كيف تأسست مدينة العمارة؟

كيف تأسست مدينة العمارة؟

ناصر عامر جندال
في اواسط القرن التاسع عشر حدث خلاف شديد بين شيوخ عشيرة (البو محمد) بعد وفاة ابرز شيوخهم (فيصل بن خليفة) وتولي ابن اخيه (وادي بن منشد بن خليفة) الرئاسة اذ حرم اولاد فيصل من مقاطعاتهم مما حدا باحدهم (اشياع بن فيصل) الى التوجه الى بغداد ومن ثم الى استانبول للمطالبة بحقوقهم فحصل على فرمان (امر) من السلطات التركية هناك باستعادة حقوقهم وكان هذا يعتبر من المستحيلات في ذلك الزمان لبعد المسافات وانعدام المواصلات وقد مدح احد شعرائهم (اشياع) بقوله:

ثلث تنعام يا ولد الشموسية
حذف بغداد غرب لبو لويطيه
فأم شياع كانت من عشيرة الشموس، ولما وصل الامر الى والي بغداد سير مع شياع طابورا من الجيش ويسمى بالتركية (اوردي) وحينما وصلوا عن طريق دجلة في موقع مدينة العمارة الحالي اتصلوا بقائد الحامية التركية المقيمة هناك من اجل تسيير هذا الجيش الى موقع عشيرة (البو محمد) فابدى قائد الحامية تخوفه من مغبة الاصطدام بعشيرة البو محمد القوية المتحصنة في الاهوار وارتأى بدلا من ذلك اعطاء شياع واخوته المثلث الواقع بين انهار المشرح والكحلاء ودجلة والبتيرة (موقع العمارة الحالي) وحببها اليهم لانها خير لهم من مناطق الاهوار لطيب هوائها وحسن موقعها فتشاوروا في الامر ووافقوا على ذلك وبنوا بيوتهم اول الامر من القصب واللبن والطين ثم خططت المدينة بعد ذلك وقسمت الى احياء ودعوا اتباعهم للسكنى فيها وسميت اول الامر مدينة (الاوردي) نسبة للجيش وسماها العامة (الوردي) ثم سميت (الحد) و(السن) لشدة اصطدام مياه دجلة بشواطئ النهر، وسميت ايضا (الولاية) و(الامارة) ثم استقر الرأي اخيرا على تسميتها (العمارة) وهي كلمة مشتقة من (العمران) وكان ذلك عام 1861م.
اما كيف استوطنها المندائيون فيقال بان عوائل كثيرة من المندائيين كانت تسكن مدن (الشطرة) و(الرفاعي) و(الجبايش) وبعض قرى اهوار الناصرية في زمن شيوخ المنتفك قرروا النزوح عنها لاسباب عديدة اهمها بسبب الخلاف الشديد الذي حصل بينهم وقرروا الانتقال الى قرية (الطويل) مدينة السلام حاليا حيث تعيش عشيرة ال زيرج ثم ابدلوا رايهم وقرروا التوجه الى (الحي) او (الكوت) عن طريق نهر دجلة للعيش مع قبيلة ربيعة.
وعندما كانوا يمتطون السفن الشراعية مرورا بالعمارة راهم الشيخ (شياع) حين كان يتحول على جواده هناك فارسل احد اتباعه للاستفسار عنهم وعلم بانهم مندائيون مهاجرون يريدون التوجه الى الكوت فاستدعى كبار رجالاتهم وكان على رأسهم انذاك (جابر بن محسن بن ربح) وهو خال (الشيخ صحن بن الشيخ صكر) وسألهم عن مهنهم ولما علم بأنهم صناع وحدادون وصاغة حبب اليهم السكن في العمارة وقال لهم بانها مدينة حديثة وبحاجة الى خدماتهم وانها خير لهم من الكوت فتشاوروا في الامر فوافقوا على السكن فيها بشرط ان يمنحهم الشيخ محلة خاصة بهم قريبة من نهر الكحلاء بسبب ما تقتضيه طقوس ديانتهم فرضى بذلك واعطاهم محلة خاصة بهم سميت بعدئذ (محلة السرية) بنوا فيها مساكنهم وبمرور الزمن نزح اليها مندائيون اخرون من عربستان والبصرة ومن القصبات الاخرى فتكاثر عددهم حتى باتت المحلة تسمى باسمهم محلة (الصابئة).
هذا هو الرأي الاول والذي سمعناه شفاها عن اجدادنا واهالينا لانهم تعايشوا مع هذه العشائر وتماسوا مع احداثها.
وهناك رأي آخر يقول ان مدينة العمارة يعود تاريخها الى عهد تختلف في قدمه الروايات والاحاديث فهناك من يعزي تسمية العمارة الى عمارات شيدت في عهد الجيش التركي عام 1278 هـ، والمشهور عن تأسيس مركز المحافظة تاريخان وذلك كما ورد في هذين البيتين من الشعر:
قل لمن يسأل عن تاريخها
قد عمرت ايام عبد القادر
ومنارة بالقادرية انشئت
.... الخ
اما تاريخ هذه المنارة فهو عام 1279 هـ بناها والي بغداد (نامق باشا) كما يقال ان اصل تسمية مدينة العمارة يستند الى كونها كانت مقاطعة تعود الى شخص عربي في العهود السابقة اسمه (عمارة بن الوليد) وهذا رأي ضعيف.
اما اول متصرف حكمها فهو الشيخ (صالح باشا اعيان) عام 1921 اما ثاني متصرف فهو السيد (عبد الله الصانع) الذي باشر في 1/10/1924 م.
اما اول مدير للشرطة فهو السيد (ظاهر حبيب).
والشوارع الرئيسية في العمارة في تلك الزمان هي:
1- شارع الامير عبد الاله الممتدد من قصر (لويس برجوني) حتى نهاية لبلدة من الجهة الشمالية على خط مستقيم ويبلغ طوله 3 كم وهو مقسوم الى قسمين تفصل بينهما حدائق وسطية ويسمى اليوم شارع دجلة.
2- شارع الكحلاء ويمتد من مشروع الكهرباء حتى جسر الكحلاء على ساحل النهر ويسمى اليوم شارع ستين.
3- شارع بغداد ويمتد من ديوان المتصرفية وحتى جسر الكحلاء.
4- شارع السجن ويبدأ من المدرسة الثانوية للبنين حتى معامل الطابوق.
5- شارع الكراج ويبدأ من حديقة البلدية الكائنة على شارع دجلة حتى دائرة البلدية.
ومن هذا الشارع تتفرع شوارع عدة مستقيمة وبمسافات مختلفة.
اما اهم مؤسسات المحافظة في ذلك الزمان فهي:
دائرة الاطفاء التابعة للبلدية بما فيها من مضخات وسيارة ودائرة البلدية والتي كان الاستاذ (عبد الخالق كرم) اول رئيس لها.
ودائرة المحاكم التي اسست عام 1288 هـ ومن اول حكامها الاستاذ (محمود نديم) ودائرة الصحة التي بدأت بانشاء المستشفى الملكي واقدم اطبائه الدكاترة (يعقوب بني وعبد السلام عوني) اما اول صيدلية انشئت فهي صيدلية الفرات لصاحبها السيد (هنري لوقا) اما مديرية التجنيد فهي بناية ذات طابقين تقع على نهر البتيرة ومن ابرز ضباطها القدماء المقدم (احمد الحاج ايوب) مدير تجنيد منطقة اللواء اما المدارس فقد كانت في نهاية العهد العثماني مدرسة واحدة فقط هي المدرسة الرشيدية وتدرس العلوم فيها باللغة التركية ومن اشهر مدراء المعارف قديما هو الاستاذ محمود فوزي العريبي.
اما المستشفى البيطري فكان اول مفتش بيطرة له هو السيد عبد الرزاق بربوتي وهناك دائرة طابو تشرف على معاملات التسجيل العقاري ومن اقدم الموظفين فيها السيد (عمر نظمي حامد) اما اقدم فندق في المدينة فهو فندق الجواهري لصاحبه يوسف الحاج خميس.
اما بالنسبة لابناء الطائفة المندائية فقد سكنوا المدينة منذ تأسيسها عام 1861 م وكانوا يسكنون محلة خاصة بهم تسمى محلة السرية قريبة من نهر الكحلاء وكذلك سكنوا محلة الماجدية. اما اشهر مهنهم فهي الصياغة والحدادة والتجارة التي اشهروا بها ولهم مختار خاص بهم كما كان يتواجد فيها رجال الدين المندائيين.
عن/ مجلة افاق مندائية
العدد 20