لماذا فصل متصرف الموصل عن وظيفته عام 1927؟

لماذا فصل متصرف الموصل عن وظيفته عام 1927؟

سيف الدين الدوري

كان من الطبيعي أن يستعين الملك فيصل في تسيير المملكة العراقية بأولئك الذين عملوا معه أبان الثورة العربية أمثال ياسين الهاشمي ونوري السعيد ومولود مخلص وناجي شوكت وغيرهم.

وقد انقسم الساسة العراقيون الى ثلاثة أقسام حسبما يرى الدكتوران محمد أنيس ومحمد حسين الزبيدي القسم الأول ربط نفسه بالاستعمار البريطاني بشكل لا انفصام فيه من أبرزهم نوري السعيد والقسم الثاني كان اكثر تحررا في الارتباط ببريطانيا وأبرزهم كان ياسين الهاشمي والقسم الثالث ليس له موقف سياسي محدد وعناصر هذا القسم تعمل على خدمة العرش العراقي أو خدمة الشعب العراقي دون تحديد سياسي واضح تجاهل الأحداث وابرز هؤلاء ناجي شوكت فهم يخدمون بأخلاص دولة العراق الحديث فناجي شوكت يشذ عن هذه المجموعة بحماسه من ناحية ومحاولته ملاحقة الأحداث من ناحية أخرى اذ كان يريد وضعا مستقرا مهما كانت هوية هذا الوضع.

شغل منصب معاون متصرف(محافظ) لواء(محافظة) بغداد في 31 كانون الثاني 1921 ثم وكيلا له في ثم متصرفا للواء الكوت بالوكالة في 18 أيلول 1922 بعدها متصرفا للواء الحلة في 13 مايس 1923 ثم نقل بنفس وظيفته الى بغداد وحينما كان متصرفا للواء بغداد أمر بتوقيف توفيق المفتي مدير المزرعة الملكية الذي كان قد فتح ثغرة في نهر دجلة أثناء الفيضان ليقوم بسقي المزرعة في منطقة التي تعرف بـ(الكسرة) بجانب الرصافة قرب البلاط الملكي فتسبب في غرق المنطقة بما فيها البلاط الملكي ولم يسمح ناجي شوكت باطلاق سراحه على الرغم من الكفالة التي تقدمت بها الخزينة الملكية

عين ناجي شوكت متصرفا في الموصل حتى فصل من عمله في 18 حزيران 1927 حيث أقصاه وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني بأمر من رئيس الوزراء جعفر العسكري عن وظيفته في الموصل بسبب سماحه لمدير المعارف باستخدام منزل فيصل الأول في الموصل مكانا للطلبة لأداء الامتحانات المدرسية بسبب تعذر أداء الامتحانات الثانوية في مدرستي الثانوية والخضرية في بنايتها المشتركة في وقت واحد من دون أن يعرض الأمر على وزارة الداخلية أو رئيس الوزراء أو الملك فيصل نفسه وحينما وصل الأمر الى رئيس الوزراء جعفر العسكري بعث بكتاب الى وزير الداخلية جاء فيه انه بلغني أن متصرف الموصل تصدى لعمل خطير خارج عن سلطته حين أجاز لمدير المعارف بأشغال القصر الخاص بسكنى صاحب الجلالة في الموصل بدون مراجعة أولي الشان وأستحصال موافقتهم. ولما كان هذا العمل مخالفا للأصول ودليلا على تجاوز المتصرف حدود وظيفته وعلى جرأته المتناهية في عدم الاكتراث بالأمور أرى من الضروري سحب يده من الوظيفة واتخاذ الأجراءات اللازمة بحقه في بغداد. وقد بذل المعتمد البريطاني في بغداد وساطة لدى الملك فيصل لاعادة ناجي شوكت الا وظيفته بعد أن وجد امتعاض الكثير من العراقيين من اقصائه المجحف فبعث برسالة الى الملك فيصل يقول فيها ان لم تكونوا جلالتكم مستعدين لان تدبروا من تلقاء نفسكم أمر أعادة ناجي بك في القريب العاجل الى وظيفته كمتصرف الموصل ساجد نفسي مضطرا على اشد الكره الى أن أتدخل والتمس من جلالتكم رسميا أن تأمروا بأعادته الا أنني متأكد من أن جلالتكم ستساعدني على اجتذاب القيام بمثل هذا العمل

وقد رد الملك فيصل على رسالة المندوب السامي قائلا أنني شديد الأسف لان أرى نفسي مضطرا الى اجابة فخامتكم بعد قبول تهمة اقصاء المتصرف المذكور بأمر كيفي ويؤسفني أن أكون وأياكم على اتفاق تام في هذه القضية وتعلمون فخامتكم ان وزير الداخلية لم يقم بالأمر من تلقاء نفسه بل كان ذلك بناءا على مذكرة رئيس الوزراء الذي علم باستيائي من تصرف المتصرف... ان احساس الاهالي بوجود سلطتين في البلاد مما يضر بحسن الادارة فعندما بلغني أن التساهل وعدم المبالاة وصل به الى أن يسمح بأشغال قصري دون موافقتي لم أر مجالا للاسترسال في التسامح فطلبت عزله ليتعرف صلاحيته وليكون عبرة لغيره ولقد كان في الامكان السماح عنه على اثر تلك الحادثة لو تقدم بالمعذرة ولكنه بدلا من ذلك أرسل كتابه المعلوم الى وزير الداخلية وه كتاب اقل ما يقال فيه انه مخالف لروح الانقياد والنظام العام الواجب مراعاته بين الموظفين.

وكان ناجي شوكت قد بعث برسالة الى وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني يبرر فيها صحة موقفه من اشغال قصر فيصل اني لم اكن قد تجاوزت حدود وظيفتي بصورة ما ولا يمكن أن يكون عملي جرأة وعدم اكتراث في أمر عظيم واعتبر ذنبا لا يقبل التساهل. أن القصر المستأجر على حساب الميزانية الخاصة في الموصل لا يعد خاصا بسكنى صاحب الجلالة بل هو خال ليس فيه سوى بعض أثاث بالية تعود للحكومة ولم يكن يوما ما منيعا لهذه الدرجة اذ كان قد اشغل من قبل المتصرف السابق كدار للسكنى واشغل من قبل لجان الحدود المختلفة ويستنتج من هذا أن صاحب الجلالة لا يمانع في اشغال القصر من قبل ضيوفه عندما لا يحتاج اليه جلالته فكم بالاحرى اذا استضيف في هذا القصر لبضعة أيام تلاميذ المدارس وهم عماد المستقبل وعصارة حياة الأمة العراقية. وما كان ليدور بخلدي البتة أن عملي هذا سيعد تجاوزا لحدود الوظيفة وجراءة في عدم الاكتراث في أمور لا اعرف كيف أفسر وأعلل تعظيمكم اياها رغم ما فيها من بساطة. وأني كنت واثقا ولا أزال راغبا في أن أكون مقتنعا بان صاحب الجلالة الذي لا يزال يساعد المدارس والمعارف بأنواع التبرعات وشتى الانعامات شان الملوك لو علم بالأمر بتقديم القصر المشار اليه الى التلاميذ ليس لاجراء امتحانهم فيه.وجاء في رسالة ناجي شوكت. بصفتي عربيا خدمت القضية العربية أيام الثورة العظمى وبصفتي عراقيا خدمت بلادي حسب طاقتي واجتهادي أتقدم وأطالب الحكومة بشدة بالا تجعل موظفيها وهم الأيدي العاملة العوبة فالدهر قلب يا معالي الوزير فاتقوا الله يا من تتولون شؤون هذه الأمة ولا تحيدوا عما يوحيه اليكم وجدانك وأني لن أتنازل عن حقي وطلب اعادة شرفي ما زالت في البلاد أمة لها روح وما زالت أمامنا سلطات عليا لا تمشي وراء الأهواء وما زلت أنا شاب من أبناء هذه البلاد يشعر أن من واجبه أن يخدم بلاده ويحول دون وقوع المظالم والتعديات فيها.

عن موقع (كاردينيا).