من اصدارات المدى :الحضور المرئي..  طروحات الممكن والمحرم

من اصدارات المدى :الحضور المرئي.. طروحات الممكن والمحرم

عرض خضير الزيدي
من اصدارات دار المدى
عرف عن الباحث عواد علي اهتمامه المبكر في النقد المسرحي وكانت لطروحاته التنظيرية منذ الثمانينات حتى وقتنا الراهن ومتابعاته الجادة في الفن المسرحي مكانتها المرموقة في البحث والتحليل والتطبيق وقد اكتسب مكانته بين النقاد لاهتمامه الجاد والمميز منذ أن شرع في البحث عن موضوعة السيمياء وعلم الدلالة وتطبيقاته التجريبية على الكثير من النصوص المقدمة في المهرجانات العربية والعالمية

وسبق للمؤلف ان اصدر العديد من الكتب التي تناولت في طياتها الشأن المسرحي تحليلا ونقدا مثل كتابه المألوف واللامألوف في المسرح العراقي وشفرات الجسد وغواية المتخيل المسرحي والمعرفة والعقاب وكتابه الصادر عن المركز الثقافي العربي في بيروت معرفة الآخر وكتابه اللاحق المعراج الأرضي وغيرها مما لم تنشر وهي تحت الطبع أو قيد الانجاز منذ ذلك الزمن حتى كتابة هذه الورقة تستحق كتابتها وقفة وقراءة جادة لمعرفة ماهيتها واستنباط أحكامها المعرفية وهذا ما يجعلنا نتابع عبر هذه القراءة كتابه الصادر مؤخرا عن دار المدى في سوريا الحضور المرئي للمسرح من التحريم إلى ما بعد الحداثة متناولا فيه العديد من المواضيع الشيقة والحساسة حيال راهن المسرح والنظر إليه عبر ذهنية التحريم وانفتاح العقل الحداثوي بدت محتويات الفصل الأول من هذا الكتاب من محنة التأسيس وثلاثية الرعب العربي (الغزاة /الطغاة / الغلاة) تطرق في هذا الفصل إلى ذلك الفهم السطحي للمسرح من قبل العقول المريضة والموقف العدائي للسلفية الدينية من المسرح استهلها أولا بتجربة ابي خليل القباني وما تعرض له القباني من مؤامرة رجعية دبرها السلفيون بسبب ميوله نحو التجديد والرؤية الفنية التي تستدعي خطاب الإبداع وينتقل المؤلف إلى موضوعة رفض التمثيل بوصفه مؤثرا غربيا وما صاحب هذه الرؤية من مردود سلبي اثر في الذوق الجمالي والعاطفي حيال الفن المسرحي لينقلنا إلى مبحثه الجديد في ذات الفصل والمعنون بالتمثيل في مواجهة التكفير وهذا الأخير لا يقل أهمية مما سبقه من مواجهة الظاهرة المسرحية الوليدة من موقف عدائي وتكفيري ويخبرنا عواد علي تاريخيا عن كل تلك الوقائع في المنطقة العربية في بداية القرن المنصرم ويعيد إلى أذهاننا تلك الكلمات الرنانة والمؤسفة كالتمثيل بدعة مضللة والتمثيل منكر فظيع والتمثيل كذب وتدليس وأخيرا التمثيل مفسدة مثيرة للشهوات كل هذه النعوت والأوصاف أطلقت على بدايات الفن المسرحي الذي يأخذ مكانته اليوم عبر بوابة البحث والتجديد في الرؤية والتوظيف لكبار العقول النيرة وشتان بين البدايات الأولى والأهداف النبيلة التي ترافق المسرح في وقتنا الراهن.. ولعل موضوعة المهمة التي أوردها في متن الكتاب والموسومة بمسرح الصورة بلاغة المشهد والطقس والجسد تكشف لنا عمق التجربة الحية والبحث الدقيق والمؤرخ من قبل عواد علي ليوقفنا عند تخوم مركزية الصورة وفهمها وتحريك ما خفي منها ويناقش ما طرح من أفكار بناءة مثل طروحات عبد الله الغذامي في كتابه (النقد الثقافي) والمفكر الفرنسي ريجيس دوبريه في كتابه (موت الصورة) وطروحات جاك دريدا وغيرهم تنبثق من هذا الموضوع رؤية المؤلف عن الحضور المتعالي للصورة فهي حسب توجهاته المعرفية مشروطة بنوايا منتجها ويغذي قارئه بتاريخ الطقس الإيمائي في الدراما الراقصة لـ(بهارتا تانايتا)في الهند والأوبرا الصينية وعروض الرقص الديني والشعبي في الشرق الأقصى ثم يعرج إلى تاريخ التقاليد عند الرومان في فن البانتوميم الذي يعتمد على الحركة والرقص ويؤدى بممثل واحد على الأغلب بعد كل هذه الأفكار والطروحات تكون انطلاقته نحو الفن العربي والعراقي.
بعد هذه المقدمات التي يتناولها الناقد عواد سيكون صلب مواضيعه القادمة في الكتاب عن مسرح الصورة وتنظيرته من قبل المخرج صلاح القصب وبداياته الأولى في عام 1979 منذ التطبيقات على نص شكسبير (هاملت) الذي قدمه في كلية الفنون يسرد لنا المؤلف ما دونه القصب من مخطوطات تنظيرية تخص منهجه في مسرح الصورة منذ عودته من رومانيا حتى يومنا هذا وبحثه المهم حينذاك (مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق) يعرج الباحث عواد إلى مقومات هذا المنهج إذ تقوم بنية خطاب مسرح الصورة على شبكة من التكوينات الجسدية والأشكال الحركية والإيماءات وما يصاحبها من إيقاعات صوتية ويحدثنا عن خصوصية هذا الخطاب التي تتمثل بإضفاء الجو الطقسي على العرض والتوكيد على أنماط السلوك وعدمية ترابط الأفعال وتقاطع حلقاتها باستخدام أسلوب الهدم والبناء إضافة إلى تحفيز طاقة المتلقي كل هذه الخصوصيات وغيرها ينبهنا إليها صاحب كتاب (الحضور المرئي) وهو يتناول فيه موضوعة صلاح القصب لم يكتف ناقدنا عند هذا الحد من الشرح بل يعمق كتاباته النقدية وهو يسرد ما قدمه القصب خلال تجربة ثلاثين عاما من الجهد المعرفي والجمالي ويؤكد لنا هنا في هذا السياق رؤيته النقدية حول المغامرة الفنية التي خلخلت الذائقة الجمالية والثوابت المعرفية وأعراف المتلقي...
ومن مواضيع الكتاب الأخرى نقرأ عن الاحتفالية في المسرح العربي ماذا تبقى منها؟ ويذكرنا المؤلف بما آلت إليه دعوات المسرحيين في المغرب العربي بوصفها مشروعا مسرحيا وجماليا منذ ظهور أول بيان للاحتفالية حتى لحظاتها الأخيرة ويقدم لنا نموذج عبد الكريم برشيد وموقفه الفكري والوجداني وما وسعه من تعريف وتقديم لهذا النموذج على أساس الاجتهاد المعرفي الذي يخرج (الأنا) المنغلقة إلى (النحن) ومحاولة تحرير المسرح العربي من القيود ثم يقدم الكاتب عواد علي على شرح دوافع ظهور الاحتفالية وأهداف الاحتفالية ويتطرق إلى الاحتفالية والحداثة ليوقف القارئ عند تخوم خطابها الحداثوي منبها إلى أنها إحدى الحركات الأدبية والفنية التي جسدت الحداثة ولعل موضوعة (قالب الحكيم المسرحي وإشكالية الأنا الآخر) لم تكتف بما طرحه توفيق الحكيم من مجموعات مسرحية عدت حينذاك بمثابة رصد فني مميز بل يعمق الناقد عواد علي في كتابه هذا ما تمثل في الوعي والتجديد وتحريك الساكن في الفن المسرحي لما قدمه الحكيم من نصوص... ومن الفصول التي نعيرها اهتماما في التذكير بموضوعة فضاء الأنوثة في المسرح الذي تحدث فيه صاحب كتاب (الحضور المرئي)عن مصطلحي (المسرح النسائي) والمسرح النسوي واستخدام اغلب النقاد لهذين المصطلحين من دون تمييز وكذلك نقرأ عن (شكسبير في المختبر التجريبي العربي) وما عولج منها في الإخراج والنص مثل (هاملت / ماكبث / الملك لير / روميو وجوليت /العاصفة /وحلم ليلة صيف)معرجا على أهم الأسماء ا لإخراجية التي أخذت على عاتقها الدخول إلى معترك النص الشكسبيري...هذا الكتاب الحافل بالجديد والممتع قدم في أكثر من مئتين وعشرين صفحة من القطع الوسط وهو من إصدارات دار المدى لا يزال يقرأ على أساس طروحاته والقيم التنظيرية التي دخلت محتواه من قبل عقلية عراقية قدمت المزيد من المعرفة على طبق من ذهب ليسرد لنا آراءه في الفن المسرحي