البصرة ..تشتري نفايات الدول المجاورة

البصرة ..تشتري نفايات الدول المجاورة

تحقيق: ضياء السراي
تصوير: ادهم يوسف
أفاقت المدينة لتجد اكبر شوارعها قد اجتاحته السلع القديمة، وكأن منطقة سفوان الحدودية التي اشتهرت بتجارة نفايات الخليج ودوله، انتقلت إلى وسط البصرة...

البضائع القديمة المستخدمة القادمة من الخليج العربي غطت جانبي الطريق الكبير المؤدي إلى قلب المدينة، وأصبح بمقدور أهالي البصرة اقتناء السلع العتيقة من وسط المدينة دون حاجة السفر لمسافة كبيرة حيث منطقة سفوان الحدودية.

تجارة المستخدم تغزو المدينة
"كل ما تبحث عنه تجده من أثاث، مستلزمات صحية، ملابس،حقائب،عدد يدوية وسلع معمرة،كل شيء بلا استثناء". ينادي احد الباعة وهو يروج لبضاعته التي تناثرت داخل محل غير نظامي محاط بشرك مغطى بقطع خيمة كبيرة ربطت بقوة، الناس تدخل تلك الأماكن وتفتش عما تريد على غير هدى، فطريقة البيع كما يصفها زياد احد الباعة تعتمد قدرة المتبضع على تشخيص وفحص السلعة وهي غير قابلة للرد أن تبين انها عاطلة أو غير صالحة للاستخدام.

كيف ولماذا؟
النفايات الخليجية بدأت تتجمع في الجانب الكويتي المقابل للجانب العراقي في ساحات سفوان الكويتية الكبيرة بينما يتهافت عليها التجار العراقيون الذين يجدون فيها مكسبا ماديا كبيرا، احد التجار العراقيين يؤكد أنها تجمع من دول الخليج مجانا من قبل الجهات المختصة بجمع النفايات وتدويرها وهي توصل للحدود العراقية الكويتية، مجانا لكنها تباع على التاجر العراقي الذي يصرفها في الأسواق المحلية.
احد المتبضعين يقول"الاسعار زهيدة جدا والبضائع ذات صناعة جيدة ومن مناشئ أصلية، لكنها مستخدمة،غير انها توفر لذوي الدخول المتدنية ملاذا من غلاء أسعار السلع الرديئة التي تملأ الاسواق المحلية".
بائع آخر يعرض لعب اطفال مستخدمة يقول"انه يشتريها بلا فحص كبالات كاملة يصل وزن بعضها الى (400 كغم) معبأة بشكل محكم تفتح بعد أن تدفع ثمنها والتعامل مع التاجر الكويتي يكون بحسب الوزن والنوع، عدا السلع المعمرة فان التعامل والبيع والشراء يتم بناء على القطعة، وكل قطعة لها ثمن محدد ولا يحق لك الفحص بل تشتري السلعة كما هي".

دور الحكومة المحلية
الحكومة في البصرة والأمن الاقتصادي اتفقا على إصدار قرار يمنع المتاجرة بهذه البضائع المستهلكة التي تدخل ضمن تصنيفات النفايات لكن الأصوات المتعالية في مجلس المحافظة رفضت القرار وتعذرت بان منعها سيرفع نسب البطالة في المحافظة لاسيما وان آلافا من الشباب البصريين يعملون بهذه التجارة منهم الباعة ومنهم الناقلين وعمال التحميل، وتخشى الجهات المسؤولة في مجلس المحافظة من إثارة حفيظة هذه الفئة التي قد تسبب للمحافظة مشكلة هم في غنى عنها.

من قتل الصناعات المحلية؟
رئيس اتحاد الصناعات في البصرة ماجد رشك عبد الريس يعلن"أن هذه التجارة قتلت ومع سبق الاصرار والترصد، الصناعات المحلية في البصرية كمهنة النجارة والحدادة وصناعة الجلود والملابس ومعامل الزجاجيات وما نحو ذلك. إذ مال المواطن نحو اقتناء اثاث منزلي أجنبي الصنع وان كان مستخدم، بأسعار رخيصة تقل أثمانها عن اثمان الاثاث المصنع محليا، والمستهلك الذي يبحث عن أبواب او شبابيك حديدية او خشبية يلجأ الى المستخدم لانه من مناشئ أجنبية، والامر يمكن تعميمه على باقي الصناعات المحلية التي لم تعد قادرة على المنافسة".
عبد الريس يقول"انه خاطب الحكومة منذ فترة وطالبهم باتخاذ موقف حازم من هذه الظاهرة التي قضت على الصناعات المحلية وحولت الاحياء الصناعية الى مناطق مهجورة، لكن الحلول الحكومية بطيئة ولا تأتي في الوقت المناسب وبناء على ذلك تأسست بنية اقتصادية سلبية ونشأت ثقافة استهلاكية اسوء، مفادها البحث عن المستخدم من السلع وان كانت نفايات بنظر الدول الأخرى، في وقت هجرت فيه المنتج المحلي".
اتحاد الصناعات يعد المتضرر الأول من هذه الظاهرة لكنه لا يملك حلولا دون إسناد الحكومة وتدخل وزارة التجارة والكمارك وهذه الجهات بمقدورها فرض قوانين وسياسات من شأنها ان تقلل من هذا المد تدريجيا حتى تنتهي وتزول، وإلا فان البصرة ستبقى منطقة طمر مربحة لنفايات الدول المجاورة.

دائرة كمارك سفوان
منذ خمس سنوات وحتى الآن لم تتوقف عجلة توريد البضائع المستهلكة إلى البصرة ومنها إلى باقي مناطق العراق،"وترصد دائرة كمارك سفوان الحدودية دخول أكثر من 3000 طن من هذه المواد شهريا"، بحسب المقدم عزيز مجيد احد ضباط المعبر الحدودي مؤكدا"ان المعبر لم يتوقف يوما واحدا منذ خمس سنوات عن عمله وهو يتعجب لأنه قضى هذه الفترة كلها يراقب دخول هذه البضائع والسلع بهذا الكم الهائل، وقد سأل بعض التجار الكويتيين فأجابوه ان المواطن الخليجي دائم التغيير لكل مقتنياته التي يمنحها لجمعيات إنسانية ولجامعي النفايات الذين يجلبونها الى سفوان. ويتمنى عزيز ان تمنحه الحكومة فرصة يمنع بها هذه التجارة لأنها تلحق ضررا كبيرا بسمعة العراق وباقتصاده".

آراء مختلفة
غرفة تجارة البصرة هي الأخرى تعاني من هذه المشكلة التي تسبب قلقاً للتاجر البصري الذي يبحث عن السلع الجديدة والرخيصة لينافس هذه التجارة، وقد سبق وأن قدمت احتجاجات إلى مكتب محافظ البصرة وقدمت احتجاجات أخرى إلى مجلس المحافظة، لكن الاحتجاجات والاعتراضات لا تجدي نفعا.
الأمن الاقتصادي لديه ضوابط لكنها معطلة في الوقت الحالي، لأنها لم تعدل وهي قوانين علقت كونها تعود إلى حقبة السبعينيات ولا تشتمل على فقرات تنص على معاقبة أو منع المتاجرين بالبضائع المستخدمة، الملازم وهاب نوري من الأمن الاقتصادي في البصرة يحتج هو الآخر على هذه التجارة التي غزت مدينته وينتظر أن يأمر محافظ البصرة بالمباشرة بتطبيق قانون منع تجارة البضائع المستهلكة من سفوان عن طريق الكويت الذي اقره مجلس المحافظة، لكي تنفذ الدائرة مهامها في هذا الخصوص.
هل هنالك آثار أخرى تتركها هذه التجارة، دائرة بيئة البصرة تقول نعم، الموظف صباح نعمة يشير إلى الخارطة الوبائية التي صممت من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حماية البيئة العالمية التي تضع السلع المستخدمة والتي تباع مرة اخرى كوسيطة أساسية من وسائط تلويث البيئة ونقل الأوبئة من مكان إلى آخر، والدائرة سبق وأن خاطبت دائرة صحة البصرة والدوائر الحكومية الأخرى صاحبة العلاقة بخطورة هذا الأمر، لكن الجهات التي تملك قرارات المنع لها رأي آخر.