وزارة السيد محمد الصدر 1948

وزارة السيد محمد الصدر 1948

د. جعفر عباس حميدي
سياسته العامة:
اعقب إستقالة وزارة صالح جبر سلسلة من الاتصالات لتشكيل الوزارة الجديدة، فاقترح الوصي في بداية الامر على محمد الصدر تشكيل الوزارة. إلا انه رفض ذلك. والظاهر انه كان يخشى عدم التمكن من اعادة الاوضاع الى حالتها الطبيعية،

فعهد الوصي الى ارشد العمري بتأليف الوزارة، ولكن الاحزاب السياسية العلنية، التي عرفت في شخصية ارشد العمري العنف ومقاومة الحريات الديمقراطية، عقدت اجتماعا فيما بينها وقررت العمل على احباط محاولة ارشد لتأليف الوزارة، واصدرت بيانا تضمن المطاليب الاتية:
1- ابطال معاهدة بورتسموث الجائزة، واعلان ذلك دون ابطاء.
2- اجراء التحقيق الدقيق في اطلاق النار ضد ابناء الشعب وتعيين المسؤولين عنه.
3- حل المجلس النيابي القائم واجراء انتخابات جديدة حرة.
4- احترام الحريات الدستورية.
5- افساح المجال للنشاط الحزبي.
6- حل مشكلة الغذاء بشكل يوفر للشعب قوته.
كما اسرع ممثلو الاحزاب السياسية العلنية الثلاثة (الوطني الديمقراطي، الاستقلال ، الاحرار) الى الاجتماع في دار جعفر حمندي لتدارس الوضع ، وحضر هذا الاجتماع كامل الجادرجي، عن الحزب الوطني الديمقراطي، ومحمد مهدي كبه، عن حزب الاستقلال وعلي ممتاز، عن حزب الاحرار، وكل من :محمد رضا الشبيبي ونصرت الفارسي وجعفر حمندي، عن الجبهة الدستورية البرلمانية. واتفق المجتمعون على ضرورة اقناع محمد الصدر بقبول تأليف الوزارة، وعلى هذا الاساس اتصلوا بعبد العزيز القصاب، رئيس للمجلس النيابي، الذي كان وسيطا بين القصر ومحمد الصدر وابلغوه بأن الاحزاب لا توافق على وزارة يؤلفها ارشد العمري بل يؤيدون وزارة يؤلفها الصدر فاذا رفض فجميل المدفعي او عبد العزيز القضاب او نصرت الفارسي، كما عرضوا عليه مطاليب الاحزاب. ويبدوا ان الصدر وافق على التكاليف بعد ان عزز موقفه بموافقة الاحزاب السياسية، ويقال انه اشترط لتاليف الوزارة رفض معاهدة بورتسموث، وحل المجلس النيابي، وتأجيل تعديل المعاهدة، واطلاق حرية الصحافة وإن يكون له اختيار الوقت المناسب لاستقالته من الحكم.
ضمت وزارة الصدر (29 كانون الثاني 1948) كلا من: جميل المدفعي للداخلية، حمدي الباجه جي للخارجية، ارشد العمري للدفاع، عمر نظمي للعدلية، مصطفى العمري للاقتصاد، محمد رضا الشبيبي للمعارف، نجيب الراوي للشؤون الاجتماعية، صادق البصام للعالية، محمد مهدي كبه للتموين، وجلال بابان للمواصلات والاشغال، بالاضافة الى ثلاثة وزراء بلا وزارة هم نصرت الفارسي وداود الحيدري ومحمد الحبيب. واشترك في الوزارة حزب سياسي واحد هو الاستقلال ولم يشترك فيها الوطني الديمقراطي والاحرار بالرغم من دعوة الاخير الى الاشتراك في الوزارة إذ كان رئيسه سعد صالح غير مطمئن الى تنفيذ مطاليب الاحزاب. وفي اثناء حفلة الاستيزار حاول الوصي تقوية موقفه بتقديم ورقة باستقالته من منصب الوصاية مما ادى الى الالحاح الشديد عليه بالبقاء وبانه "سيد البلاد" وهذا ما كان يريده فسحب الاستقالة.
قوبلت الوزارة الجديدة بترحاب من قبل الاحزاب السياسية، فادلى كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي، بتصريح قال فيه "اننا نحترم كل الاحترام شخصية الرئيس ونعتز بماضيه ونعتقد انه كان انسب شخصية يمكن ان تتولى رئاسة الوزارة في هذه الظروف العصيبة". وادلى سعد صالح رئيس حزب الاحرار، بتصريح قال فيه: "اما بشأن الرئيس فهو في نظري شخصية لها ماضي طيب، وهي مناسبة لتأليف وزارة في الوقت الحاضر، بالنظر لما لها من ماض مجيد، ولكننا لايمكن ان نبدي رأيا قاطعا في الوزارة الحاضرة ما لم تبدأ في تحقيق المطالب التي تضمنها البيان المشترك الموقع من الاحزاب الثلاثة" وحضر مراسيم استيزار الوزارة الجديدة جماهير غفيرة من الشعب وهي تطالب بالغاء المعاهدة ومحاكمة صالج جبر واعوانه. واثنت جريدة (نيويورك تايمس) على الصدر ووصفته بانه احد قادة ثورة العشرين، وتطرقت في وصفها رئيس الوزراء بانه "معاد لبريطانيا".
كان اول عمل قامت به الوزارة رفض معاهدة بورتسموث فقد اجتماع مجلس الوزراء لعدة مرات لدراسة المعاهدة، واتفق الجميع على رفضها عدا عمر نظمي وزير العدلية الذي عارض بحجة ان هذه القضية من القضايا الدولية الخطيرة التي تترتب عليها نتائج وخيمة. وقوبل رفض المعاهدة بارتياح من قبل الاوساط الوطنية عبرت عنه الصحف الوطنية والحزبية. كما اتخذت الوزارة قراراً بتأليف لجنة للقيام بالتحقيق عن حوادث كانون، وتعطيل مجلس الامة لمدة خمسين يوماً والسماح باصدار الصحف المعطلة. وفي (4 شباط) اعلن الصدر ان وزارته قامت بما يلي:
1- رفض معاهدة بورتسموث.
2- تأليف لجنة للقيام بالتحقيق عن حوادث المظاهرات الوطنية.
3- اطلاق الحريات الدستورية، ومنها الافراج عن الصحف المعطلة واخلاء سبيل الموقوفين.
4- السعي لتوفير الغذاء والكساء للشعب واستيراد ما تحتاج اليه البلاد.
5- العناية والاهتمام بالقضية الفلسطينية.
6- ستعمل الوزارة على معالجة المشاكل الاخرى التي تفتقر البلاد الى معالجتها.
قامت وزارة الصدر بحل المجلس النيابي في (22 شباط) وقد عارض عمر نظمي حل المجلس النيابي كما سبق ان عارض رفض معاهدة بورتسموث ولهذا قدم استقالته. واستقال جميل المدفعي وزير الداخلية، فعدلت الوزارة لاول مرة في (4 اذار) بتعيين نصرت الفارسي الوزير بلا وزارة وزيرا للداخلية ونجيب الراوي وزير الشؤون الاجتماعية، وزيرا للعدلية، وداود الحيدري الوزير بلا وزارة، وزيرا للشؤون الاجتماعية، وعند وفاة وزير الخارجية حمدي الباجه جي عدلت الوزارة ثانية في (30 اذار) بتعيين نصرت الفارسي وزيرا للخارجية واسندت وزارة الداخلية وكالة الى مصطفى العمري.
من كتابه (التطورات السياسية في العراق)