الصحافة الساخرة في العراق

الصحافة الساخرة في العراق

جميل الجبوري
باحث واديب
معروف ان تاريخ الصحافة العراقية متسع طويل، وان جذوره تمتد الى مديات بعيدة في اعماق القرون التي حفظتها الاسفار، لذلك فلست هنا بمحاول مواكبة ذلكم التاريخ ولكني – اتمنى- ان اوفق الى تسجيل مقدمة مناسبة توصلني الى موضوعي الاساس..

صحافة الهزل في العراق.. قديمها وحديثها وقدر تعلق الامر بالقديم من تاريخها فان بعض ممن كتبوا في هذا المجال يرجعون بداياتها الى العصر البابلي، كما انهم يشيرون الى انه قد وجد في ودائع خزانة الامبراطور (آشور بانيبال) في نينوى سجلات مفصلة ومنسقة حسب حوادثها وتواريخها، ولقد ذهبوا الى انها تمثل الصحافة او ما يقوم مقامها.
ويرى آخرون- ومن بينهم المؤرخ الامريكي الثقة، بريستد – ان معظم تلك الاخبار كان يقصد بها نشر دعوة او الترويج لمبدأ.
وعلى هذا الاساس، فهم يحسبون لسكان العراق القدماء صحافتهم. ونجد صحيفة من هذه الصحف الخالدة تحوي جانبا من قصة الطوفان: مكتوبة على رقم الطين المشوي في المتحف البريطاني بلندن، وقد اخذت من المكتبة الامراطورية المشيدة قبل مايزيد على الالفين والخمسمائة سنة، ويذهب بعض المعنيين الى ان للآشوريين سبقهم في ابتداع الصحافة المصورة حيث كانوا يرقمون حوادث انتصاراتهم وبجانب الرقم يصورون بالالوان الاسرى من الملوك او الرعايا ويعرضونها في قصورهم وابهائهم العامة وشوارعهم الكبرى، ويجد المرء نماذج من هذه الرقم الطينية المصورة في متحفي بغداد ولندن.
ويرى آخرون ان نقل الاخبار مشافهة او نسخها قبل اختراع الطباعة هو لون من الوان الصحافة المبكرة.
وتتعدد الاراء والاجتهادات في هذا المضمار وتتنوع، لكن الصحافة في العالم العربي بشكل عام عرفت اول ما عرفت، في مصر بالمعنى الذي تدل عليه الكلمة –يومذاك- حيث اسس (محمد علي باشا) جريدة (الوقائع المصرية) عام 1928م. ثم في العراق على يد الوالي التركي (مدحت باشا) الذي انشأ فيه اول جريدة باسم (زوراء) في عام 1869م وجعلها لسان حال الولاية، ولقد استمرت زوراء في الصدور مدة تقارب الـ(48) عاما حتى بلغ مجموع ماصدر منها (2607) اعداد تفاوتت في مستوياتها وفق المراحل الزمنية التي صدرت فيها وطبيعها، كما شهدت بغداد، ومدن العراق الاخرى في الفترات اللاحقة صدور مجموعة كبيرة من الصحف يضيق المجال بنا هنا ان نحن اتينا على ذكرها.. لكن الامر الذي يعنيناهو: صحافة الهزل: وهي ما سنقف عندها –جهد الامكان- في الاتي من الصفحات.
ولان العراق مر خلال تاريخه الطويل، بمآسي ومحن كثيرة، فقد اثرت كثيرا في طبيعة ابنائه وصيرتهم اقرب الى روح الجد من الهزل واميل الى الحزن من المسرة،، فمتصفح تاريخ العراق يجد انباء نكبات الغزاة والويلات التي اصابت البلاد من جراء عدوانهم عليها واخبار الاوبئة والامراض ومصائبها واوضار الفيضانات واخطارها.. والكثير الكثير مما يولد في النفس الغصة ويبعث في القلب الشجن.
ولعل ذلك كله هو الذي طبع حياة العراقي بالطابع الجاد الذي لايخلو من بعض سمات الحزن والالم..
نجدها واضحة في امثال الـ شعب ومعانيه المتداولة واقواله المأثورة.. بل حتى في اهازيجه واغانيه ولعلنا لا نبعد عن الصواب اذا ما قلنا ان.. (النكتة العراقية) ايضا اتصفت بالغصة المكبوتة والسخرية المريرة.
واوضح ان الهزل الهادف والكركتور البناء فن صحفي له اسسه ومقوماته، وقد لعب دورا كبيرا في تاريخ الصحافة العالمية وادى للمجتمع خدمات جلى وهو على ذلك غير التعريض السمج او الشتائم والسباب التي عرفتها بعض حول الصحف في فترات سابقة من عمر الصحافة العراقية الامر الذي اخرجها عن مهمتها السامية التي وجدت من اجلها.
ولئن شهد عالم الصحافة العراقية عناوين كثيرة لصحف ارادت او حاولت اتسام مسيرتها بسمة الهزل الهادف، لكن الواقع يؤشر عناوين محدودة، وربما محدودة جدا، لصحف وصلت او كادت ان تصل الى ذلك المستوى الذي تمناه اصحابها لها، ولقد حاول اغلب صحاب صحف الهزل والكريكتور في العراق تقليد صحف (استانبول) لانها كانت عاصمة السلطنة وفيها تصدر ابرز الصحف التي تستقي ما تنشره من ثقافات ومعارف غربية بالاضافة الى المبتكر المحلي، لكنهم اخفقوا ولم يستطيعوا المحاكاة الناجحة، ولا استطاعوا ان يبتكروا من ذاتهم ولا ان يبدعوا او بجودوا حصيلة معرفتهم الخاصة، ولعل ذلك كون فن الهزل والكريكتور في الصحافة فن وجد ونما في العالم الغربي وقد كانت ثقافة اغلب اصحاب هذه الصحف ثقافة عربية بحتة، الامر الذي اغلق امامهم ابواب الاطلاع على الجديد في هذه المجالات..
تلك مقدمة لابد منها للدخول الى عوالم صحافتنا العراقية التي اختارت لنفسها طريق الهزل الناقد والنقد الهازل، واسفا اقول التي تنطبق عليها مواصفات الجريدة الهازلة الناقدة، من جرائدنا ليست كثيرة.. ومارسمت على الطرق اثار اقدامها عدا تلك الثلاث الكبار.. والرابعة الرائدة.. والمميزة.
اما الثلاث فهي جرائد:
كناس الشوارع ابو حمد، الكرخ
واما الرابعة الرائدة والمتميزة فهي جريدة (حبزبوز).
ولذلك، فمعذرة اذا ما وقفت فيما اكتبه عند هذه الحدود لاني اكتب ما توصلت اليه من استنتاجات من خلال دراسات جادة ومتأملة ودقيقة.