الصحافة العراقية والطبقة العاملة في عهد الملك فيصل الاول

الصحافة العراقية والطبقة العاملة في عهد الملك فيصل الاول

زينب جبار العكيلي
سجلت الصحافة العراقية مواقف من الطبقة العاملة في العراق وقضاياها المختلفة، تستحق اثباتها والتوقف عليها في اطار هذه الرسالة . فقد عالجت جريدة "العراق"وفي وقت مبكر موضوع أجور العمال في العراق،مشيرة اولا إلى أن للعامل في العراق يداً في هيكل المجتمع، ثم مضت قائلة: لقد مضى على العمال ردحاً من الزمن وهم يحسبون ادنى وأقل شأناً من الطبقات الأخرى في المجتمع.

 بعد ذلك أكدت انهم( أي العمال) والحق يقال لايقلون عن غيرهم بشيء. ولم تكتف " العراق" بذلك فقط وانما طالبت بلزوم قيام رابطة تربط العمال وتدافع عنهم بشكل يدعو للفخر، ومن المفيد نقل عبارات الجريدة المذكورة التي تبين بالقول:" لزوم قيام رابطة تربط العمال لأنهم لايزالون حتى الان بلا رابطة تربطهم ولا جامعة تحميهم، يسيرون كما يشاؤون، لذلك نراهم على حالتهم هذه، حتى ان اصابهم حيف لايسمع لهم صوت" وتمنت " العراق" في ختام مقالها ان تهتم البلدية بموضوع تشكيل نقابة للعمال للنظر في شؤونهم.
لا نبتعد عن الواقع اذا ما قلنا هنا ان الصحف العراقية كانت مدافعة عن مصالح العمال العراقيين العاملين في السكك الحديد والشركات الأجنبية بصلابة واضحة. فقد لاحظت جريدة" العاصمة" ان العمال العراقيين الذين يشتغلون في السكك الحديد يعانون من منافسة اعداد كبيرة من العمال الاجانب ولاسيما الهنود، على الرغم من قدرة العامل العراقي على القيام بالاعمال التي يقوم بها العامل الهندي. بعد ذلك استغربت"العاصمة" من قيام الحكومة بالاستغناء عن خدمات العمال العراقيين بدعوى الاقتصاد في النفقات. ثم ذكرت جريدة "العاصمة" الكل بحقيقة بان العديد من الشباب الذين تخرجوا من المدارس لايتمكنون من تعاطي الاشغال الحرة، لأنهم لايملكون رأس المال اللازم للقيام بالعمل.
بحثت جريدة "العراق" موضوع العمال العراقيين العاملين في الشركات الأجنبية العاملة في العراق، من خلال تنبيه الحكومة إلى موضوع البطالة، واستخدام الشركات الأجنبية، ولاسيما شركة النفط التركية، العمال الأجانب في اعمالها ووظائفها، في وقت الزمت الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة العراقية مع تلك الشركات لا لتشغيل العمال العراقيين في اعمالها فقط انما ألزمتها تدريبهم على الاعمال الفنية المطلوبة. بعد ذلك انتقدت الجريدة المذكورة الحكومة العراقية لعدم التفاتها لهذه المسألة التي أسهمت في تفاقم امر البطالة بهذه الكلمات التي تقطر ألماً وحسرة عندما قالت ما نصه:" ان الزحام والصدام، انما يقومان على الخبز، فاذا لم يضمن الانسان خبزه الذي يقتات به فحياته في مرارة وعيشه عالة على المجتمع الذي يعيش فيه"، واسترسلت "العراق" تقول:" ومن الحيف المفرط ان نترك هذا العدد العظيم من العمال العراقيين عالة على مجتمعنا البائس الفقير، ومن الظلم الصبر على حالة كهذه وبمقدورنا ان نزيحها وتحل الراحة والطمأنينة مكانها".
بعد ذلك بأيام كتبت"العراق" مقالا افتتاحيا تحت عنوان " الشركات الأجنبية واستخدام العراقيين. ألم يحن للحكومة أن تنتبه الى حق الاهلين المضاع" تناولت فيه موضوع العمال العراقيين العاملين في الشركات الأجنبية العاملة في العراق قائلة:
"ان هناك من الشركات تستثمر خيرات البلاد وتستخرج الذهب منها تملأ به صناديقها في بلادها، وبيننا وبين تلك الشركات عقود وعهود لم تنفذها ولا يوجد من يحاسبها ولا مراقب يغار على حقوق العراقيين المهدورة في هذا المجال". بعد ذلك لاحظت الجريدة أن أهم التزامات الشركات تجاه العراق هي ان لا تستخدم في أعمالها ووظائفها إلا العراقيين، بينما نجدها استخدمت مئات من العمال من غير العراقيين. ثم مضت جريدة "العراق" تقول: لو ان الحكومة العراقية أدت واجبها والزمت الشركات بما الزمت نفسها به وهو تشغيل العراقيين لخفت على العراق مصائب البطالة التي اضطرت البعض إلى ترك بلده.
عادت جريدة "العراق" مرة أخرى الى موضوع الشركات الأجنبية العاملة في العراق، فبعد ان انتقدت الحكومة بوضوح، حثت مجلس النواب على الالتفات الى موضوع الشركات الأجنبية العاملة مع العراق وظلمها للعمال العراقيين.
في حين عدَّت جريدة "الاستقلال" كل شركة أهلية تنشأ في العراق بمثابة جيش مسلح محارب امام الاستعمار الرأسمالي الاقتصادي. وأضافت إلى ذلك قائلة: إن أعمال" بنك مصر" ومشاريعه الباهرة العظيمة اقوى حجة على كفاية الشعب المصري وجدارته بالاستقلال من هياج 1919.
ولما كان موضوع تعنت الشركات الأجنبية العاملة في العراق،ولاسيما شركة نفط العراق واضحا، فإن جريدة"العراق" اطلت عليه بمقال مسهب اشارت فيه الى تساهل الحكومات العراقية المتعاقبة مع شركة نفط العراق، وعدم اهتمامها بتشغيل العمال العراقيين، مما حدا بالشركة المذكورة الى عدم احترامها لحرمة البنود الخاصة بتشغيل العمال العراقيين، وما كان من الجريدة المذكورة إلا مناشدة مجلس النواب العراقي الاهتمام بهذه القضية وإعطاءها الاهتمام الذي تستحقه، ولم يقف اهتمام جريدة" العراق" عند ذلك، وانما اقترحت تأسيس دائرة خاصة تكون مهمتها العناية باستخدام العراقيين في الأعمال والوظائف على الدوام، وان تقوم تلك الدائرة بالتحقيق في كل شكوى أو ظلامه تقع في هذا الباب.
يبدو ان جريدة"العراق" قطعت على نفسها وعدا باستمرارها بمتابعة أحوال العمال العراقيين العاملين في الشركات الأجنبية وأوضاعهم، بشكل ينم عن التزام وطني صميم، فقد لفتت الجريدة المذكورة في حزيران 1929 أنظار الحكومة الى حالة العمال العراقيين العاملين في السكك الحديد، والإجراءات التي اتخذتها إدارتها بشان العمال العراقيين عندما قامت بتخفيض رواتبهم التي لم تتجاوز 35 روبية شهريا، على الرغم من انهم يقومون بأصعب الأعمال وأشقها، إذ يتصبب جبينهم عرقا وسط حر الصيف. ولم يقف الأمر عند ذلك التخفيض وإنما، قامت ادارة السكك الحديد كما تذكر الجريدة، بتعطيلهم عن العمل شهرا من دون عوض. ومضت"العراق" قائلة: ان هذه الطبقة المسكينة محرومة من كل هذه الامتيازات، كما عدت الجريدة تلك الإجراءات ضربة أصابت بالصميم الطبقة العاملة الفقيرة، تلك الطبقة التي ساقها حظها المنكود الى امتهان هذه المهن الشاقة التي لا يقوم بها الا من منح الصبر والجلد.
دفعت إجراءات ادارة السكك الحديد بالعمال إلى الاضراب، اذ ذكرت جريدة"العالم العربي" ان ما يزيد على الف عامل من عمال السكك الحديد قد اعلنوا إضرابهم عن العمل، واجتمع قسم كبير منهم في الساحة الرئيسة لادارة السكك الحديد، وقرروا تسمية رئيس "جمعية أصحاب الصنائع" ممثلا عنهم للاجتماع بالعقيد تنج مدير السكك الحديدية لعرض مطالبيهم، واهمها اعادة ساعات العمل كما كانت، لان الادارة قامت بتخفيض ساعات العمل الى ست أو أربع ساعات، مما أدى إلى تخفيض الأجور التي كان يتقاضاها أولئك العمال المضربون، لان أجور العامل يعتمد على عدد الساعات، كما ضمت مطاليب العمال من بين ما ضمت ،عدم قطع اجور العمال اثناء العطل، والإعفاء من ضريبة الراتب. بعد ذلك تمنت جريدة
"العالم العربي" من مدير السكك الحديد وأولياء الأمور الاهتمام بتلبية مطالب العمال المشروعة، ورفع الحيف عنهم، ولاسيما أنهم لايطالبون سوى بالمساواة مع بقية عمال المعامل الأخرى في الحقوق.
وفي السياق ذاته ذكرت جريدة"نداء الشعب" شكوى عمال السكك الحديد الذين انخفضت أجورهم كثيرا، التي رفعتها "جمعية أصحاب الصنائع" الى رئيس مجلس الوزراء والنواب ووزيري الداخلية والاشغال والمواصلات، طالبتهم فيها برفع الحيف الذي لحق بأولئك العمال.
كما احتل موضوع تشكيل نقابات للعمال اهتماما كبيرا من لدن الصحف العراقية. فقد تمنت جريدة "العراق" بمناسبة تأسيس "جمعية تعاون الحلاقين" وهي اول جمعية حرفية سمح لها بالعمل في العراق. تأسست رسميا في 10 شباط 1929. بعد ان قدم طلب التأسيس الى وزارة الداخلية مجموعة من الحلاقين على رأسهم محمد مكي الاشتري. قالوا أنهم يريدون ترقية حالة أرباب حرفهم ومد يد المساعدة والتآخي الى بعضهم . ان يبادر أصحاب المهن الأخرى الى تأليف نقابات لهم، لتدافع عن حقوقهم وتهتم بمصالحهم وأضافت انها تستغرب من رجال السياسة والمتصدين للعمل السياسي عندما يفكرون بتشكيل حزب سياسي فأنهم يضمون إليه الأشخاص، أولئك الأشخاص الذين في كراسي الحكم او الظاهرين في الاشغال السياسية والمناصب الحكومية، تاركين وراء ظهورهم السواد الاعظم من الجمهور، هذه الطبقة الفقيرة التي تؤلف العنصر الاعظم من الشعب العراقي. بعد ذلك كله ارسلت "العراق" تحذيرا مبطنا إلى الطبقة السياسية في العراق، آنذاك،وهو انه إذا ما قام رجل سياسي محنك بتنظيم الطبقة العاملة التي وصفتها الجريدة بالفقيرة والمتخلفة سياسيا وتحويل ذلك الى حزب سياسي فانه سينجح نجاحا باهرا.
واستقبلت جريدة "الوطن" تأسيس "جمعية تعاون الحلاقين" بالارتياح بعدما أشارت "الوطن" وباستغراب واضح إلى عدم موافقة الحكومة على الطلب الذي تقدم به سائقو السيارات الذين رجوا فيه الموافقة على تشكيل نقابة لهم ، مما اضطرهم الى تبديل اسم النقابة الى نادي، موضحين في طلبهم، أن هدفه العمل على تهذيبهم اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وعلميا، ومساعدة المنكوبين. ثم أعربت "الوطن" عن رأيها بطلب تأسيس النادي، إذ لاترى فيه ما يدعو الى إساءة الظن به وتأجيل الإجازة كل هذه الفترة. في هذا السياق ذكرت "الوطن" أيضاً ان جماعة من الخياطين سارعوا الى تأسيس نقابة لهم. ثم ختمت "الوطن" مقالتها بالإشارة إلى هذه الحقيقة البالغة الأهمية عندما قالت ما نصه:"هذه الحركة النقابية من أدل الدلائل على انتباه جماعات العاملين من أهل المهن الحرة الى وجوب لم شعثهم، واصلاح حالتهم الاجتماعية والاقتصادية، أسوة بالجماعات العاملة في البلاد العربية".
كما نقلت جريدة "الوطن" المذاكرات التي جرت في مؤتمر العمل الدولي الذي عقد في مدينة جنيف في الثالث من حزيران 1929، بشأن السخرة في البلاد المستعمرة، والتي ألقت الضوء على الاحوال المحزنة والمخيفة للعمال في بعض المستعمرات، وتذكر الجريدة ان المؤتمر وافق على قرارات تدعو للتخفيف من الضغوط التي كان يتعرض لها العمال، فانتهزت جريدة "الوطن" هذه الفرصة
لتؤكد: ان بقاء عمالنا بدون نقابات وجمعيات، لا يعني إلا استمرار البطالة واستمرار الشركات في ظلم العمال، غير انها تأسف لأن العمال لايمتلكون الشجاعة والاحتجاج على الحيف الذي لحق بهم.
كانت اعمال ونشاطات "جمعية اصحاب الصنائع" محط اهتمام
جريدة "المعارف" التي ذكرت في عددها الصادر يوم 10 كانون الاول 1929، أن الجمعية موضوع البحث دعت جماعة كبيرة من الأدباء والعمال لحفلة كانت غايتها شرح فوائد الجمعيات، والغايات التي ترمي إليها، والاعمال التي تقوم بها. وتابعت الجريدة تقول: لقد حضر الكثير من المثقفين الذين ألقوا خطبا فيها، دارت حول أهمية العناية بالطبقة العاملة، ومساندة الجمعيات، وضرورة توثيق علاقات عمال العراق بعمال العالم. كما لم ينس الخطباء ان يقدموا الشكر الوافر" لجمعية اصحاب الصنائع" لما تبذله من جهود في سبيل اعلاء شأن العامل المنكود الحظ، على حد وصف جريدة " المعارف".
من المفيد ذكره هنا ان جريدة "الاستقلال" اثنت على جهود الخياطين الهادفة الى تشكيل نقابة لهم، واصفة تلك الجهود بالمباركة التي ترجو ان يعمل على مزاولتها أصحاب المهن الحرة الأخرى في العراق، وتمنت اخيرا ان تلبي الوزارة طلبهم تنشيطا للأيدي الوطنية العاملة.
من جانبها تناولت جريدة"العالم العربي" موضوع الجمعيات والنقابات العمالية من زاوية أخرى، طرحت من خلالها افكارا رائعة لا تطرحها الا جريدة "العالم العربي"، فهي في البدء تحمد الله لأن الناس على اختلاف طبقاتهم انتبهوا اخيرا اشد الانتباه لأهمية الجمعيات وفوائدها، فأدى ذلك الى ازدياد عدد الجمعيات، ثم تلاحظ وبذكاء كبير وحرص واضح على المصلحة العامة بعد ان تعدد أسماء الجمعيات التي أسست، ان تلك الجمعيات تحتاج الى قيادة متنورة ومسموعة الكلمة قادرة على ارشاد الجمعيات الى ما يعينها على السير الحثيث الى غايتها الحسنى، كما تحتاج هذه الجمعيات الى مساعدة مادية ومعنوية، مشددة على الحكومة لكي تلتفت الى ذلك.فضلا عن ذلك توقعت"العالم العربي" ان تصبح هذه الجمعيات افضل نواة لتكوين قوة شعبية منظمة تساعد على تكوين الرأي العام. ولا باس من نقل مارسمته "العالم العربي" من صورة ذلك في نص قولها الآتي:"ان هذه الجمعيات، ان دامت أو توسعت، ستصبح خير نواة لتكوين قوة شعبية منتظمة تساعد على تكوين الرأي العام، الذي لايزال الكثيرون يعتبرونه مفقودا في البلاد" بعد ذلك توسلت
"العالم العربي" بالحكومة والزعماء وذوي الثروة والمقدرة، طالبة منهم وباسم الإنسانية وباسم الوطن ان يتعاضد الجميع على إنماء هذه الغرائس الزكية الطيبة، حتى تصبح أشجارا مثمرة تهنأ بها البلاد.
أما جريدة " الإخاء الوطني" فعلقت على قرار وزارة الداخلية بغلق "جمعية أصحاب الصنائع" الذي أرجعته الوزارة المذكورة الى تدخل الجمعية في الأمور السياسية قائلة: أنهُ كان يحسن بالوزارة ان تبسط للرأي العام الأسباب الموجبة التي دعتها الى هذا التصرف تجاه جمعية مؤلفة وفق أحكام وقوانين نافذة. المهم القول أن "الاخاء الوطني" بقيت في موقفها المدافع عن "جمعية أصحاب الصنائع" وذلك عندما قامت بنشر بيانات محمد صالح القزاز معتمد الجمعية المذكورة،
الذي وضع في السجن، التي طالب فيها الشعب العراقي ان يبقى متحدا ومتآزرا حتى السماح لـ " جمعية أصحاب الصنائع" بالعمل ثانية. لأن غلقها كان لأسباب موهومة.
لقد اثار غلق "جمعية أصحاب الصنائع" احتجاجات معينة، ولاسيما في بغداد. فقد نشرت جريدة "الاخبار" مجموعة من العرائض التي قدمها اصحاب معامل الطابوق وعمالها الى وزير الداخلية منددين بقرار الغلق، نقتبس فقرات من احدى تلك العرائض :" جمعية أصحاب الصنائع هي الجمعية العراقية الوحيدة التي ذادت عن العمال بكل ما أوتيت من حول وقوة ،ولم تألُ جهدا يوما من الأيام في سبيل الدفاع عن حقوق العمال العراقيين البؤساء" ثم يشرح أصحاب تلك العريضة أسباب احتجاجهم بعد غلق تلك الجمعية بقولهم:" ولما كانت هذه الجمعية جميع أعمالها مبرورة، رأينا من الواجب ان نشترك مع بقية طبقات العمال بالاحتجاج على إقفالها الذي شاءت الظروف ان يكون"، ومضت العريضة تقول: كما أننا نؤيد مطالب معتمدها محمد صالح القزاز، وندعو رجال الحكومة ان يعيدو النظر في امر غلقها ويعيدو فتحها، بعدها دغدغت العريضة مشاعر المسؤولين بهذه الكلمات الرائعة: ولم يكن هذا على همة الغيارى على مصالح البلاد والعمال بعزيز.
يمكن القول وبالاستناد الى الرسائل التي كانت تنشرها جريدة "الاخاء الوطني" ان هناك تطورا معينا في الوعي الطبقي عند العمال العراقيين، لدرجة ان عمال الموصل ارسلوا رسائل يستنكرون فيها غلق" جمعية أصحاب الصنائع" ويعبرون عن شكرهم لمعتمد الجمعية محمد صالح القزاز لدفاعه عن العمال. كما نشرت " الإخاء الوطني" احتجاجات لعمال السكك الحديد ضد غلق الجمعية المذكورة والإشادة بمعتمدها ايضا.
كان موضوع البطالة وكيفية معالجتها والأزمة الاقتصادية العالمية من الموضوعات التي تطرقت إليها الصحف العراقية. فقد بحثت جريدة " العراق" قضية العمال العراقيين العاطلين عن العمل، ومطالبة الحكومة بضرورة التفكير في هذه الجموع العاطلة، والعمل على تشغيل الأيدي العاطلة عن العمل.وختمت "العراق" مقالها بإعرابها عن سرورها لقيام الحكومة بأبرام عقود المقاولات مع الشركات الأجنبية لاستثمار بعض منابع الثروة في البلاد، إذ رأت الجريدة أن هذه العقود كفيلة بإيجاد ميدان جديد لعمل العراقيين وتشغيل أيدي كثيرة منهم.
في حين لفتت جريدة "الاخبار" الانظار إلى إهمال الحكومة شؤون العمال، ولاسيما أنهم يؤلفون طبقة كبيرة من سكانه،ولاسيما من أهل المدن والحواضر وأضافت تقول: " لقد جاءت شهور الكساد الأخيرة عجافا على العمال فتفشت البطالة بدرجة مخيفة، حتى صار البؤس يخيم على الكثيرين، كما أصبحت الفاقة تفترس جماعات كبيرة من العمال". بعد ذلك أشارت "الاخبار" الى مساعي بعض الحكومات السابقة ومساعي بعض الوطنيين للاهتمام بشؤون العمال، ثم جاءت توصيات عصبة الامم التي أكدت الاهتمام بكل شؤون العمال، فلم تجد الحكومة بدا من التظاهر بالعناية بشؤون الطبقة العاملة، فقامت باستحداث دائرة خاصة اطلق عليها اسم "سكرتارية العمال والبلديات" التي كانت تابعة لوزارة الداخلية في سنة 1931 وحددت مهمتها دراسة الاتفاقيات والقوانين المعتمدة لدى منظمة العمال الدولية وذلك تمهيداً لدخول العراق إلى عصبة الأمم.. وأوفدت من يمثلها الى اجتماعات العصبة الخاصة بمسائل العمل والعمال. وفي نهاية مقالها أعربت الجريدة عن ألمها لأن الحكومة لم تستمر في ذلك.
وانتقدت جريدة "السياسة" من جانبها الحكومة انتقادا واضحا لتهاونها في موضوع البطالة والعاطلين عن العمل، بعدها سردت الجريدة إجراءات بعض الدول لمجابهة مشكلة البطالة، في وقت ترى فيه قيام الحكومة العراقية بشطب معظم المبالغ المخصصة للطرق والري والمدارس والدور الحكومية من الميزانية، مما زاد من وطأة البطالة ولم يقف الأمر عند هذا وانما قامت برفع الرسوم الكمركية على البضائع والسلع الأساسية التي يعتمد عليها الفقير والعامل والفلاح. ومن الغريب حقا كما رأت الجريدة المذكورة، أن الحكومة العراقية كانت ترد على دعوات مكافحة البطالة بأن ليس لديها إحصائيات تدل على عدد العاطلين، ولا تعرف أمرهم، وليس لديها أي تدبير لإيجاد عمل حتى لقسم منهم.
يتوجب القول هنا ان جريدة" الاخاء الوطني" عندما بحثت تفصيلا موضوع الاضراب العام الذي شهده العراق في تموز 1931، قالت ان واحدا من أسبابه فشل الحكومة القائمة بمعالجة قضايا العمال وعدم نجاحها في مكافحة البطالة.
بدأ تاريخ الصحافة العمالية في العراق في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، الذي شهد تطورا معيناً في الوعي الطبقي لدى العمال، وظهور النواة الأساسية الأولى للتنظيم النقابي المتمثلة بـ " جمعية أصحاب الصنائع" ما حتم وجود صحافة عمالية معبرة عن مواقف الطبقة العاملة، ومدافعة عن حقوقها الأساسية .
بقي ضرورياً القول هنا ان الصحافة العمالية في العراق كانت قريبة جدا من هموم وآلام الطبقة العاملة وآمالها، غير ان الحكومات العراقية كانت لها بالمرصاد مستخدمة ضدها سلاح الغلق، فلم يصدر من جريدة" الصنائع" التي أصدرها محمد صالح القزاز في حزيران 1930 غير عددين، ولم يسمح للعدد الثالث ان يرى النور اذ صادرته الحكومة قبل خروجه من المطبعة. إذ يعتقد القزاز كما ينقل عنه استاذنا الكبير كمال مظهر احمد ان سبب الغلق يعود الى نشرها قصيدة ألقيت في مقر "جمعية أصحاب الصنائع" بمناسبة العيد، جاء في مطلعها:
اعيدٌ لشعب افسد المال رأسه
فخان، ومن خان البلاد له القتلُ

اعيدٌ لشعب وقَّعتْ صكَّ رقَّه
عصابةُ سرّاقٍ فأنهكه الغِلُّ

اعيدٌ وعمالُ البلاد حقوقُها
سليبةُ أطماع ترأسها القتل

كما خاطبت جريدة "العامل" التي اصدرها عبد المجيد حسن في أيلول 1930 الطبقة العاملة العراقية بكلمات ذات دلالات ومعاني كبيرة قالت فيها:
"ايها العامل العراقي، هذه جريدتك، التي تحمل اسمك الكريم، وهي سلاحك الادبي الذي يحق لك ان تعتز به في كفاحك، وهي جهادك المستديم في سبيل المطالبة بحقوقك المهضومة، والدفاع عن قضيتك التي هي جزء من قضية العمال في العالم العربي، وانها صوتك الصارخ الذي سوف يسمعه العالم".
شاطرت جريدة" نداء العمال" زميلتها في كلماتها الرائعة التي كانت تقطر مشاعر تقدير وإشادة بدور الطبقة العاملة، وذلك عندما قالت في مقال العدد الافتتاحي ما نصه: " نتقدم إلى القراء، عمالا وغيرهم، بهذه الجريدة الخادمة للوطن، والمكافحة عن مبادئ الحرية، والمدافعة عن هذه الطبقة التي تتألف منها البشرية طبقة العمال، التي على سواعدها قام العمران وشيدت الممالك والحضارات".
عن رسالة ( الموقف الرسمي والشعبي من الطبقة العاملة )