقطة انطلاق أيضاً لمخرجه فطين عبد الوهاب وبداية لتكوين دويتو سينمائي مهم جداً في السينما المصرية وشاركهما في هذا الدويتو الكاتب أبو السعود الأبياري، فبعد نجاح «الآنسة حنفي» الذي قدمه مع ماجدة يأتي المخرج يوسف معلوف ليكون مخرج أول فيلم سيشكل حدثاً في تاريخ السينما المصرية، حيث استغل نجومية اسماعيل وتألقه الشديد وأخذ اسمه كاسم لفيلم سينمائي وكان فيلم «مغامرات اسماعيل ياسين» الذي قدمه أمام شادية وكمال الشناوي عام 1954 بداية لسلسلة امتدت من هذا التاريخ وحتى عام 1961 ليقدم خلالها «16» فيلماً حملت اسمه وهي «اسماعيل ياسين بوليس حربي، اسماعيل ياسين طرزان، اسماعيل ياسين في الأسطول، في البوليس، في الجيش، في دمشق، في متحف الشمع، في السجن، في حديقة الحيوان، في الطيران، في مستشفى المجانين، يقابل ريا وسكينة» اضافة الى أفلام أخرى مثل «اسماعيل ياسين للبيع، عفريته اسماعيل ياسين، اسماعيل ياسين ترجمان» وقد أخرج فطين عبد الوهاب ستة أفلام من هذه السلسلة تعد أنجحها وأشهرها وأيضاً كان لصديقه الكاتب أبو السعود الأبياري النصيب الأكبر في كتابتها. ومنذ عام 1954 وحتى بدايات الستينيات كان اسماعيل ياسين منطلقاً سينمائياً بشدة لدرجة أنه كان يقدم في بعض الأعوام 25 فيلماً حتى أصبح هو القاسم المشترك في غالبية أفلام السينما المصرية. ومن أهم أفلامه التي قدمها خلال هذه المرحلة تأتي أفلام مثل: الدنيا لما تضحك، حلال عليك، نشالة هانم، بنات حواء، العمر واحد، دستة مناديل، الناس مقامات، الظلم حرام، كدبة ابريل، أوعى تفكر، الستات ما يعرفوش يكدبوا، بنت البلد، مملكة النساء، كابتن مصر، صاحبة العصمة، ابن حميدو، أمسك حرامي، الست نواعم، العتبة الخضرا.
أدوار لا تليق
ومع بداية الستينيات استمر اسماعيل ياسين يقدم أدوار البطولة المطلقة وأحياناً البطولة الثنائية في بعض الأفلام مثل «حلاق السيدات» مع عبد السلام النابلسي، «عريس مراتي» مع لولا صدقي، «حماتي ملاك» مع يوسف فخر الدين وآمال فريد، «حسن وماريكا» مع مها صبري والنابلسي، «حايجنوني» مع سامية جمال، «غرام في السيرك» مع برلنتي عبد الحميد، «الفانوس السحري» مع كاريمان والنابلسي، «شهر عسل بصل» مع ماري منيب وكريمان، «زوج بالايجار» مع زهرة العلا ونجوى فؤاد، لكن الملاحظ أن أفلامه خلال حقبة الستينيات وحتى وفاته قد تقلص عددها تماماً وأصبحت مشاركاته السينمائية تأتي على فترات متباعدة فلم يقدم منذ عام 1960 وحتى عام 1972 سوى 18 فيلماً وهو رقم ضئيل جداً كان يقدمه في عام واحد من أعوام الأربعينيات والخمسينيات.
ومن أفلامه الأخيرة:»المجانين في نعيم» مع رشدي أباظة وزهرة العلا، «العقل والمال» مع اللبنانية طروب وحسن فايق، «لقاء الغرباء» مع أحمد مظهر ومريم فخر الدين، «كرم الهوى» مع صباح وعماد حمدي والنابلسي، وآخر أفلامه كان «الرغبة والضياع» عام 1972 أمام نور الشريف وهند رستم ورشدي أباظة، وفي هذا الفيلم قدم دوراً لا يليق باسمه وتاريخه، حيث كان دوراً صغيراً جداً وجاء اسمه الرابع أو الخامس في ترتيب الأسماء على أفيش وتيترات الفيلم.
لكن هناك شيئاً مهماً لابد من الاشارة اليه في المسيرة السينمائية لاسماعيل ياسين وهي أن هناك فترة تمتد لأربعة سنوات من عام 1968 حتى 1972 وهي الفترة التي سافر فيها من مصر الى لبنان وشارك خلالها في بعض الأفلام لكنه لا يوجد دليل أو أرشيف حقيقي لهذه الأفلام أو أي بيانات أو معلومات عنها.
فرقة مسرحية
واذا كان هذا عن السينما فماذا عن المسرح؟ الاجابة على السؤال تشير الى أن اسماعيل ياسين وهو في أوج تألقه وبالتحديد في عام 1954 أشار عليه صديقه الكاتب أبو السعود الأبياري أن يهتم بالمسرح وعرض عليه أن يشتركا معاً في تأسيس فرقة مسرحية ووافق اسماعيل ياسين على الفور فهو رغم كل نجوميته السينمائية الكبيرة وكم الأفلام التي لا تحصى التي شارك بها وقام ببطولتها يريد أن يترك تاريخاً وأثراً في المسرح وأيضاً وجد اسماعيل أن علاقته بأبو السعود أشبه بعلاقة الريحاني ببديع خيري ولابد أن يستغلا نجاحهما في المسرح أيضاً وتكونت الفرقة وحصلت على حق استغلال مسرح ميامي بوسط القاهرة وضمت الفرقة عدداً من كبار النجوم والفنانين مثل محمود المليجي، حسن فايق، عبد الفتاح القصري، لولا صدقي، زينات صدقي، تحية كاريوكا، عقيلة راتب، توفيق الدقن، شكري سرحان، استيفان روستي.
كما استطاع اسماعيل ياسين أن يضم الى فرقته التي حملت اسمه عدداً من نجوم الاخراج المسرحي مثل السيد بدير، محمد توفيق، عبد المنعم مدبولي وقدمت الفرقة أولى مسرحياتها «حبيبتي كوكو» في 11 نوفمبر عام 1954 واستمرت الفرقة تقدم من هذا التاريخ وحتى عام 1966 وخلال هذه السنوات الأثني عشر من عمر الفرقة قدمت «51» مسرحية جميعها أو غالبيتها من تأليف واقتباس واعداد أبو السعود الأبياري ومن أهم هذه المسرحيات صاحب الجلالة، عفريت خطيبتي، كل الرجالة كده، حرامي لأول مرة، عمارة بندق، من كل بيت حكاية، ركن المرأة، ليلة دخلتي، مراتي من بورسعيد، سهرة في الكراكون، ومعظم هذه المسرحيات صورها التلفزيون المصريه وما زالت موجودة في أرشيفه.
وكما كانت طفولته وبداياته بها الكثير من المعاناة والقسوة والميلودراما فان النهاية أيضاً لا تقل مليودراما وتراجيديا عن البداية، ففي منتصف الستينيات كانت مكانة اسماعيل السينمائية قد تراجعت كما أشرنا من قبل وهذا التراجع سببه أن السينما المصرية في هذه الفترة أصبحت تعتمد على نوعية أفلام المغامرات الكوميديا ذات البطولة الجماعية وظهر نجوماً أمثال حسن يوسف ومحمد عوض ويوسف فخر الدين ومعهم أحمد رمزي وأيضاً كان ظهور فؤاد المهندس سينمائياً وتكوينه مع شويكار ثنائياً سينمائياً ناجحاً كما في المسرح، كل هذا أثر على التواجد السينمائي لاسماعيل وأصبح غير مطلوب بشدة من المخرجين.
نهاية تراجيدية
وفي المسرح تعرض الى نفس المشكلة، حيث دخل منافس جديد هو التلفزيون ببرامجه ومسرحه الذي اجتذب العديد من نجوم الكوميديا في ذلك الوقت وهذا ما جذب المشاهدين والجماهير وتراجع الاقبال على مسرحه وواجه اسماعيل ياسين المشكلة مثل كل الفرق المسرحية غير الحكومية في هذا الوقت مثل فرقة الريحاني فهذه الفرق الخاصة لا تدعمها الحكومة لذلك واجهت الكساد وأصبحت فرقته مهددة بالاغلاق بعد أن تراكمت الديون عليها واستنجد وقتها بوزير الثقافة د. عبد القادر حاتم ليساعده في دعم الفرقة لكنه لم يتلق سوى وعود لم يتحقق منها شيئاً حتى ثمن مسرحياته التي سجلها التلفزيون لم يدفع له ثمنها واضطر اسماعيل ياسين أن يغلق فرقته بعد أن وجد أنه لن يستطيع أن يغطي ديونه وبعد أن هاجمته الأمراض وزادت حالته الصحية والنفسية سوءاً لدرجة أنه سقط فوق خشبة المسرح أثناء عرض مسرحيته سيدتي العبيطة، وبدأ يعاني من أمراض النقرس والرئة، ونقل الى المستشفى وظل بها حتى تحسنت حالته.
ولم يجد أمامه حلاً سوى أن يهاجر الى لبنان لكي يعمل مثل غيره من الفنانين المصريين في نهايات الستينيات وفي لبنان اضطر أن يشارك في عدة أفلام وفي أدوار لا تليق به ولا بتاريخه لدرجة أن دوره في أحد الأفلام كان عبارة عن مجرد كومبارس!! وتحت وطأة ظروف المعيشة اضطر أن يقبل العمل في بعض الاعلانات التجارية التي لا تتناسب مطلقاً مع اسمه ومكانته واضطر أيضاً أن يعود لتقديم المنولوجات وهو الذي كان قد توقف عنها في عام 1953 عندما أصبح في عز مجده السينمائي وعمل في بعض الملاهي والصالات. وفي عام 1970 اضطر الى العودة الى مصر بعدما ساءت حالته النفسية بسبب الذي تعرض له في لبنان من هدم لتاريخه ومكانته، لكن الأحوال لم تكن بأفضل حالاً في مصر ولم يطرق بابه منتجي ومخرجي السينما وتزداد محنته سوءاً عندما تطالبه مصلحة الضرائب بـ 30 ألف جنيه ضرائب مستحقة عليه وتبيع الضرائب العمارة التي يملكها وفاء لديونها، وتزداد حالته النفسية سوءاً وتسوء معها حالته الصحية خصوصاً أنه أصبح في البيت بلا عمل لفترات طويلة ويضطر أن يقبل دوراً صغيراً مساعداً في فيلم «الرغبة والضياع» الذي أشرنا اليه من قبل وينصحه طبيبه المعالج الى الذهاب الى الاسكندرية لعل أجوءها تحسن حالته، لكن دون جدوى ويعود من الاسكندرية وبعدها بيوم واحد وفي فجر يوم 23 مايو/ ايار عام 1972 تصعد روحه الى خالقها ويموت اسماعيل ياسين ليرتاح من معاناته الصحية والنفسية ودون أن يعلم أنه سوف يظل يملأ الدنيا ضحكاً وكوميديا رغم كل هذه السنوات على رحيله، لم يعلم أن شعبيته ستزداد مع مرور الزمن وتالي الأجيال.

مجلة ألف باء/ 1982