يحيى حقّي.. البساطة الممزوجة بالعمق

يحيى حقّي.. البساطة الممزوجة بالعمق

اعداد/ منارات
هو صاحب «كناسة الدكان»، و«أم العواجز»، و«البوسطجي»، و«قنديل أمّ هاشم»، و«أنشودة للبساطة»، وغيرها من الأعمال الأدبية والنقدية، إنه الكاتب والأديب الراحل يحيى حقّي الذي نكرس هذا العدد من ملحق منارات له.

ولد يحيى حقّي في 17 كانون الثاني 1905، لأسرة ذات أصول تركية، تعيش في حيّ السيدة زينب بالقاهرة، ونشأ في أسرة تُحب الثقافة والأدب، بل منهم من عمل في هذا المجال، درس الحقوق، وعمل بالمحاماة مدة 8 أشهر فقط، لم يشعر خلالها بالاستقرار.
فقرر هجر هذه المهنة، وقرأ إعلاناً عن مسابقة وزارة الخارجية لاختيار أمناء المحفوظات في القنصليات والمفوضيات، فنجح فيها وعُيّن أميناً لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة، كما عُيّن مُديراً لمصلحة الفنون بعد عودته إلى مصر، وترأس تحرير مجلة"المجلة".
تزوج السيدة نبيلة، وأنجب منها ابنته الوحيدة «نهى»، وهي كاتبة وروائية، إذ توفيت زوجته بعد وقتٍ قصير من مولد طفلتها؛ ليتزوج بعدها بفترة طويلة سيدة إنكليزية، وظلا معاً حتى وافته المنية.
كان «حقّي"عاشقاً للغة العربية، وكان يرى أن الأديب لا بد أن يتسم بـالدراية بالأدب القديم نثراً وشعراً، ومعرفة تاريخ بلده، والتعبير عن مجتمعه، وأن يكون قدوة لغيره، وأن يلتصق بمجتمعه جيداً، تميّزت أعماله الروائية والقصصية بالبساطة والتلقائية والواقعية، له العديد من الأعمال الأدبية.
لكن أشهرها على الإطلاق حتى لمن لا يعرفون القراءة رائعته «قنديل أمّ هاشم» التي تجسّد الصراع بين التخلف والجهل، وقد تحولت هذه الرواية إلى عملٍ سينمائي، كما تحولت رواية «البوسطجي"هي الأخرى إلى عمل سينمائي حمل الاسم نفسه أيضاً.
وقد استطاع من خلالها أن يصنع بصمة مميزة خاصة به، في وقت كانت الرواية والقصة في بدايتهما، مُضيفةً أنه رغم عشقها لأسلوبه وطريقته وطريقة تفكيره وطرحه للموضوعات التي تمثل تصوراً ثورياً على المجتمع، فإنها ترى أنه ظل مُقيداً في كتاباته، مُسترشدةً برواية"قنديل أم هاشم". إذ يشعر القارئ بإيجابية البطل في بداية الرواية، واتجاهه نحو التطوير، لكن نجده مع نهاية الرواية يحجم عن هذا التطوير.
ويبدأ في عمل نوع من التوازن، نستشعر معه غياب الثورة التي تهدف إلى التغيير الفعلي، لافتةً إلى أن هذه النزعة كان يُعانيها الكثير من الأدباء، حيث الانسحاق في وطأة المجتمع وموروثاته، مُرجعةً السبب في ذلك إلى كون المجتمع المصري مُجتمعاً قديماً جداً، فعندما يأتي أيّ فرد لتغيير موروثاته؛ سيواجه صعوبة كبيرة.
هو صاحب «فجر القصة المصرية»، و«خليها على الله»، و«صح النوم»، و«ياليل ياعين»، و«كناسة الدكان»، و«تراب الميري».. هو صاحب العرق التركي الذي صار مصرياً خالصاً وهو أيضاً صاحب «قنديل أمّ هاشم»، حيث الصراع بين الحضارة والخرافة وهو صاحب «دماء وطين» التي قالت إن «الأعراف فوق المشاعر والمعتقد».. وهو صاحب «عطر الأحباب"الذي يمثل محطة مهمة في فن البورتريه القلمي..
وهو القائل :«إذا أردت أن تَسعد فعليك أن تُسعِد غيرك أولاً».. و«عجبتُ للإنسان يوصي غيره بالقناعة.. ولا يقنعُ هو!».. و«عاهات النفوس شيء بشع لأنها المخلوق الوحيد الذي لا يعيش إلاّ مختنقاً فإذا أتحت له التنفس مات».. و«المرأة يلذ لها ويسعدها بدافع من عاطفة الأمومة أن تبكت زوجها بين الحين والآخر وأن توقفه- وإن كان بطلاً!!! – بين يديها موقف الطفل المذنب الذي يؤنب ويوبّخ حتى إذا غضب امتدت له الأيدي المشفقة والأذرع المُحبّة وقال له القلب أنت قطعة مني فكيف أجفوك؟».. و«اختلاف السعادة التي توهب للبشر في النوع لا في المقدار».. و"شتان بين أن تنام متحسراً وبين أن تنام في عَرقِ الخجّل".
رحل الأديب يحيى حقّي عن عالمنا في 9 كانون الاول 1992، تاركاً خلفه إرثاً ثقافياً كبيراً، تنوع بين الرواية والقصة والنقد الأدبي والفني، وكتب ضمّت مقالاته الصحفية.
وقد نال حقّي أكثر من جائزة، من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب، كما نال العديد من الجوائز في فرنسا وأوروبا وفي البلدان العربية، وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة.