رواية     اللاتناهي: قصة لحظة      لغابرييل جوسيبوفيتش.. فن العيش

رواية اللاتناهي: قصة لحظة لغابرييل جوسيبوفيتش.. فن العيش

ترجمة: عباس المفرجي
في الرواية القصيرة، الشعرية لجوسيبوفيتش "كل شيء يمضي"، المنشورة عام 2006، يصرّح كولي بأن ((المشكلة مع أكثر أعمال الأدب هي أنها تواجهك بشكل مباشر. انها لا تشبه أبدا ما يحدث في الحياة الحقيقية. أشياء مجرد أنها تنسلّ عبْرنا ونحن بالكاد واعين بها قبل أن تذهب)).

هو شيء كان يعتمل في صدر جوسيبوفيتش مذ زمن طويل، وأعطى عنه نظرة دقيقة في كتابه غير الروائي الأخير ((بحق السماء، ماذا أصاب الحداثة؟)) الذي أثار غضبا قبل سنتين.
في روايته الأخيرة"اللاتناهي: قصة لحظة"يستكشف جوسيبوفيتش هذه المقدمة المنطقية ثانية، وهذه المرة عبْر كلمات نبيل صقلّي ثري وموسيقي طليعي، تانكريدو بافونه، الذي تُعاد رواية حياته من خلال مقابلة مع خادمه السابق ماسّيمو. بنى جوسيبوفيتش ((بتصرّف)) الشخصية الخيالية لبافونه على الحياة الحقيقية للموسيقار الايطالي جاتشنتو شلسي، مدمجا أجزاءً من ((كتابات شلسي الخاصة به)) في بناء مقابلة ماسيمو. تحايل مثل هذا ينتج في الغالب تجربة قراءة غريبة ومضطربة، كما لو ان البساط سيُسحَب من تحتنا في أي لحظة.
ضمن هذا الشك يروي ماسيمو عن حياة نابضة بالحيوية. آراء بافونه، الفاضحة في أحوال كثيرة، عن الموسيقى والفن تُنقَل الينا في نُتَف، ثرثرات وقِطع. لحظات تكون متجمعة معا كما لو للمرة الأولى، لذلك نحسّ بشعور من حياة إنسلّت قبل ان يتاح لها أن تكون مثبّتة. هذه هي رواية هزلية، وزادها هزلا صراع ماسيمو لفهم الحياة العابرة لبافونه. لكن شيئا ما هو أقرب الى قلب جوسيبوفيتش موحى به أيضا: الدور الذي يجب أن يلعبه الفن، الفن الشامل، في حياتنا.
مترابطة في جميع الأنحاء هي المناقشة بأن الفنانين المعاصرين ضيعوا طريقهم. ((أثينا الكلاسيكية كانت كارثة للغرب... وروما الكلاسيكية هي أكثر من ذلك حتى،)) كما يعلن بافونه. ((إن كنت لا تعرف الفرق بين براعة وحرفة، فأنت لا تعرف معنى أن يكون المرء فنانا. قلة من الفنانين يعرفون معنى أن يكون المرء فنانا.)) على سبيل المثال، يفضّل بافونه نقوش شعب الإفه الافريقي، الذين زارهم ذات مرة في غرب افريقيا، على ((الفظاعة التي هي سقف السستين تشابل في الفاتيكان)). كل أوبرا كان يراها عرضا تجاريا ومفرط العاطفة. حالة فظيعة لا يمكنها أن تعكس الحياة اللامتناهية التي يتمنى أن يحشرها داخل نوطة واحدة منفردة، الموسيقى التي يشعر بها في داخله والتي يعجز عن تأليفها.
الفنانين اليوم، كما يدّعي، مهتمون فقط في ((التباهي بأنوفهم)) في الجرائد والمجلات، أكثر من ((تناول قلب الغموض وإظهاره في ضوء النهار، غير مشوّه وباق على غموضه)).
مع هذا،"اللامتناهي"هي رواية ليست كلها موقف ورأي – أنها اذكى من ذلك. فنحن نرى أيضا لمحات عن الحياة الزوجية الفاجعة لبافونه، ناهيك عن الصداقة المنحرفة غالبا، إنما المتينة، بين ماسيمو وبافونه نفسه. برغم تبجّح بافونه هناك حس من الرقة داخله: ((لماذا يستحي الرجال جدا من النظر اليهم بكونهم سريعي العطب؟)) يتساءل هو. ((أن الأمر ليس كما لو أن الآخرين لا يعرفون ذلك، حيث أننا جميعا نبلغ الشيء نفسه في النهاية.)) أنه في أسئلة مثل هذه يكون جوسيبوفيتش في حالاته الأكثر شفقة.
قبل كل شيء، البهجة التي يمكن العثور عليها في التكلم البطني لبافونه: قرب النهاية، عندما يتبجّح بافونه قائلا ((أن الموسيقي ليس فنانا. هو ليس عبقريا. هو قناة، وسيط. ساعي بريد))، يبدأ دور الفنان اللامتناهي بأن يكون مفهوما تماما. الإدراك بأن بافونه هو مجرد ((وسيط)) لجاتشنتو شلسي يعمل على تنبيه العبقري الحقيقي على اداء دوره في هذه الرواية الغامضة والرائعة.

عن صحيفة الغارديان