مائدة نزهت صوت بغداد

مائدة نزهت صوت بغداد

ثامر العامري
استطاعت هذه المغنية اللامعه أن تكون محوراً لنشاط كل الملحنين في كامل اللحنية العراقيه، ومنذ عام 1954 والى يومنا هذا لم تظهر مطربه عراقيه واحده نافست مائدة نزهت في قليل او كثير، ولعل صوتها هو الوحيد بين الاصوات العراقية الذي كان له هذا الحضور

وهذا الأقتران بمعايير القيمة والانجاز، بل ان مائدة نزهت ارتبطت باغنى مرحلة من الغناء العراقي ونعني بها مرحلة – الاغنية البغدادية- فقد توهجت نبراتها الغنائية من تجسيد الكثير من الاعمال الفنية لاوسع دائرة من الملحنين .
ولدت الفنانة مائدة جاسم محمد عزاوي في الكرخ من بغداد عام 1937.. وهي واحدة من اربع بنات وولد واحد.. لامهم وابيهم.. حسنية – بدرية – سامية – مائدة – وخلف.. كان والدها ضابطا في الجيش العراقي ..
وفي مقتبل عمرها حفظت الاجزاء الاولى من القرآن الكريم عند الملا في (الكتاتيب) ، ثم دخلت مدرسة الرصافة الابتدائية حيث شاركت لاول مرة في اداء الاناشيد المدرسية منتصف الاربعينات.. وبسبب القيود الاجتماعية الصارمة.. فقد كانت ترفه عن نفسها وتمارس هوايتها الادائية بمشاركتها الاداءات الدينية مع النساء من الاقارب والمعارف. وبسبب هذه القيود ايضا.. لم تستطع ان تدرس الموسيقى وفي عام 1954 اعجب بها منير بشير وخزعل مهدي, فشجعاها على التقديم للاذاعة فخضعت للاختبار فنجحت نجاحا باهرا .
لحّن لها ناظم نعيم اول اغنية ( الروح محتاره والدمع يجاره ) التي كانت تجربتها الاولى ، فلم ينتبه اليها جمهور كاف .. ولكن تجربتها الاخرى مع الملحن احمد الخليل في اغنية ( اصيحن آه والتوبة ) تعتبر منعطفا جديدا لها رفعها الى مصاف المطربات المعروفات , الامر الذي عمـَّق بداياتها , فقد اشتهرت هذه الاغنية واشتهر معها الملحن احمد الخليل والمطربة الواعدة مائدة نزهت ايضا.
لفترة قصيرة ابتعدت فيها مائدة نزهت عن الاذاعة والوسط الفني برمته بسبب بعض المشاكل التي جابهتها من قبل بعض الفنيين والادرايين في اعتراضها لعدم اذاعة اغانيها وكان ذلك عام 1955 وهي لم تزل في بداياتها.. واستمرت الحالة حتى عام 1957 بعد ان عاد الفنان وديع خوندة من غربته وعمله في اذاعة الشرق الادنى الناطقة باللغة العربية في قبرص وبيروت، وهو الفنان الذي اصبح اول رئيس لقسم الموسيقى في الاذاعة عند تاسيسه منتصف الاربعينيات بجهود منه وقرار من مدير الاذاعة زمنذاك المرحوم حسين الرحال.. وعن طريق الملحن احمد الخليل تعرف على مائدة نزهت حيث ذهبا معا الى اهلها لاقناعها واقناعهم بالعودة الى الغناء بعد ان اقتنع الفنان وديع خوندة بصوتها فقد اسمعه احمد الخليل اغنية (اصيحن اه والتوبة) باستوديو الاذاعة.. وفي هذه الزيارة تمت تسوية الامر وعادت مائدة الى الوسط الفني والاذاعة لتواصل نشاطها الغنائي.. لتبدا مرحلة جديدة من مسيرتها الفنية .
وعن هذه الحقبة يقول الملحن المرحوم عباس جميل في لقاء له قمت بتلحين اول اغنية لمائدة نزهت قبل ان تغني للاذاعة هي ( جاني من حسن مكتوب ) ضمن فلم دكتور حسن ربما كانت طريقها للاذاعة , بعدها غنت من الحاني يا كاتم الاسرارباستوديو الاذاعة ...
لقد جلب وديع خوندة معه الى بغداد عام 1957 خبرة لرؤية فكريه وجمالية عاشها في قبرص مذيعا في اذاعة الشرق الادنى الناطقة بالعربية. وكان بفطرته ذا رؤية ثاقبة في كل موهبة فنية بما في ذلك موهبته.. فمضى يكتشف ما تنطوي عليه تلك الموهبة بالنسبة اليه في جد وانتظام.. وبدأ عطاؤه الجديد الى الاجيال الجديدة بالحانة وملاحظاته وادارته لقسم الموسيقى وفسح المجال للقابليات الموهوبة الاخرى لتبدو النتاجات واضحة..
اما الانسة مائدة نزهت وهي المطربة الجديدة فقد كان حظها اوفر من الجميع في مسيرتها الفنية حيث كان الثامن عشر من اذار عام 1958 موعدا لزواجها بهذا الفنان الموهوب وديع خوندة بعد قصة حب جميلة، وبذلك بدات مائدة نزهت مرحلة جديدة وجدية في مسيرتها الفنية. ومن هذا التاريخ ايضا نلاحظ ان نشاط مائدة نزهت الفني قد بدا يستقر بصورة تدريجية. واصبح اقل من السابق، ولكنه اصبح نتاجا اكثر اتزانا ورصانة فحفلاتها الخاصة قد انعدمت او شبه ذلك ونشاطها الانتاجي امسى اكثر دقة وانتظاما.
تعتبر الالحان التي لحنها الفنان وديع خوندة لمائدة نزهت قبل وبعد زواجه منها بقليل انعطاف جديد في مسار الاغنية الحديثة في بنائها اللحني من حيث تنوع الكوبليهات مع المذهب، وهو يبين لنا ايضا خلجات كتّاب الاغاني هذه، وهكذا كانت مائدة نزهت سيدة الموقف في حصيلة النتائج التي استطاعت ان تعبر عن مشاعر الملحن والكاتب معا، وهكذا كان الاتفاق التعبيري لمجموعهم.. ومن هذه الاغاني مثلا اغنية يم الفستان الاحمر التي كتب كلماتها الشاعر عبد المجيد الملا واغنية - احبك لا - التي كتبها اسماعيل الخطيب واغنية تجونة لو نجيكم من كلمات رشيد حميد واغنية تاليها وياك التي كتبتها امل سامي واغنية نسمات رومبا وسامبا بغداد التي كتبها حسن نعمة العبيدي واغنية وينك التي كتبها وديع خوندة نفسه.