قلعة الموصل وسراياها في العهد العثماني

قلعة الموصل وسراياها في العهد العثماني

د. عروبة جميل محمود

القلعة

تعرف القلعة بقلعة باشطابية الواقعة على مقربة من نهر دجلة في الجانب الايمن منها، وتسمية باشطابية ترجع إلى اللغة التركية، فهي مؤلفة من كلمتين الاولى (باش) وتعني الرئيس، و(طابية) تعني البرج وما زالت تعرف بها.

ان المعلومات المتعلقة بقلعة باشطابية مستمدة من تاريخ تأسيسها في فترة حكم عماد الدين زنكي (521-541هـ/1127-1146م)، اذ اتخذها مركزا عسكريا لجيوشه التي حاربت الصليبيين، وكانت مخزنا للمواد والاسلحة حينذاك وبعد السيطرة العثمانية على الموصل عام 1516م شرع العثمانيون باعادة ترميمها لاتخاذها برجا للاسلحة والمؤن، واحدثوا في القلعة فتحات كبيرة تتسع الواحدة منها لمدفع، واخرى صغيرة على شكل مزاغل يرمى منها اطلاقات البنادق، وهكذا عمل الولاة العثمانيون على توسيع اقسام القلعة وانشأوا لها سورا متصلا بسور البلد، وبنوا فيها غرف للجيش. وفضلا عن ذلك يوجد قلعة داخلية تعرف باسم (ايج قلعة) بناها الوالي بكر باشا بن اسماعيل باشا بن يونس الموصلي سنة (1030هـ/1620م)، اذ كانت مركزا الولاية والجيش.

يقوم تصميم القلعة على بناء عمراني مجوف بشكل ساحة داخلية محدودة، فضلا عن انشاء عدد من الغرف تؤدي ممراتها إلى دهليز اتخذه العثمانيون ممرا سريا ومنفذا داخل القلعة إلى خارجها، فيما تتركز الجدران على عدد من الركائز الجدارية مثلثة الشكل لامكانية فتح المزاغل التي تعد نوافذ مهمة في القلعة ويشيد برج اصغر حجما فوق البرج الاساس للقلعة، وما بين البرجين هناك ممر عرضه (170سم) وسمكه (190سم) في القاعدة ويقل السمك كلما ارتفع البناء إلى الاعلى، ويوجد في جدران البرج اربعة فتحات كبيرة نسبيا بقياس فوهة مدفع واحد فضلا عن وجود المزاغل بين تلك الفتحات، التي تشكل نوافذ لرصد تحركات العدو في حالة استهدافه المدينة. وفضلا عن ذلك، يوجد في اعلى جدار البرج

(18 شرفة)، لتمثل مقطعاً نصف دائري وشكلاً هرمياً في تصميمه. ويلاحظ في هذا التصميم العمراني للقلعة الاخذ بنظر الاعتبار الجوانب العسكرية التي تعد الهدف الاساس من بناء القلعة فضلا عن مرونة الحركة في داخل القلعة مما يضفي اجواء مناسبة للنشاط العسكري فيها.

ومن الجدير بالذكر ان الرحالة ابن جبير زار مدينة الموصل في سنة (579هـ/1183م) واصفا قلعتها بقوله "وفي اعلى البلد قلعة عظيمة قد رص بناؤها رصا، ينتظمها سور عتيق البنية مشيد البروج، وتتصل بها دور السلطان وقد فصل بينها وبين البلد شارع متسع يمتد من اعلى البلد إلى اسفله، ودجلة شرقي البلد وهي متصلة بالسور" والقصد من ايراد هذا النص المتعلق بالقلعة يكمن في طبيعة بنائها القوي منذ ذلك الحين. ومما يؤكد ذلك فشل حملة نادر شاه في السيطرة على مدينة الموصل سنة (1156هـ/1743م) في عهد الوالي حسين باشا الجليلي مما يدل على اهتمام اهالي الموصل وولاتها بتجديدها وترميمها بوصفها اهم معالم المدينة الحربية.

حافظت القلعة على مكانتها واهميتها، اذ قام الوالي احمد باشا الجليلي بترميمها في سنة (1237هـ/1821م)، ومن تلك الترميمات اعادة ترميم الاسوار والنقوش والمدونات فوق باب القلعة (لا اله الا الله … فضلا عن وجود آيات قرآنية مجيدة منها قوله تعالى: (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ).

لقد وصف الضابط الانكليزي جونس مدينة الموصل حينما زارها في سنة (1269هـ/1852م) قائلا: "ان الدار الخاصة بالباشا، وثكنات المدفعية تقع على حافة نهر دجلة جنوب شرقي الاسوار ومستودع الذخيرة (الطوبخانة) تتوسط بينهما باب الطوب".

وابان ادارة الوالي العثماني محمد اينجه بيرقدار (1251-1260هـ/1835-1844م)، عمد إلى مغادرة القلعة بوصفها المركز الاداري والعسكري، اذ عمل على استحداث ثكنات للجند خارج سور الموصل، ومنها الطوبخانة وتقع بالقرب من الجامع المجاهدي (نسبة إلى مجاهد الدين بن قيماز) المعروف لدى اهالي الموصل بـ (جامع الخضر)، اذ اتخذه موقعا للدفاع، كما انشأ دارا للضيافة، فضلا عن انشائه المستشفى العسكري لتقديم الخدمات للقوات العثمانية الموجودة في القصبة وفي اثر ذلك هجرت قلعة الموصل لتداعيات الزمن، احد اهم معالم الموصل الحضارية.

القشلة والسراي

القشلة هي بناء لاهداف عسكرية ومدنية، قام بتشييد قشلة الموصل الوالي محمد إينجه بيرقدار وذلك في سنة (1259هـ/1843م) ولغرض انجاح مشروع بناء القشلة طلب الوالي محمد اينجه البيرقدار من وجهاء الموصل وتجارها المساهمة في تأمين الامكانيات المادية لغرض انجازها.

وتجدر الاشارة إلى ان البيرقدار استعان بخبرة الضابط الالماني مولتكه اثناء مروره بمدينة الموصل طالبا منه وضع تصميم معماري لادارة أعمال الولاية. وتقديرا لجهود مولتكه، فقد اهداه البيرقدار ساعة ثمينة.

وتم البناء على اساس نوعين من القشلات، القشلة المدنية والقشلة العسكرية، احتوت القشلة المدنية على دوائر الولاية ذات الصلة بامور المجتمع المدني. اما القشلة العسكرية، فكانت على شكل ثكنات للجيش، صممت وفق الاصناف العسكرية العثمانية، فهناك قسم لقوات الخيالة (السباهية) واخرى لقسم المشاة (البيادة). مع وجود مكان يعد مركزا للارزاق والمؤن وتهيئة الطعام، اما القسم الآخر فكان بمثابة مستشفى (خسته خانه) للوحدات العسكرية. اما الطابق الثاني فقد خصص مكانا لمبيت الوالي، فضلا عن بناء جامع تقام فيه الصلوات التي كان يحضرها عموما، منتسبوا القشلة من العسكريين، فضلا عن الموظفين المدنيين، وتجدر الاشارة إلى ان الانتهاء من بناء القشلة كان في عام (1258هـ/1842م).

ولا بد من الاشارة إلى ان موقع القشلة بجانبها العسكري والمدني كانت تقع في المنطقة المطلة على نهر دجلة وتشغلها حاليا بلدية الموصل والمستشفى العسكري. وفي الجهة المقابلة للقشلة يقع المتحف الحضاري بالقرب من حديقة الشهداء.

اما السراي، فيعود في جذوره التاريخية إلى حقبة الحمدانيين والعقيليين والاتابكة، والذي كان يمثل في بدايته دورا رسمية للحكام والقوات العسكرية.

اما تسميتها بالسراي فكانت منذ العهد العثماني حين اطلق العثمانيون تسمية (السراي) على تلك الدور، وقد اتخذها الولاة العثمانيون مقرا لادارة شؤون ولاية الموصل، فضلا عن اهميتها العسكرية، وفي هذا الصدد وصف الرحالة الإنكليزي بكنغهام (السراي) بقوله "والقوة العسكرية الموكل اليها امر الدفاع عن المدينة وما جاورها لا تتجاوز ألف رجل، ومعظم هؤلاء من الخيالة، ويعمل نصف هذا العدد منهم في قصر الباشا أو منزله الذي شيده وهو واسع الأرجاء، وضم دواوينه ودوائره حتى بدا وكأنه إحدى القرى الصغيرة".

يتكون التصميم العمراني للسراي من عشرين غرفة مستطيلة الشكل، مما يدل على سعة المكان، وبما يتناسب مع المهام التي اعتمدها الوالي في ادارة شؤون المدينة.

عن رسالة (الحياة الاجتماعية في الموصل 1918ــ 1834)