نص نادر.. بلاد المنتفق على الغراف

نص نادر.. بلاد المنتفق على الغراف

الشيخ محمد رضا الشبيبي

الغراف نهر كبير مخرجه من دجلة ومصبه في الفرات ينحدر إليه من الجزيرة ويصب في موضعين منه أعظمهما مصب الحمار قرب الناصرية فمضمحل ضيق على إن الغراف كله على وشيك الاضمحلال وللمنتفق عليه مراكز مهمة ومنها:

الشطرة

يتشعب الغراف شعبتين قبل انحطاطه إلى الشطرة بستة كيلومترات وتذهب الشعبة الكبرى منهما إلى الحمار وتصب الثانية بظهر الناصرية في شعبة من شعب الفرات وعلى هذه الشعبة الصغيرة بلدة الشطرة الجميلة وقد قضي عليها نحس الطالع إن تكون في محيط فتن المنتفق الأخيرة فانحطت عمرانا واقتصادا وقد كان يؤمل لها مستقبل زاهر ولكن أبى ذلك جهل الاهلين، وسوء نية المتولين.

قلعة سكر

بليدة آهلة حسنة الموقع على متن الغراف تبعد عن الشطرة من جهة الشمال ثماني ساعات وقد نسبت إلى (سكر) (كعنب) بن مشلب (وزان مذهب) مؤسسها وهو زعيم عشيرة تدعى (الطوقية) والعشيرة هذه تقيم في أعراض البلدة وتسوم المترددين إليها سوء العذاب وقد جاء في كلامكم إنها (قلعة صقر) وهو تحريف والصحيح ما تقدم وجاء في كلامكم عن بلادهم (بنو سيد) والظاهر إنه تحريف: (بني زيد) وهم طائفة تقيم في البدعة على شعبة الغراف الذاهبة إلى الحمار. أما (المشارقة) التي جاءت في كلامكم فلا تعرف مكان أو طائفة بهذا الاسم في الغراف بل في بلاد المنتفق اجمع.

الحي

من مدن الغراف المهمة الحي وهي قائمة على ضفته الغربية وتبعد عن القلعة ثماني ساعات أيضاً. وأما قولكم إن الحي: (قرية لا مدينة إن لغةً وإن اصطلاحا) فمنظور فيه، لان للقرية إطلاقات: فمنها (المصر الجامع) وقد ذكرتموه، ومما تطق عليه (الضيعة) والضيعة هي الأرض المغلة فيها من بيوت وسكان وهذا هو الذي جعلتموه معنىً عرفياً اصطلاحيا أي محدثاً مع إنه لغوي فصيح، وقد أغفلتموه وذلك حيث قلتم: (وأما اصطلاحاً

فالقرية هي البلدة التي اغلب سكانها أهل زراعة وفلاحة. وهذا أيضاً يصدق في الحي ولا يصدق فيها كلمة مدينة). هذا كلامكم. وأنا أقول: أم (الحي) مدينة لأن المدينة، المصر الجامع وكذلك الحي. وليست بقرية، لأن القرية: هي الضيعة في الأشهر لغةً واستعمالا. والحي ليس بضيعة وعلى هذا فاستعمالكم (القرية) بمعنى (المصر الجامع) استعمال بعيد أو متروك فقد أصبح من المنكر إن نقول الفصيح لمثل بغداد أو البصرة (قرية). أما تخصيص المدينة بذات السور فإنه من تنطعات اللغويين، والفصحاء يأبونه وقد تمسكتم به على إنه ضعيف ومجهول قائله وما تعطيه عبارتكم من أن اكثر سكان

الحي أهل زراعة وفلاحة

خلاف ما شاهدناه لأن سكان الحي لفيف من الأكراد والبغاددة والعرب المتحضرين من الغراف وغيره. وأكثرهم ابعد الناس عن الزراعة وإنما هم تجار حبوب وأقمشة وباعة بقول وعقاقير وصناع وحاكة وذلك على النحو المعهود في طبقات كل مدينة.

ثم إنكم قلتم في آخر كلامكم على بلاد المنتفق ما يأتي:

(ونهر الغراف يتقسم هناك إلى شعبتين فالشعبة التي عن يمينك تسمى (أبو حجيرات) مجموع حجيرات مصغر حجرة والشعبة التي على يسارك يقال لها (شط العمى) لأنه لا يدفع مياهه إلى نهر آخر ولأن الرمال تدفن عقيقه رويداً رويداً ولا يوجد الماء في هذه الشعبة إلا أربعة أشهر في السنة هي أشهر الشتاء)

أما إن النهر ينقسم قرب الحي إلى شعبتين فصحيح ولكن شعبة اليسار تدعى (أبو جحيرات) بتقديم الجيم لا بتأخيرها وكأنه مصغر

جحرة (على زنة فجرة) وهي جمع جحر الضب فيحتمل إن الضبان كانت كثيرة هناك وربما كان بنو المنتفق يحترشونها كما يحترشون اليربوع من نافقائه!!!

وبتقديم الجيم يلفظها الناس هنالك وكذلك تلقوها وبعد فهل لديكم دليل فع (التلقي) ويضاد ما عليه الناس؟ أما في اللغة والتاريخ فلا حجة لأحد الفريقين على ما اعلم.

أما تسمية الشعبة الثانية (شط العمى) فلأن الماء لا يصعد أبداً وليس لأنه لا يدفع مياهه إلى نهر آخر فلا مياه فيه حتى يدفعها وقولكم إن الماء يوجد فيه أشهر الشتاء غريب إذ لا يوجد فيه ولا يوماً واحداً من أيام الشتاء والصيف وإنما الذي يلجه الماء أيام الشتاء وبعض أيام الصيف هو أبو جحيرات وهو هو شط الغراف لا غير ولكنه يبس في اكثر أيام الصيف والخريف.

النجف: محمد رضا الشبيبي

(لغة العرب) نشكر حضرة الكاتب الشهير على مقالته هذه اليتيمة ونؤمل إنها تكون راس عدة نبذ تكون حلقاً متتابعاً. إن في المعنى الذي تعرض له هنا وإن في سواه، إن نثراً وإن شعراً، هو الشاعر الناظم، والناثر الناغم.

وفي العدد نفسه نجد هذه النبذة:

(حول المنتفق)

سألكم سائل عن (الحي أقرية هي أم مدينة فكان الجواب (إنها قرية لا مدينة إن لغة وإن اصطلاحاً (ولما كان لدى شيء عن بلاد المنتفق وعن المنتفق وحاضرهم وباديهم جئتكم بما يمس البحث منه رغبة في الوصول إلى الحقيقة التي كثيراً ما توجد في وسط الاختلافات كما إنها كثيراً ما تضيع في ظلماتها الكثيفة.

كانت تتجاذب طرفي الفرات الأدنى منذ عهد غير قريب عميرتان من أكبر عمائر العراق وهما خزاعة (الخزاعل) وكان منتهى ما يحتلون من ضفاف الفرات (سدرة الأعاجيب) وسدرة الأعاجيب هذه شجرة نبق قائمة على متن الفرات دون السماوة بأربع ساعات والأعاجيب قبيلة تنضوي تحت راية خزاعة التي لم يكن يتجاوز احتلالها سدرة المنتهى المتقدمة الذكر والتي أصبحت اليوم عشائر أشتاتاً لا تجمعها تلك الجامعة وكانت قبائل المنتفق تحتل ما وراء تلك السدرة من ضفاف الفرات حتى يودعوه عند دجلة في ملتقى النهرين.

وقد جاء في مجلتكم النافعة إن (الغراف) سكان من ديار المنتفق الأزمنة الخالية وأنا اعلم خلاف ذلك وقد أكون مخطئاً فإن الغراف كان في الأزمنة الخالية من ديار ربيعة (الأمارة) وهي العميرة الكبيرة التي تحتل ضفاف دجلة اليوم من (البغيلة) (تصغير بغلة) إلى (الكوت) ويحتلون من الغراف فراسخ أيضاً تنتهي بأرض يقال لها (البسروقية) على خمس ساعات من الحي وذلك مما يقوى كون تلك البلاد بلاد ربيعة.

ربيعة الفرس.

أما المنتفق فلما تتغلب على الغراف إلا بعد إن قبض على صولجان الزعامة فيهم أجداد العائلة التي تدعي اليوم (آل سعدون) فإنهم يومئذٍ ناهضوا (ربيعة) في تلك البلاد حتى امتلكوا أكثرها بشبا السيوف والأسنة وأوضح دليل على إن الغراف لم يك من بلاد المنتفق إن كثيراً من العشائر النازلة في صميمه اليوم هي من ربيعة لا من المنتفق فمياح وآل سراج (وكلاهما كشداد) والعبودة وبنو ركاب وآل غريب والشحمان وعقيل وكنانة كل أولئك من ربيعة وكلهم في الغراف وبالجملة الغراف من ديار ربيعة في الأزمنة الخالية والمنتفق متغلبون ولذلك فالبغضاء مستحكمة بين أمراء العميرتين وبسببها جرت حادثات مشهورة في تاريخ تلك البلاد الذي أكثره في الصدور لا في السطور وآخرها الحادثة التي ساعدت ربيعة فيها الحكومة على فتح بلاد المنتفق على الغراف وذلك في أخريات القرن الماضي فتم للحكومة الاستيلاء عليها واجلب زعماءها آل سعدون بعد إن كان لهم الحول والطول وغب إن استبحر نفوذهم في البصرة والاحساء.

وهذا واراكم قرنتم بين ربوع المنتفق على الشطين (الفرات والغراف) وأبرزتموها كأنها في صعيد واحد هو الغراف وذلك حيث قلتم عن ربوع المنتفق الحالية ما نصه:

(تمتد من الناصرية إلى الحي وبينهما شطرة المنتفق والحمار وسوق الشيوخ والبطحاء والبدعة وبني أسد وبني سيد والمشارقة وقلعة صقر إلى غيرها من الأقضية والنواحي)

ففي كلامهم هذا تشويش وتصحيف وجمع بين بلادين بينهما بون بعيد ولعل تبعة ذلك على كتاب الإفرنج الذين نقلتم عنهم فإن بعض هذه البلاد على الفرات وبعضها على الغراف وها أنا ذاكرها حسب عرفاني كما يلي.

ربوع المنتفق على الفرات

البطحة

أو البطيحة بالتصغير هي اليوم أول بلاد المنتفق على الفرات التي كانت تمتد من قبل إلى ابعد من ذلك بكثير والبطحة (ولا يقال لها البطحاء كما جاء في كلامكم) قرية قائمة على ضفة الفرات الغربية تبعد عن الناصرية من جهة الشمال أربع ساعات وهي حد بلاد المنتفق.

الناصرية

أكبر مراكز المنتفق على الفرات وهي مدينة جميلة خططها ناصر السعدون أحد أمراء المنتفق فنسبت إليه. وقد أقيمت على ضفة الفرات الشرقية واتخذتها الحكومة مركز متصرفية لها يوم استلمت أزمة البلاد وقرب هذه المدينة مصب للغراف طم أو كاد يعلم عليه إهماله وترك تطهيره. ويظهر الناصرية على نصف ساعة منها بحيرة (أبو قداحة) الهائلة التي تنتهي إليها فضول مياه دجلة والفرات. والبحيرة تتهدد البلاد بالفيضان ولم تمسح على التحقيق إلا إنها تبلغ بضعة أميال عرضاً وطولاً والظاهر إنها دعيت (أبو قداحة) لأنها تقدح الشرر ولعل ذلك لكثرة الأحياء الفصفورية فيها.

سوق الشيوخ

الشيوخ هم مشايخ المنتفق أي زعماؤهم وهناك كانت سوقهم يبتاعون منها ما يضطرون إليه. وسوق الشيوخ اليوم بلدة على متن الفرات تحوطها البساتين واكثر ما فيها النخل مثل الناصرية ولكن هواءها غير صحي وتكثر فيها على الأخص حمى الغب وهي مركز قضاء للحكومة على ساعتين من جنوب الناصرية ووراء سوق الشيوخ الحمار (وزان شداد) وهو هور من اهوار الفرات ومن بلاد المنتفق أيضاً ووراءه طوائف (الجزائر) فالقورنة وعندها يلتقي النهران دجلة والفرات.

وقد ذكر (الحمار) ياقوت وقال إنه موضع بالجزيرة وذكر في (قورين) إنها مدينة بالجزيرة أيضاً ولعلها (القورنة) وهي مدينة على رأينا لا على رأيكم، أما الجزيرة فتوشك إن تكون ما بين النهرين. نقول كل ذلك تقريباً لا تحقيقاً. واقرب من ذلك إن الأصل في القورنة (قرنة) على زنة هجنة. إلا إنهم اشبعوا الضمة فكانت واوا. والقرنة لغة الشاخص من أطراف الشيء أي البارز. وغير خفي على المقبل من شط العرب عل الجزيرة إن أول ما يشخص لعينيه مما بين النهرين هو هذه البلدة لأنها حيث ملتقى النهران. وقد يقال إنها دعيت (قرنة) لأنها حيث يقترن الشيطان غير إن الكلمة ليست اسم (مكان) هذه أهم مراكزهم على الفرات.

م. لغة العرب في 1ــ 10 ــ1911