وصفي طاهر في لقاء مع كريمته

وصفي طاهر في لقاء مع كريمته

لقاء اجراه / حسين الجاف
التقيت السيدة هند وصفي طاهر كريمة الزعيم الشهيد وصفي طاهر المرافق العسكري الاقدم للزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية والذي صاحبه من اول يوم في تاريخ تلك الثورة الخالدة في 14 تموز 1958 والى يوم 9 شباط الاسود بعد الانقلاب الاسود الذي طفر فيه العفالقة الى الحكم بقطار امريكي وبدعم من وزير خارجية امريكا جون فوستر دلس واخوة الن دلس رئيس الـ (سي اي اي ) سيء الصيت اللذين ظلا يحيكان المؤامرات على النظام الجمهوري منذ الساعات الاولى لتلك الثورة الجبارة.

بعد الترحيب بمقدمها.. سألتها:
* من هو وصفي طاهر؟
- اجابت والدموع تنحدر من عينيها انه انسان عراقي مخلص لوطنه من مواليد بغداد محلة باب الطوب المقابلة لوزارة الدفاع في يوم 10 تموز عام 1918.
فاكتسب الفكر اليساري لكن بدون انتماء حزبي.. وكان من اقرب اصدقائه المرحوم حسين احمد الرضي المعروف بـ (سلام عادل).. انتمى والدي الى تنظيمات الضباط الاحرار الاولى برئاسة المرحوم العقيد رفعت الحاج سري وكان الطابع الفكري لمجموعة المرحوم رفعت هو الفكر العروبي – الاسلامي بيد ان والدي احتفظ بميوله اليسارية المستقلة ضمن ذلك التنظيم.. وفي عام 1956 انتمى والدي الى اللجنة العليا للضباط الاحرار.. والتي كان يوجد قبلها تنظيم عسكري اخر مكون من الضباط والجنود من ذوي الميول الشيوعية والتي كانت تصدر جريدة سرية اسمها (الوطن) حاولوا من خلالها استقطاب اكبر عدد من الضباط والجنود من اصحاب الروح الوطنية التقدمية.. وعندما اراد هذا التنظيم التقدمي الانضمام الى جماعة اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار الذي تشكل عام 1956 لكن هذا التنظيم الكبير لم يقبل التنظيم الاخر الصغير بين صفوفه باستثناء المرحوم وصفي طاهر الذي امل بالتحاقه به ان يعمل كحلقة وصل بين التنظيمين. وقد روت لي المرحومة والدتي بان العديد من اجتماعات الضباط الاحرار عقدت في دارنا.. وكان والدي يلمح لها بعقد الاجتماع دون ذكر التفاصيل ومن باب التعوية كانت والدتي وبتوجيه من ابي تدعو عوائل مختلفة من اقاربنا الى منزلنا للتمويه لكي يظهر للمراقب وكان في الدار احتفالية عيد ميلاد وما شابه.. لان والدي ظل مراقبا من قبل السلطة السعيدية حتى ليلة 14 تموز 1958 وفي ليلة 14 تموز كانت والدتي ربما الانسانة الوحيدة – التي كانت على علم بان شيئا مدويا للتغيير سيحصل ذلك اليوم بايحاء من ابي – طبعا – فظلت والدتي قلقة جدا طوال تلك الليلة.. وفي صبيحة الثورة اطلقت والدتي زغاريد الفرحة بانتصار الثورة مما اثار دهشة واستغراب خالاتي فقالت لهم كنت على علم بان شيئا عظيما سوف يحدث.
وبعد انتصار الثورة رفض والدي تولي اي موقع لكنه اثر الاحتفاظ بموقع حماية قائد الثورة وحماية منجزاتها.. وكان يأمل كانسان ديمقراطي ان تشكل حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا وان يعود الجيش الى ثكناته لممارسة واجباته في حماية حدود البلاد.. وبحكم قوة الاواصر التي كانت تربطه بقائد الثورة.. كان والدي يتبادل وجهات النظر بخصوص الاوضاع معه ناصحا اياه بتجنب سماع اراء المتزلفين والمتعلقين من الانتهازيين الذين كانوا يريدون اجهاض الثورة وحرف مسيرتها الديمقراطية وكانت هناك بالفعل مجاميع رجعية في الداخل ومجاميع عميلة مدعومة من خارج الحدود تريد وأد الثورة وازالة مكاسبها وفعلا هذا ما حدث صبيحة انقلاب 8 شباط الدموي الاسود وكان المرحوم وصفي والدنا ينبذ التعصب القومي والطائفي والمذهبي وزرع في نفوسنا نحن بناته حب الوطن وحب الانسان لانه كان يؤمن بالانسان قيمة عليا وانه اثمن رأسمال.. ولكونه يحمل الافكار الانسانية والتقدمية فقد ناصبه الرجعيون العداء لكونه يساريا ويميل الى الشيوعيين وحاولوا ان يعملوا فجوة بين الزعيم وبينه حين اشاع البعثيون في وقته بان عملية محاولة اغتيال الزعيم. كان تدبير وصفي طاهر لانه لم يكن بصحبته اثناء تعرضه الى رصاص من الغادرين في شارع الرشيد بتاريخ 7/10/1959 واحتجاجا على ما كانت تحدث من ممارسات خاطئة واساءات الى الحركة الوطنية العراقية ورموزها واطلاق يد الاجهزة الامنية من بقايا النظام السعيدي ضد القوى الديمقراطية في ظل حكم الزعيم.. اثر والدي الانزواء في البيت والابتعاد عن الاضواء.. حتى انه كان يذهب الى موقع عمله يوميا لمدة ساعة واحدة ومن ثم يعود ادراجه الى البيت.. وقد روت لنا المرحومة والدتنا.. بانها كانت تصحو في ساعة متأخرة في الكثير من الليالي فترى والدي مهموما متوتر الاعصاب وذلك في الاشهر القليلة التي سبقت انقلاب شباط الاسود.. لقد كان يفكر مليا في النتائج الوخيمة التي سيؤول اليها الوضع السيئ الذي كان تتخبط فيه البلاد من جراء عدم وضوح الرؤيا السياسية عند الزعيم وكذلك تسلل العناصل العفلقية والانتهازية الى مواقع حساسة في الجيش والسلطة من اعداء الزعيم الشخصين نفسه ناهيك عن معاداتهم لمستقبل البلد.. وكما قلت فان البعثيين ارادوا الصاق تهمة محاولة قتل الزعيم بوالدي لتبرأة ساحتهم وعمل فجوة بين الزعيم وبين المخلصين من رجاله.. لكن المرحوم عبد الكريم دحض تلك الاشاعة المفرضة بقوة حينما رفض الدخول الى صالة العمليات لاجراء عملية عاجلة له بعد محاولة اغتياله وظل ينتظر قدوم وصفي طاهر الى مستشفى السلام وحين وصل الى المستشفى اطمأن الزعيم على الوضع فسلم والدي مسدسه الشخصي ودخل صالة العمليات لاجراءء العملية العاجلة له.. وعندما طلب منه احد الضباط الثوريين الصغار اعتقال الزعيم بعد المحاولة واثناء العملية الجراحية او تسفيره الى خارج العراق للسيطرة على وضع البلد الذي كان يسير باتجاه التدهور المريع لكن والدي وانطلاقا من قيمه الاسلامية والانسانية رفض هذه الفكرة جملة وتفصيلا.. رافضا الانقلاب على زعيمه وكان يسعده ان يغير كل شيء .
ولتعريف القراء باسرة الزعيم الشهيد وصفي طاهر.
* قلت لها هلا عرفتنا باخوانك وشهاداتهم الدراسية؟
- فتحدثت في البداية عن نفسها معرفة ايانا بها وقالت اسمي الكامل، هند وصفي طاهر محمد عارف البياتي ولنا مصاهرات مع الكرد.. انا من موليد 1959 خريجة قسم الاثار، جامعة جارلس في براغ / في جمهورية جيكوسلوفاكية السابقة وللمرحوم وصفي ثلاث بنات اخريات عداي انا، وهن (1- نضال مواليد 1944 / اختصاص التحليلات المرضية متزوجة من المهندس الكيمياوي نزار جلال البياتي ولها ولدان (بشار ووصفي) مقيمة في السويد الان. 2- نسرين مواليد 1948/ خريجة معهد التكنولوجيا / بغداد متزوجة من الصحفي رواء الجصاني وهي متزوجة من (ابن شقيقة شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري) والذي يرأس الان تحرير مجلة بابيلون اي (بابل) ولها بنت واحدة. ، 3- مي من مواليد 1952 / متزوجة من حفيد المناضل عبدالقادر الجزائري واسم زوجها حيدر الحسني الجزائري وتحمل شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة جارلس في براغ ولها بنت واحدة.).
وتستطرد السيدة هند قائلة اما انا فمتزوجة من المهندس الزراعي وخريج جامعة براغ السيد تابان الساعدي الذي ينحدر من عائلة شيوعية مناضلة قدمت على مذبح الوطن ستة شهداء وهو من كوادر الحزب الشيوعي العراقي.
وعن السيدة الوالدة .. نريد ان نعرف بعض المعلومات عن جياتها؟
- اسمها الكامل بلقيس عبد الرحمن محمد عارف البياتي وابوها كان اقدم مصور عراقي.. ويملك ستوديو للتصوير شهير في شارع الرشيد اسمه ستوديو (المصور الاهلي) وكان لدى جدي هذا.. ارشيفا نادراً كاملا لصور بغداد والمدن العراقية قبل وبعد دخول الانكليز الى بغداد عام 1917.
وعندما توفي استلم الاستوديو خالي المرحوم عبد القادر عبد الرحمن المعروف بـ (قدري) الذي كان موظفا في المجمع العلمي العراقي.. والذي اضطر فيما بعد لغلق الاستوديو بعد مضايقات رجال الامن له بسبب عدم تعليقه في (جامخانة) الاستوديو لصور الطاغية المقبور.. لكنه في احد الايام.. زعل على احدهم وقال له بعصبية (والله ستجدونه معلقا هنا في احدى الايام القادمة) وكان يقصد بتعلقه اي اعدامه. وتسترسل السيدة هند مستعرضة شريط الذكريات عن والدها، بحسب ما سمعته من امها واخواتها الاكبر سنا.. ان والدها عاصر العديد من رؤساء الوزارات بين عام 1954 و1956 وكان ذلك بامر من تنظيم الضباط الاحرار الذين ارادوا ان يكون احد اعضاء شبكتهم من الدائرة المحيطة برؤساء الوزراء كي يكونوا على اطلاع وعن قرب على ما يدور في اروقة السلطة السياسية في تلك الفترة واخيرا صار الرأي على ترشيح والدي كسكرتير خاص لرئيس الوزراء فعمل مع المرحوم ارشد العمري وفاضل الجمالي وتوفيق السويدي ونوري السعيد من رؤساء وزارات العراق في تلك الفترة وفي عام 1956 حصل في نفس (الباشا) اي (نوري السعيد) نوع من الشك تجاه والدي.. ومن ثم صدر امر بتجميده من خلال تسليمه امرية (الاليات والنقل) في الجيش وهي وحدة غير قتالية.
* وهل عمل ابوك في فلسطين؟
- نعم.. فاثناء حرب فلسطين طلب نقله من امرية فوج التدريبات الثابت في وزارة الدفاع الى قلب المعركة في فلسطين وفعلا تم تسليمه قيادة رتل (فرعون) المتكون اصلا من مجموعة من الفدائيين.
وعن دراسات ابيها تحدثت السيدة هند وقالت درس والدي الابتدائية في المدرسة المامونية ثم اكمل المتوسطة والثانوية ثم التحق بالجامعة الوطنية اللبنانية في سوق الغرب في لبنان عام 1936 ثم دخل الكلية العسكرية ام 1939.
وبعد الثورة.. رفض المواقع العليا واكتفى بان يكون المرافق الاقدم لقائد الثورة.
وتضحك السيدة هند وصفي من اعماقها حينما سألناها عن فترة التحاقها بفصائل الانصار والبيشمه ركه في كردستان وعلى الرغم من انني كنت اصغر اخواتي ونحيلة الجسم قررت الالتحاق بصفوف بيشمركه كردستان عام 1984 من منطلق التعاطف العميق مع الكرد باعتبارهم اصحاب حق واصحاب قضية.. فالتحقت مع زوجي ورفيق دربي منطلقين من براغ الى سوريا ومنها الى ايران ومن ثم الى كردستان الحبيبة عبر الجبال الوعرة والطرق الضيقة الخطرة في رحلة تحدي مع الطبيعة من نوع فريد لقد كنت اقتحم هذا العالم دفاعا عن قضية شريفة وعادلة واضعة الموت امامي فاختلطت مشاعري الوطنية والشخصية عن طريق مكافحة النظام المقبور كـ (بيشمركه). منخرطة في حركة الانصار وقد اخذت اسم (بلقيس) كاسم حركي على اسم امي.. تلك المرأة العراقية المضحية.
* ومن ذكرياتك في الثورة الكردية.. ماذا ستروين لنا؟
- لابد هنا من كلمة عن الكرد فاني لم ار في حياتي ناسا في قمة الطيبة والنقاء مثل هذا الشعب.. اذكر باني كنت مرة غائصة في الطين من اعلى رأسي الى اخمص قدمي فوصلت الى قرية (زنكال) في منطقة بهديتان. فجاءتني امرأة كردية وهي صاحبة البيت الذي نزلنا فيه فتلقتني بالاحضان وعاونتني على خلع البدلة المتصلبة على جسدي. ثم غسلت ملابسي وجواربي تصور امرأة كردية كبيرة تقوم بكل هذه الاعمال علاوة على الاستقبال الحار الذي قوبلنا به في كل مكان.. وعلى الرغم من انني لم اكن اجيد اللغة الكردية.. الا ان كلام القلب كان يصل الى القلب دون ترجمة . وفي وقت قياسي تعلمت لغة (المورس) وعملت على جهاز لاسلكي في الفوج الاول في منطقة (كلي مراني) بقيادة الملازم هشام وكانت لاعضاء منظمات الانصار الثورية دورات في اليمن الجنوبية لمدة سنتين وكذلك في لبنان مع الفدائيين الفلطسينيين وقد استشهد العديد من رفاقنا دفاعا عن المخيمات الفلسطينية واذكر انني مع بعض الرفاق والرفيقات فتحنا مدرسة باسم (14 تموز) في قرية (سوسية) بين الموصل ودهوك لتدريس ابناء العوائل المهجرة الى المناطق المحررة فقمت مع – الرفيقات (ام امجد) و(كه نار) وعدد من الانصار بالتدريس.. وكان قسم من الانصار اصلا ممن يعملون في سلك التدريس. واذكر بانني التقيت بالاستاذ روز نوري شاويس في موقع بجبل متين في قاطع بادينان.. وعلى اطراف الزاب والذي قصف بغاز الخردل عام 1987. وكانت تجري عمليات مشتركة بين البارتي والشيوعيين للهجوم على مواقع حساسة للبعثيين.. ومع الاسف الشديد فان كل اعلام العالم كان في صف البعثيين.. فلقد قدم البيشمركة بطولات عظيمة تضاهي بطولات فيتنام وكمبوديا وبوليفيا على الرغم من امكانياتهم المتواضعة.
وهناك حقيقة عن الجيش العراقي.. فقد كان في معضمه ضد مقاتلة اشقائهم الكرد واذكر ان هجوماً حصل على المنطقة في شتاء 1987. فاضطررنا الى تخلية المكان حفاظا على حياة العوائل الاطفال التي اثقل النظام البائد كاهل الثورة بها عن طريق التهجير المستمر.. وعندما انسحب الجميع الى الخطوط الخلفية.. بقيت على جهاز اللاسلكي لمدة 73 ساعة بدون نوم ثم تناولت مجموعة من اقراص فيتامين (C) لمقاومة الاجهاد، ثم سنحت لي الفرصة للنوم فاخذتني (الغفوة العميقة) كما يقولون.. وكان علي ان ابلغ قيادتي بموقف معين لان التأخير بالتبليغ كان ينذرهم بحلول كارثة وعلى الرغم من ان الوقت كان ليلا.. فعندما صحوت من النوم تذكرت الاتصال المطلوب.. فحييتهم بعبارة صباح الخير بدلا من مساء الخير.. فتركت (المورس) الى (الكلام) كي اسرع بابلاغهم الموقف فسألني احد الانصار وكان من السليمانية عن طريق الجهاز الوقت عندكم ليل ام نهارا فقال له رفيق لنا على الخط الاخر.. ضاحكاً.
الوقت مساء الان.. لكن عند رفيقتنا فيما يبدو نهار.
فضحكت من اعماقي على الرغم من حراجة الامر.
* وماذا تريدين ان تقولي عن الحركة الكردية ايضاً؟
- الحقيقة انه رغم الانفالات ومواسم الموت، استكثر البعض على الكرد.. التمتع بالفدرالية او بحق تقرير المصير.. انني انفعل جدا وبشدة عندما اسمع بعض الفضائيات تتهجم على الــ(بيشمركه) لانني عشت اقسى الظروف معهم.. وانا مع الشعب الكردي في تقرير مصيره وعندما عشت في السويد.. فهمت المعنى الحقيقي للفدرالية فهم يعيشون في نعيم لانهم سمحوا لشعوبهم بتحقيق ما يريدون. واذكر انه بعد ان انسحابنا في عام 1988 كان من الصعب مرافقة العوائل المنسحبة الى جانب الحكومة بعد اعطائهم لعفو كاذب. ومن ثم قام بانفلتهم.. فان الكثير من التلاميذ الصغار الذين درسناهم ماتوا من جراء استعمال الكيمياوي ضدهم. ولازلت احتفظ بصور تلاميذي من الزهور الذين غيبهم الكيمياوي انني هنا وعلى منبر جريدة التآخي العزيزة اطالب بعمل مقبرة رمزية لاولئك الصغار الذين قضوا من جراء الانقلاب.. والذين درسناهم مقبرة من شقائق النعمان والياسمين والبنفسج لتلك البراعم الصغيرة.. الذين قبرهم نظام صدام المجرم دون من ذنب جنوه.
* وفي سؤال اخيراً.. سألنا السيدة هند وهل تم التعرف من قبلكم على قبور شهداء انقلاب شباط الاسود.. وكيف؟
- نعم.. على الرغم ما ان هذه المسالة بقيت سرا من اسرار حكم العفالقة.. فحتى سقوط بغداد ظلت هذه المسألة لغزاً.
وكان التساؤل يراودني منذ طفولتي المبكرة حينما كنت ارى صديقاتي يزورون قبر اهاليهم في الاعياد.. فأسأل مع نفسي لماذا لا نذهب نحن ايضا ولا اجرؤ على سؤال والدتي هذا السؤال.. ولماذا لا نذهب نحن لزيارة قبر ابينا؟ لكن واجهت اختي الاكبر مني سنا بقليل بهذا السؤال.. فاجابتني بذكاء ان القبر ليس مهما بقدر خلوده باثاره ومكتبته واسطواناته الموسيقية (وبالمناسبة كان يحتفظ بمكتبة كاملة لموسيقى الكلاسيك) ثم اضافت (مي) ان حاضر بيننا بقيمه العالية واستشهاده في سبيل وطنه.. لكنني وبعد التغيير الذي حصل في 9 نيسان وجهت نداء الى كل العراقيين لمعاونتنا في البحث عن قبور شهداتنا وذلك عبر لقاء جريدة الصباح والذي قام شخصياً بتحريات دقيقة، وفي كل مرة كنا نذهب الى اشخاص يدعون بان يعرفون المكان ثم تنكشف لنا الحقيقة عن لاشيء. وكان العفالقة بعد (8) شباط قد حرصوا على اخفاء سر مكان القبور كي لا تصبح مزارات يبؤمها الشرفاء من العراقيين.. فبعد ان تم قتل احد قادة الثورة رموا بهم في العراء جميعا بالبستهم العسكرية فرآهم احد الفلاحين الشرفاء.. فاخبر اهله.. وقاموا بدفنهم لكن السر انكشف ورمي الفلاح السكين في السجن لمدة سنة ونصف.. ثم نبش البعثيون القبور بحثا عن جثة المرحوم عبد الكيم قاسم فوجدوها واخذوها الى مكان مجهول وتركوا باقي الجثث في العراء مرة اخرى.. لكن ذوي الفلاح الشريف قاموا بدفنهم مرة اخرى.
واخذو يزورون المكان من وقت لآخر ويضيئون الشموع ويشعلون البخور.. وبعد مرور سنوات بدأ الناس يتسائلون من هم هؤلاء الذين تضعون الشموع على قبورهم؟ فاجابوهم بان هؤلاء من السادة لاخفاء شخصياتهم الحقيقة من النظام ثم قام الاهلون تدريجيا بدفن اطفالهم المولودين حديثا المتوفين لاسباب مختلفة.. لذلك نرى حول المقبرة مهودا اشارة الى ان الاموات من الصغار. ثم بن الاهلون بعد التغير بنى قبرا رمزيا لعبد الكريم قاسم.
وبعد اكثر من اربع ساعات.. شعرنا باننا اثقلنا على السيدة المناضلة (هند وصفي طاهر) بكل هذه الاسئلة المثيرة للكثير من الالام العميقة والاشجان الدفينة.. فقامت لتودعنا وهي تشكرنا في هذه المهمة الصادقة في استذكار الشهداء من رموز هذا الوطن.

ذات صلة