علي طالب: لحظة وفاء مرت بسرعة

علي طالب: لحظة وفاء مرت بسرعة

سعاد الجزائري
بين العين واللحظة المسرعة مساحة لا يعرفها الا من قضى حياته يتصيد لحظات الخلود الكامن بين ظل ونور في دنيا بدأت تسير نحو الظلمة تدريجيا..
مساحة النور في روح انسانها، وظلها في قلبه، وبين الاثنين يرف جفن يبحث طويلا عن لقطة هي التي يريدها وليس غيرها، بين هذا الرفيف الراعش للجفن جلس علي طالب، حالما بصورة فيها الحياة والموت متجاوران، فيها الفقر والغنى قد يتعادلان، وفيها الحب والكره لا يختلفان.. لكن عدسته بقيت مفتوحة على حياة لا نريدها ان تغادرنا

انفتحت عين عدسته على الوجوه التي احبها لكي يخلدها في صورة، هي في قلبه قبل ان تنطبع على كاميرته..
صور الحياة بتناقضاتها، فكان مع الحب وامام الكره،
صوّر اسود الحزن على الامهات، ورسم نور الابيض الذي ارتقبه طويلا، لكي يحلق على شعاعه نحول امل لم يكتمل تحقيقه، وحلم انكسر في اول انعطافة لحياته..
جلس بين الفقر والثراء، حاكما عادلا على اناس عملوا تحت حروف فقرهم، وبين فتات موائد الاثرياء..
حمل كاميرته بينهم وعاش فقرهم، ليكون شاهدا على خلل ميزان الحياة والعدالة، التي تكسرت تحت وجع صوره وآلام ابطاله..
علي يحلم بصوره قبل ان يراها، وتتجسد مواضيعه في روح تعذبت بآلام غيرها، قبل ان تتآكل جسده آلامه..
بين النور والظل، جلس هذا الحالم متكئا على جدار زمنه المتكسر.. مترقبا تلك اللقطة التي لا تتكرر، لان اللحظة الحية تموت بعد مرور زمنها..
اقتنص كل اللحظات الحياتية، وخلد كل من اراده ان يبقى بين دروب الحياة.. وبين لحظة واخرى كانت عيونه تراقب الحياة، بينما الموت يجاوره بقسوة جارحة..
علي حمل مع العتالين هموم حياته وحياتهم، وفي معرضه فقراء.. اثرياء، كان الفقر اكثر حضورا، لانه اراد ان يخلده، ولم يبال بالثراء وترفه المؤقت..
تداخل مع الوجع والفقر وحاجة الناس، ونسى انه موجوع، فامتدت الالام في جسده طولا وعرضا، واقتنصت كل اللحظات التي كان يدور فيها بالشوارع بحثا عن انين قلب وصمت الالام..
اقتنص اوجاعهم، لكي يمنحهم حياة واملا، ولديمومته، نثر ذرات حياته بين فقرهم وامالهم.
انفتحت العدسة على زمن لم يقتنصه علي، لانه نام امام الكاميرا... اغمض عينيه فمرت اللحظة بسرعة، والمشهد مازال مستمرا على حياة تتسلل تدريجيا من قلب ارتعش بصمت ثم توقف..
عدسة كاميرته ستبقى مفتوحة على ذلك المشهد الذي لن يكتمل، لانه رحل وبقيت الصورة غير كاملة بنصف اطارمجروح....