زيارة الملوك والخلفاء والأمراء لكربلاء

زيارة الملوك والخلفاء والأمراء لكربلاء

سلمان هادي الطعمة
مؤرخ كربلاء
لمدينة كربلاء منزلة خاصة في قلوب المسلمين وغير المسلمين ، فلا جرم وهي مدينة السبط الشهيد المضرجة بدمائه الزكية ، العبقة بأرواح شيعته القدسية ، الزاخرة بالمعالم الاسلامية ، وهي لهذا منتجع الملوك ، ومرتاد الخلفاء والأمراء ، يؤمونها زرافات ووحداناً ،

تيمناً بتربتها المقدسة وزلفى لله تعالى في زيارة أضرحة الأئمة الأطهار ، وكان لهم شرف الخدمة في تقدير موقف الحسين عليه السلام وصحبه للدفاع عن العقيدة والإباء والانسانية . إن أول من زار الحائر الشريف من السلاطين الديالمة هو عز الدولة البويهي وذلك في سنة 266 هـ ، ثم زار الحائر عضد الدولة البويهي في سنة 271 هـ وأقام فيه مدة . وقيل عند زيارته ما نصه : « كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري في شهر جمادى الاولى سنة 271 ، وورد مشهد الحائر مولانا الحسين صلوات الله عليه لبضع بقين من جمادى الاولى ، فزاره صلوات الله عليه وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم وجعل في الصندوق درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتين اسم ووهب العوام والمجاورين عشرة آلاف درهم وفرق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ومن الثياب خمسمائة قطعة وأعطى الناظر عليهم ألف درهم »,
وزار الحائر الشريف كل من الأخوين الملقبين بجالبي الحجارة الداعي الكبير حسن بن زيد العلوي ملك طبرستان وديلم فباشر هذا بتشييد الحضرة الحسينية واتخذ حولها مسجداً ولم يكن الزمن كفيلاً بإنجازه حيث توفى سنة 271 هـ وتولى بعده أخوه الملقب بالداعي الصغير محمد بن زيد العلوي الذي ملك طبرستان وديلم وخراسان فزار الحائر وأمر بتشييد قبة قبرالحسين وبنى حوله مسجداً وسور الحائر واستغرق إنجاز هذا البناء عشر سنوات حيث تم عام 283 هـ. ويذكر لنا المؤرخون أن الزعيم القرمطي أبا طاهر سلمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي وكان كثير التردد على كربلاء عند غزواته للكوفة سنة 313 هـ حيث توجه إلى الحائر الحسيني فزار قبر الحسين وطاف حوله مع أتباعه وأمن أهل الحائر ولم يمسهم بأي مكروه بالرغم من أن أبا طاهر كان كثير العبث بالحجيج .
وزار الحائر السلطان أبو طاهر جلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي سنة 431 هـ ترافقه حاشية كبيرة من أهله وأتباعه ومواليه من الأتراك وبضمنهم الوزير كمال الملك أبو المعالي عبد الرحيم ، وكان في أكثر الطريق يمشي على قدميه طلباً لمزيد الأجر والثواب ، ومكث في كربلاء مدة من الزمن أجزل خلالها العطايا والنعم على سكان الحائر ، ثم قصد زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف.
وزار الحائر من السلاجقة السلطان أبو الفتح جلال الدولة ملك شاه بن أبي شجاع محمد ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق حيث توجه قاصداً زيارة الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء سنة 479 هـ ومعه حاشية كبيرة كان من
ضمنهم الوزير خواجة نظام الملك ، وقد أجزل السلطان لدى زيارته أكثر من ثلاثمائة دينار على سكان الحائر وأمر بعمارة سوره ثم توجه إلى النجف ، حيث زار مشهد الإمام علي عليه السلام .
وفي سنة 513 هـ زار كربلاء الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد أبو الأعز الأسدي ، وكان شجاعاً أديباً شاعراً ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء 17 عاماً وقتل سنة 529 هـ بتحريض السلطان مسعود السلجوقي ولما قصد كربلاء دخل الحائر الحسيني باكيا حافيا متضرعا الى الله ان يمن عليه بالتوفيق وينصره على أعدائه ، ولما فرغ من مراسيم الزيارة أمر بكسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة قائلاً لا تقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة ولايخطب هنا لأحد . ثم قصد مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف وعمل ماعمل في كربلاء .
وفي سنة 696 هـ قدم العراق من بلاد الجبل السلطان محمود غازان خان ماراً بالحلة فالنجف فتوجه إلى كربلاء حيث قصد زيارة الحسين بن علي عليه السلام وفي هذه المرحلة أمر بتوزيع آلاف من الخبز في اليوم للأشخاص المقيمين بجوار قبر الحسين عليه السلام . وكذلك قصد السلطان غازان خان العراق سنة 698 هو قدم إلى زيارة كربلاء والنجف وفي رحلته هذه كان قد عبر الفرات في 10 جمادى الأولى متوجهاً إلى الحلة ومكث بها ستة أيام ، وهناك أمر الخواجة شمس الدين صواب الخادم السكورجي ان يحفر نهرا من اعالي الحلة ياخذ الماء من الفرات ويدفعه إلى مرقد الحسين عليه السلام ويروي سهل كربلاء اليابس القفر ، ووهب غلاة هذا النهر إلى العلويين والفقراء الذين يأتون إلى المرقد الحسيني وعددهم كان عديداً.
ويؤكد براون Broun المستشرق الإنكليزي بقوله : وفي سنة 701 هـ أو سنة 703 هـ توجه السلطان غازان إلى الحلة وانحدر منها إلى كربلاء لزيارة المشهد الحسيني وأهدى إلى المشهد هدايا سلطانية وزين الروضة بالتحف النفيسة وأمر للعلويين المقيمين فيها بأموال وفيرة. وقد ولد السلطان محمود فجر يوم الجمعة سنة 670 هـ وتوفي سنة 703 هـ . وفي دور الدولة الأيلخانية الجلائرية التي تأسست أمارتها في العراق على عهد الشيخ حسن الجلائري المتوفى سنة 757 هـ وأعقبه في الحكم نجله السلطان أويس قام بتشييد بناية الروضة الحسينية المقدسة . وقد زار الحائر نجله السلطان أحمد بهادر خان بن أويس الذي تم على يده بناء الروضة الحسينية الماثلة للعيان اليوم.
يروي لنا بعض المؤرخين : أما السلطان أحمد فإنه عندما أيقن بعدم مقدرته على صد هذا الفاتح العظيم اضطر إلى ترك بغداد والانسحاب منها بجيشه الذي كان نحو الفي مقاتل فخرج من بغداد بعساكره ليلاً وحمل ماقدر عليه من الأموال والذخائر ونزل في سهل كربلاء فاستولى تيمور على بغداد في السنة نفسها ( سنة 795 هـ ) وفتك بأهلها فتكاً ذريعاً ثم أرسل جيوشه في اثرالسلطان أحمد فدارت بين الفريقين معركة شديدة في سهل كربلاء انهزم في آخرها السلطان أحمد إلى مصر مستجيراً بسلطانها المللك الظاهر برقوق .
وأول من زار الحائر من الصفويين السلطان اسماعيل الصفوي وذلك بتاريخ 25 جمادى الثانية سنة 914 هـ . ويروي المسترلونكريك في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق ) بهذا الخصوص ماهذا نصه :« فأسرع الشاه في القضاء
على الحكومة الآق قويونليه التركمانية في العراق فخضعت بغداد لحكمه في أواخر سنة 1508م / 914 هـ علي يد القائد حسين بك لاله . وان دخول العراق في حوزة العرش الشيعي الجديد بالشاه مسرعاً لزيارة العتبات المقدسة إذ لم تكد تستقر جنوده في بغداد حتى قدم لزيارة الأضرحة المقدسة في كربلاء والنجف .
وفي سنة 941 هـ / 1534 م تم فتح العراق على يد السلطان سليمان القانوني الذي احتل بغداد في 18 جمادى الأولى سنة 941 هـ وزار مرقد الإمامين الهمامين الجوادين (ع) في ظاهر بغداد . ثم قصد زيارة المشهدين المعظمين أمير المؤمنين وأبي عبد الله الحسين عليهما السلام واستمد من أرواحهما .
وكانت زيارته لكربلاء في 28 جمادي الأولى من السنة المذكورة ، وأمر بشق نهر كبير من الفرات وأوصله إلى كربلاء وجعلها كالفردوس الأمر الذي زاد في محصولاتها وأثمار أشجارها وأنعم على الخدمة والسكان . كما وأنعم على ساكني دار السلام ...
كما زار الحائر الشاه عباس الكبير حفيد الشاه اسماعيل الصفوي وذلك في سنة (1032 هـ / 1623 م ) . ويؤيد ذلك صاحب كتاب ( عالم آراي عباسي ) كما في قوله : « بعدما قضى الشاه عباس زيارة الحسين عليه السلام توجه عن طريق الحلة إلى النجف للثم عتبة الحرم الحيدري .
وفي بداية سنة 1088 هـ توجه الوالي قبلان مصطفى باشا إلى زيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف وذلك في شهر شعبان و أنعم على الخدم ثم عاد إلى بغداد ، وعند عودته ورد أمر عزله.
ثم زار الحائر السلطان حسن باشا سنة 1117 هـ / 1705 م يروي لنا ابن السويدي في كتابة ( تاريخ بغداد ) عن وصف زيارة السلطان المذكور بقوله: وفي شوال من هذه السنة رفع اللواء بالمسير إلى كربلاء لزيارة سيد الشهداء وإمام الصلحاء قرة عين أهل السنة وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله رضي الله عنه وإلى زيارة الليث الجسور والشجاع الغيور قاطع الأنفاس من ضال كالخناس أبي الفضل العباس فدخل كربلاء وزار أصحاب الكساء واطلعت المباخر وظهرت المفاخر فأجزل على خدامها وأجمل في فقرائها ودعا بحصول المراد وزوال الأنكاد ودعا له بما يروم وأنجح في سعيه بالقدوم وبقي يوماَ واحداً لضيق القصبة بأحزابه وأعوانه وأصحابه ثم ارتحل قاصداً أرض الغري .
وممن زار كربلاء أيضاَ السلطان نادر شاه الأفشاري ، فانه توجه نحو العراق عن طريق خانقين إلى بغداد سنة 1156 هـ ومنها إلى الحلة ثم منها إلى النجف دخلها يوم الأحد في الحادي والعشرين من شوال وارتحل عنها يوم الجمعة ودخل كربلاء يوم السبت وأقام فيها خمسة أيام هو ووزراؤه وعساكر ه وأرباب دولته ومعه تديمة مرزا زكي.
وزار الحائر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري حفيد فتح علي شاه وذلك في سنة 1287 هـ فقيل عن لسانه في تاريخ زيارته ( تشرفنا بالزيارة ) ، وقد دون
ماأسعفته الذاكرة في رحلته المطبوعة بالفارسية بأسم ( سفرنامه ناصري ) . ويقال ان معتمد الملك هو الذي كتب وصنف هذه الرحلة عن لسان السلطان المذكور . جاء في ( المنتظم الناصري ) وصف زيارته للحائر قوله : في سنة 1287 هـ في شهر رمضان في الثالث عشر منه ورد السلطان ناصر الدين شاه زائراً النجف وخرج يوم العشرين منه عائداً إلى كربلاء وأنعم على المجاورين للروضة المطهرة وقدم لأعتاب تلك الحضرة المقدسة فض الماس مكتوباً عليه سورة الملك على يد متولي الحضرة الشريفة ( انتهى ) (1). ومن جملة الإصلاحات التي أنجزت في عهده توسيع صحن الحسين من جهة الغرب وتشييد الجامع الناصري العظيم فوق الراس اضافة الى التذهيب القبة السامية كما يستدل من كتيبة القسم الأسفل من القبة ، وقد نقشت بماء الذهب . ويؤيد ما ذهبنا اليه صاحب كتاب ( تحفة العالم ) بقوله : في سنة 1276 هـ جاء الشيخ عبد الحسين الطهراني إلى كربلاء بأمر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وجدد تذهيب القبة الحسينية وبناء الصحن الشريف وبناء الايوانات بالكاشي الملون وتوسعة الصحن من جانب فوق الرأس المطهر ، ولما فرغ من ذلك مرض في الكاظميين وتوفي سنة 1286هـ ونقل إلى كربلاء.
ويروى أنه لدى وصول السلطان ناصر الدين شاه لكربلاء ، كان في استقباله داخل الحضرة الحسينية المرحوم السيد محمد علي بن السيد عبد الوهاب آل طعمة ـ رئيس بلدية كربلاء آنذاك ـ فاحتفى به وأنشده هذين البيتين بالفارسية : قبهء سبط نبي در ارض ني برتوش برقبهـا افكنـده فـي
كفتـهء شهـزادهء اقليم ري جون بنات النعش بردور جدي
وعند ذاك منحه السلطان المذكور وساماً فضيـاً مزينـاً بشعار الحكومة الايرانية
وممن زار الحائر الحاج حسن باشا والي بغداد ، وكانت ولايته من عام 1308 هـ ـ 1314 هـ ، إذ جاء إلى كربلاء ثم تشرف بزيارة النجف وكان قد زارها مراراً عديدة.
كما زار الحائر أيضاً السيد محمد خان اللكناهوري أحد سلاطين الهند . وذلك في سنة 1310 هـ .
وزار الحائر في سنة 1326 هـ مير فيض محمد خان تالبر امير مقاطعة خير بور السند وهو شيخ كبير ومعه عدد من وزرائه وعساكره .
وفي 19 رمضان سنة 1338 هـ زار الحائر السلطان أحمد شاه بن السلطان محمد علي شاه القاجاري ملك إيران وزينت المدينة تزييناًُ رائعاً وخرج الاشراف والأعيان لاستقباله .
وزار كربلاء الملك فيصل الأول بن شريف حسين ملك العراق وذلك في شوال سنة 1339 هـ ـ 1921 م وذلك عند توليه عرش العراق لأول مرة ، واستقبل بحفاوة بالغة من قبل أعيان البلد ووجهائه ، وزينت الشوارع والطرق بالسجاجيد الثمينة .
وزار كربلاء سنة 1342 هـ رضا شاه بهلوي رئيس وزراء إيران وقائد الجيش الايراني ، فاستقبل استقبالاً رائعاً ، ولدى عودته إلى إيران تولى العرش .
وزار الحائر الشريف الأمير عبد الله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية وذلك في يوم الأربعاء 19 جمادى الأولى سنة 1348 هـ .
وزار الحائر أيضاً عباس حلمي ملك مصر السابق في رمضان سنة 1351هـ .
وزار الحائر ملك العراق غازي الأول وذلك في يوم الاثنين 24 ذي الحجة سنة 1352 هـ واستقبل بحفاوة وتكريم عظيمين .
وزار الحائر السيد علي رضا خان الرامبوري وذلك في يوم الأحد في الخامس والعشرين من رجب سنة 1353 هـ عائداً من النجف .
كما جاء الحائر أيضاً السيد طاهر سيف الدين زعيم الطائفة الإسماعيلية في الهند وأفريقيا وذلك في سنة 1358 هـ .
وزار الحائر أيضاً السلطان محمد ظاهر شاه ملك الأفغان في اليوم الخامس من جمادى الآخرة سنة 1369 هـ حيث توجه إلى النجف.
وزار الحائر ملك العراق فيصل الثاني مع خاله عبد الإله في اليوم السابع عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1369 هـ . كما زار الحائر زيارات متتالية أخرى .
وبعد إعلان ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958 م / 1378 هـ زار كربلاء عدد كبير من رؤساء وملوك الدول الإسلامية وما زالوا يزورون ، وذلك لقدسيتها ومكانتها العلمية.

من كتاب ( تراث كربلاء ) لمؤرخ كربلاء
سلمان هادي الطعمة