المفرجي.. احمد ..بروفيل من حياته

المفرجي.. احمد ..بروفيل من حياته

هادي طعمة
لم اكن اعرفه، التقيته مصادفة ونحن في مقتبل الشباب. كان ذلك اواسط الستينات تحديداً. لم يكن اللقاء في جمعية المؤلفين والكتاب حسبما كان اسمها يومئذ كما كان الحال مع من عرفوا، او بالاحرى بعض من عرفوا في الستينيات وما بعدها، ولا في ملتقى ادبي او ثقافي عام آخر بل كان في مقهى اتخذه بعض المهتمين بالادب والثقافة، ملتقى لهم بعض الوقت ولاسيما وقت الظهرة حيث يؤوب الجميع من قضاء حاجاتهم المختلفة.

كان ذلك الملتقى الذي كنت اسميه: الملحق اليومي لجمعية المؤلفين والكتاب، هو (مقهى البلدية) قرب مبنى وزارة الدفاع القديمة. وكان ابرز روائد المقهى معرفة وصلة صداقة، جليل العطية، الصحافي الستيني الذائع الاسم، الدكتور الان، المقيم في الخارج حاليا.
كنت وقتذاك على موعد، ظهيرة احد الايام من صيف 1965 مع احد المصابين بداء الادب وقول الشعر، الا ان الله نجاه مؤخرا من ان تدركه حرفة الادب بل بالاصح من ان تظل ملازمة له كان المفرجي احمد فياض، الشاب، طموحا على استحياء، يميل الى كتابة القصة القصيرة، ربما جريا وانسجاما مع ميل صديقه الاثير لديه القاص عبد الرحمن مجيد الربيعي، الا انه لم يقطع الشوط على نحو ما فعل صاحبه الربيعي.
لم اكن ادري مصدر حياته الذي يبدو عليه، ولم اجد في نفسي – كالعادة – الرغبة لان اسأله او استعلم احد اصحابه – حتى الحصيري الذي كان فاتحا فاه ليجيب لسانه، لكن اسلاة قلمه (قلم المفرجي) التي لم تكن تستطيع مواصلة التعبير، انتابني بشيء من الاجابة ومع هذا وبالرغم منه، وجدته يحاول ان يحطب مع الحاطبين في كل حقل جديد من حقول الادب يؤثره الستينيون ويتسامعون بجديد موضوعاته وحديث مضمونه، الا انه لم يكمل الشوط في الشعر ايضا، كما في القصة. ولم يعد في هذا ثمة ما يدعوني للتوقف عنده والتساؤل بشأنه. ثم .. افترقنا بعد بضع من السنين، على غير اتفاق مثلما التقينا اول مرة دونما ميعاد. وكان افتراقا طالت سنواته، كنت اتسقط اخباره بين الحين والحين. وبالاصح: كانت اخباره تتسقط لعيني – او لمسمعي، معي فقد شغلتني في وقت معا مطالب الحياة والدرس والعمل بين بغداد التي اسكن فيها وبعض المحافظات القريبة ثم.. ثم التقيته كاول مرة، على غير موعد معه او اتفاق مع احد معارفنا، ولم يكن الرجل قد خرج كثيرا من استحيائه، او بالاحرى من انطوائه، الا كخروجه من حقل ادبي الى حقل مقارب. فقد غلب عليه اهتمامه بان يكون متقصيا لما يتصل بالمسرح في العراق، راغبا في ان يكون مؤرخ الحركة المسرحية في العراق. وكان قد جرب حظه في هذا بالنشر في الصحف. واملت فيه، بل شجعته على ان يواصل الشوط بلا استثقال يزلقه في الياس. ووجدته عازما على اجتياز المخاضة كما لو كان يلقي باخر اوراقه التي تحمل تصميمه على كسب الرهان. هكذا بدأ، وهكذا كان، فقد واصل المسير هذه المرة، وقطع من الشوط مسافات حتى نيطت به مهمة قسم البحوث والدراسات في المؤسسة العامة للسينما والمسرح فكان كمن وجد ضالته، وكان قسم البحوث والدراسات بالنسبة له كثمرة الغراب، فقدم من خلاله ما قدم من انتاج تاق الى انجازه. وكما التقينا مصادفة، وجدتني – على غير اتفاق، التقي معه، حيث صيرورة العمل تجمعنا، وكان عملا لم اختره، وصيرورة جرت على قاعدة المثل الشعبي (تريد غزال اخذ ارنب.. الخ) ، حيث قضى العادلون ان امضي هناك سنوات وظيفية تزيد على العقد من الزمان، كان في خلالها دائبا على اشيائه، كدأبه على حيائه، وعلى اسرار اشيائه وحيائه ورأى في اجتماعنا في عمل مشترك تقريبا، ما دعاه الى الاستغراب، وهو محق، حتى انه اطلع صاحبه الربيعي على حقيقة اني هناك، فدلفا ومحياه يرشح بتكليم صاحبه: ها انت ترى اتصدق؟
وما كانا، ولا احد منهما اني كنت كهدهد سليمان، اذ حكم عليه بالنفي بين طيور لم يسبق ان تعاملت بلغة مشتركة يفهمها الجميع بوضوح والغة. ولم يستغرب هذه المرة من ان يجد الالفة مع العديد ممن حولي وحوله، فقد كان على بينة كبيرة من اراء وافكار ومن خصال وخلال شمائل.. ومضى على دأبه في كتابة تاريخ المسرح في العراق، واقل من ذلك عن السينما، ولم يغفل الكتابة عن المرأة فقد اولاها قدرا من اهتمامه، وطوال سنوات معرفتي به، كنت احسن ان في حياته شيئاً ما، سرا، قد يكون امرأة لها دور الدارئ له عن الاقدام على مغادرة الحياة. لم اكن ادري سبب ذللك تحديدا لكن الوقت لم يطل بعد فراقها، حتى توفي.. منتحرا على حد قول الناقلين.