رحلة بحث عن البراءة المفقودة

رحلة بحث عن البراءة المفقودة

عبد الباقي يوسف
ان وليم فوكنر هو صيحة في وجه الشر الذي يكاد يكون عاماً في جانبي الانسان الخفي و المعلن و لذلك هو يركز على نقاط الشر في هذين الجانبين و يبديها في اشكال مختلفة في محاولة منه للبحث عن عفة الانسان المفقودة و هو ينطلق من واقع هو الاقرب اليه من اي واقع آخر. هو واقع الجنوب الامريكي و بيئته و بشكل خاص اقليم يوكنا تاوما و عاصمته جيفرسون،

و هو اكثر الاقاليم الامريكية تناقضاً من حيث العلاقات المتبادلة بين السكان، فيمكن ان نرى اشكال النظام العبودي بصور مختلفة بين هؤلاء الذين يتكونون من الاقطاعيين البيض، و الهنود الحمر، و العبيد، و جنود الحرب الاهلية، و سيدات المجتمع المتقدمات في السن، و المبشرين و الفلاحين و طلاب الجامعات، بل يقترب فوكنر اكثر من هذا فيسلط الضوء على تاريخ عائلته الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ المكان، فقد كان جده الاكبر مالكاً لاحد خطوط السكك الحديد و كان رئيساً لاحدى مجموعات الحرب الاهلية و بالتالي تفرع الاولاد منه فشغلوا اماكن حساسة في بلدهم حيث ان جد فوكنر كان محامياً و مدير بنك، واستطاع فوكنر أن يجمع كل الوثائق المتعلقة بتاريخ عائلته من مصادر موثوقة و لكنه في النهاية رفض هذا التاريخ و تمرد عليه و قرر ان يكون الناقد اللاذع لهذه البيئة بصورة عامة في محاولة جادة منه للتمسك بالفضيلة و النزاهة البشرية، لقد انطلق في هذه النقطة نحو العالم .‏
عندما يذكر اسم فوكنر لابد ان يذكر اسم روايته الشهيرة، الصوت و الغضب و الواقع فإن هذه الرواية تكاد تلخص مشروعه الفكري الروائي و فما يرى ان الانسان الذي يمارس طبائع غير سوية على غيره فإنها تنعكس عليه بشكل من الاشكال، فيما يمارسه على غيره يتم ممارسته عليه، اننا نقف في عالم مدهش من الشخصيات الغرائبية في هذه الرواية و هي تدور حول اسرة كومبسون التي رأى البعض بأنها اسرة فوكنر نفسه فكوبنتن يبحث عن طريقة تسهل عليه عملية الانتحار .‏
اما شقيق كوبتن الذي يعمل حداداً فانه يسرق النقود التي ترسلها معه اخته كانديس الى ابنتها غير الشرعية فتأتي صديقته لتسرق بدورها المال منه و تهرب مع شخص اخر، في هذا الصراع تكون المسزز كومبسون غارقة في عالم الماضي الذي ولى و كلما تخفق العائلة و تنهار فانها تزداد تمسكاً بمجد الماضي و من كل هذه الشخصيات يقدم فوكنر شخصية واحدة ناضجة و حكيمة و عفيفة هي ويلزي المرأة الزنجية المتقدمة في السن و كان فوكنر يرمز بأن العفة قد بلغت الشيخوخة في بيئة الرواية .‏
لقد عاش فوكنر حياة ليست طويلة / 1897 - 1962 / و لكنه استطاع ان يحقق شهرة عالمية كبيرة تتوجت بنيله جائزة نوبل للآداب 1948 م .‏
و كان مزاجياً سريع الكتابة يمقت الالتزام فقد ترك الدراسة في المرحلة الثانوية و لم يستطع دخول الجيش بسبب وضعه الصحي و الجسدي فقد كان قصير القامة يكاد جسده الهزيل يسقط تحت ثقل افكاره التي كانت في رأسه او يظن الناظر اليه ذلك، كتب روايته الاولى : اجور الجنود عام 1926 م، اما روايته الشهيرة الصوت و الغضب فكانت عام / 1929 م و نور في آب عام / 1932 م و اللامهزوم عام / 1934 / و النحلات البرية / 1939 م / و متطفل في التراب / 1948 م / .‏
و قد كتب روايته ( بينما ارقد محتضرة )1930 م في ستة اسابيع صيفية خلال ساعات الثانية عشرة من منتصف الليل الى الرابعة صباحاً اما تركة فوكنر عند وفاته فبلغت / 19 / كتاباً بين الرواية و القصة القصيرة و يذكر ان الروائي الشهير البير كامو اعد له رواية للمسرح و تم تمثيلها في المسارح الفرنسية و الاوروبية .‏
يبقى لوليم اسلوبه المميز الذي يعبر عن شخصيته و عن قوة افكاره و عن مقدار الحرية التي يكتب بها، و هذا ما يجعل ابداع هذا الروائي علامة مميزة في مسيرة الرواية المعاصرة.