كيف نشأ نظام التقاعد في العراق... ؟

كيف نشأ نظام التقاعد في العراق... ؟

عدنان هرير الشجيري
انطلاقا من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية و الوطنية تصدت الحكومة العراقية المؤقتة الى معالجة المعانات الإنسانية التي عانى منها المسرحين من الخدمة في الادارات السابقة، فقررت أعتماد نصوص قوانين التقاعد العثمانية كقانون المعزولية الصادر في 4 شعبان 1327هـ/7 اب1909. وقانون التقاعد المدني الصادر في 8 شعبان 1327هـ/ 11 اب 1909 .

الاساس الذي تبنى عليه المعالجات لتوافقهما مع خطط وتوجهات الحكومة الرامية الى عثمنة النظام الاداري العراقي ، وعلى ضوئهما قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الأول من شباط 1921 صرف رواتب تقاعدية للمسرحين عن الخدمة ولمدة اثنى عشر شهرا بغية اعانتهم على تخطي ظروفهم الحياتية الصعبة.
وفي عهد وزارة عبد الرحمن النقيب الثانية ( 12 ايلول 1921 – 19 اب 1922) صدر أول قانون للتقاعد برقم 21 في 10 حزيران 1922 ، وبموجبه الغي قرار مجلس الوزراء الصادر في الاول من شباط 1921، والمتعلق بالمصادقة على اتخاذ تدابير مؤقتة لمنح رواتب المعزولية ، على أن يستمر سريانه على المشمولين به والى نهاية مدة الاثنى عشر شهرا المحددة، كذلك تقرر أعتماد نصوص قانوني التقاعد المدني والعسكري العثماني وقانون المعزولية المذكورين أنفا اعتباراً من الأول من تموز من العام نفسه، على أن تسري احكامهما على الموظفين السابقين المولودين في العراق حصراً. وقد جاء هذا الحصر بسبب الطلبات الكثيرة المقدمة من موظفين غير عراقيين لشمولهم بقرار مجلس الوزراء الصادر في الاول من شباط 1921. مما اضاف عبئاً جديداً على الميزانية المتعبة أصلا من جراء الركود الاقتصادي والديون الباهضة التي ترتبت على ذمة العراق، وقد بلغ عدد المستفيدين من القانون سنة 1922 من الموظفين السابقين حوالي الفي موظف (عسكري ومدني) وقد أضيف لهم أعداد أخرى (حوالي 31 موظفا) بموجب قانون التعديل رقم 51 لسنة 1929 الذي تقرر فيه شمول المولودين خارج العراق وأكتسبوا الجنسية العراقية بأحكام قانون التقاعد لسنة 1922 . وفي قانون التوقيفات الصادر في 15 حزيران 1922قررت الحكومة أستقطاع حصة تقاعدية مقدارها 6.25 % من رواتب الموظفين حتى يتسنى لهم الحصول على رواتب التقاعدية وسيحرم الموظفون من هذا الحق فيما لو لم يستقطع منهم هذا المبلغ.
وقد استثنيت من احكامه (85) شريحة وظيفية . لقد استمر العمل بقانون التقاعد رقم (21) حتى سنة 1930 ، أذ تم استبداله بقانون التقاعد المدني رقم (12) لسنة 1930.
وقد جاء هذا الاستبدال في أطار خطط الحكومة في تحديث القوانين والانظمة لتكون اكثر انسجاما مع المرحلة التاريخية التي مر بها العراق انذاك، علاوة على أن قوانين التقاعد العثمانية لم تفرق بين ما هو عسكري أو مدني ، رغم أن لكل شريحة خصائص ومميزات تختلف عن الاخرى، مما أوجب التفريق بينهما لاختلاف المبادئ التي تطبق على ماهية الوظائف التي تختص بكل منهما، كما اخذت الحكومة العثمانية في قانون المعزولية بميدأ العزل الاداري الاختياري والزمت نفسها بدفع رواتب لهؤلاء المعزولين، في حين رأت الحكومة العراقية – وبعد تأمل طويل- أن من غير المستحسن عزل الموظف بلا تقصير منه، وبالتالي لم يعد هنالك من مسوغ (مبرر) لدفع راتب المعزولية ولهذه الاسباب شرع القانون رقم 12 لسنة 1930.
وقد تضمن تعهدا بالمحافظة على الحقوق التي اكتسبها المتقاعدون بموجب القانون السابق رقم 21 لسنة 1922على شرط خصم 6.25% من رواتبهم، وتدقيق المعاملات التقاعدية للتأكد من صحة الرواتب .
تألف القانون المدني رقم 12 لسنة 1930 من 47 مادة موزعة على سبعة فصول
لقد عدل القانون بقانون ذيل قانون التقاعد المدني رقم 46 لسنة 1935 وبموجبه تقرر أن يكون لمجلس الوزراء بناء على توصية الوزير او رئيس الوزراء صلاحية أن يحيل على التقاعد الموظف الذي يتحقق انه غير قادر على اداء واجباته بسبب عدم كفاءته الشخصية، أو ضعف قابليته البدنية أو غير صالح للخدمة من الوجهة الاخلاقية ، اذا اكمل ذلك الموظف عشرين سنة خدمة تقاعدية او بلغ سن الخمسين من العمر،وله أن يفصل ذلك الموظف وأن لم يكمل مدة الخدمة أو يبلغ السن المذكورة.
وقد حددت فترة العمل بهذا القانون بستة أشهر. ويبدو أن أصدار الذيل جاء في أطار اللعبة السياسية التي أنتهجها رؤساء الوزارات الغرماء لتصفية مؤيدي بعضهم البعض داخل الجهاز الاداري الحكومي.
وعلى العموم أن قانون التقاعد المدني رقم 12 لسنة 1930 كانت تشوبه نواقص كثيرة، كما كان يفتقر الى السباكة القانونية والتنسيق مما اقتضى استبداله بقانون اخر وهو القانون رقم 43 لسنة 1940 الذي حل محله .