قصة هتلر الشاب يرويها  النقيب الأكبر للشيطان

قصة هتلر الشاب يرويها النقيب الأكبر للشيطان

ترجمة: اوراق
كان الظهور الأول للروائي نورمان ميلر في رواية (العراة والاموات) في عـام 1948 ، ومن هذه الإنطلاقة اكد ميلر اختياره للعمل الأدبي بمفاجئات مدروسة بعناية قدمها بشكل تدريجي. اذ انه لم يكن مستعجلاً ليتطرق الى مواضيع جدلية كبيرة،

فقد كتب عن المسيح وبابلو بيكاسو ومارلين مونرو وسلسلة قصصية عن القاتل غاري غيلمور وليندون باينيز جونسون ومحمد علي ولي هارفي اوسوايلد. أما الآن فيتصارع هذا الشخص الحائز على جائزة بلزاك مع أكبر طاغية في التاريخ الحديث ألا وهو ادولف هتلر. فرواية القلعة في الغابة تصور مباراة بطولة: فميلر الذي بلغ الثمانين عاماً يتصارع مع الشر الذي يفتننا جميعاً، وذلك حدث ادبي كبير.
فمن بين أصحاب الأدب الأمريكي الحديث لم يتألق شخصاً بسرعة ويختار اسلوبا مختلفا عن الطراز المألوف ويكون كاتباً جدلياً كما فعل نورمان ميلر. فعلى امتداد أكثر من ستين عقداً ، وميلر يبحث في مواضيع تتراوح بين الحرب العالمية الثانية ومصر القديمة ومن مسيرة البنتاغون الى مارلين مونرو، ومن هنري ميلر ومحمد علي الى يسوع المسيح. الآن في القلعة في الغابة، عمله الكبير الأول في الرواية بعد مرور أكثر من عقد يقدم ميلر ما يمكن ان يكون جهداً أدبياً مكتملاً: فهو يشرع في الكشف عن الشر في ادولف هتلر.
فالراوي وهو شبه رجل غامض يكشف لاحقا بحضور استثنائي عن شخصية أدولف الشاب منذ يوم ولادته فيقدم لنا اسرته وتفاصيل دقيقة عن طفولته وفترة مراهقته.
ان تركيبة الشخصيات التي لا يمكن نسيانها في رواية القلعة في الغابة تستلهم انعطافاتها ومفاجئاتها المازحة من النظرة المذهلة لطبيعة الصراع بين الخير والشرالموجود فينا جميعاً. وهي في جوهرها فرضية تُسير الرواية وتجعلها عملاً يتميز بالأصالة الساحرة.
صور ميلر المسيح في الأنجيل وفقاً لشخصية الأبن: أما الآن فهو يسبر غور روح الشخصية المتلبسة جداً بالتاريخ من خلال عرض الأحداث بتسلسلها التاريخي والزمني بطريقة أدبية هادئة عبر فترة صبا هتلر. فيسرد ميلر القصة من خلال عيون مجلس النواب، الروح الشريرة التي يكلفها الشيطان بتحقيق اغراضه (ويسميها عادة المايسترو) بالشر المتولد بنفس هتلر الفتى الناشىء، لكن في هذه الدراسة عن الاختلال الوظيفي للأسرة النمساوية من الطبقة الوسطى في القرن التاسع عشر يكون فرويد هو روح التوجيه الحقيقي . الشاب ادولف (الذي يسمى غالباً ايدي) هو ثمرة زواج من المحارم بين خادمة وضيعة ومغفل ابله منغمس بالملذات بشكل داعر. الصبي الذي ولد تسلطت عليه فكرة الدونية وفتن بالقوة وصورة الذات المعظمة والمهابة والمشحونة برغبة القتل الجمعي.
اغتاظ مجلس النواب خلال تكون الأنا لدى هتلر في حين عم الاستغراب من الروحية المتوقدة للموجه المستقبلي، الذي تعززت مقدرته على التسلط على العقول الضعيفة عندما خاض حرباً مع أولاد الجيران الأذكياء في فترة كانت فكرة العقلانية الرومانسية تحيط بأوروبا الوسطى. نظرة ميلر للشر تتضمن الديانات والميتافيزيقيا، لكنها تجذرت عميقا في التربة القذرة لتفاهات التدرب على استخدام التواليت ومنع ممارسة الرغبات الجنسية. الرواية تشعرك أحياناً انها تشبه موضوعاً للتحليل النفسي، لكن ميلر وصل الى جانبها المعتم، ليرسم صورة للروح المتوحشة.
بقدر ما كانت الرواية غريبة كانت غامضة ثيماتيكياً فهي تكشف عن مصدر الشر في نفسية ادولف هتلر. اذ يمنح ميلر هنا القوى الروحية المظلمة واجبها، ويروي ذلك الضابط السابق ـ شبه الرجل. الألماني الذي يكشف كلياً عن عدد من الأسرار المفاجئة عن نفسه وعن عائلة هتلر، اذ اكتنفت الحبكة النكاح المحرم الذي اثمر مفهوم أدولف والثلاثة عشر عاماً الأولى من حياته، محاولا تحليل ظاهرة كانت تسمى هتلر من خلال دراسة عائلته وفترة طفولته التي كانت فكرة جذابة.
لقد نشر نورمان ميلر روايته القلعة في الغابة في عيد ميلاده الرابع والثمانين ، فكانت تصويراً غريباً لهتلر الشاب يرويها النقيب الأكبر للشيطان. فالانهماك في المغازلة والاختلالات الوظيفية المعقلنة الصفة الغالبة في قيم عائلة هتلر، اذ ستمنحنا حياة فهرر المبكرة صورة حية وواضحة لتكون وحشا. فمن حادثة الى حادثة، يتأرجح هتلر من خيانة الألتزامات والعهود الأخلاقية لوالده ألويس بسفاح المحارم والأنغماس في افتتان الشباب في تطلعات حداد القرية في كيفية الانة إرادة الحديد. استخدام ميلر لشيطان السرد يمنحنا أحساس به عندما تتحرك رغبتنا لقراءة حكاية مغرية بشكل رائع من دون تركها لحظة. في حياة ميلر افكار كبيرة كانت اختبارات متنوعة في كسب واستخدام القوة، لأغراض خيرة أو شريرة، هذه الفكرة شغلت بال ميلر بشكل اساسي في سنواته الخمسين التي تفرغ فيها للكتابة. وكان واضحاً في مثل هذه الروايات المختلفة ومنها (حلم أمريكي) ادب تنظيمي مذهل إذ ان شخصية تلفزيونية وكاتب مدمن يقوم بقتل زوجته بسبب توجيهات حدسية من القمر، أو رواية (مساءات غابرة) حيث التناسخ وهيمنة الجنس كانا وسيلة للسيطرة وإدارة رحلة المرء خلال التاريخ. وأعمال كثيرة اخرى يبدع فيها ميلر فهو يخلط بدقة تفاصيل تاريخية وشخصيات متميزة بالدهاء، فيمنح القارىء شيئاً أفضل من التاريخ الشكلي أو تاريخ يكون فيه هتلر حضورا محسوسا ، فالوحش ينهض من الظروف البيئية المحيطة به لا يختلف كثيرا عن الوحش بداخلنا. فهتلر الخاص بميلر، حضور ملموس، يمكن ادراكه بشكل تام وبشكل استبدادي ومسيطر، وان صفة عدم الأكتراث للشيطان وذاكرته المتخمة تجعل هذا الكتاب اكتشافا يثير القشعريرة اتجاه حدود السجل التاريخي التي يمكن تخيلها.