الدكتور جلال حمدي..كنت صديقا للملك غازي

الدكتور جلال حمدي..كنت صديقا للملك غازي

الجمعية الطبية العراقية عام 1952 – من اليسار المرحوم د. جلال حمدي، المرحوم د. فؤاد مراد الشيخ، الامير المضايفي (كان زائرا) ، المرحوم . هاشم الوتري، المرحوم د. اسماعيل ناجي، المرحوم د. عبد الجبار العماري، السيد فكتور. وخلفهم من اليسار د. كليمان سركيس،

د. كمال رشيد، د. غازي حلمي، والمجبر الفني جلال شاكر.
ولد الدكتور جلال حمدي سليمان في بغداد عام 1916، ثم انهى دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدرسة المأمون والثانوية في الاعدادية المركزية ثم دخل كلية الطب، وتخرج منها سنة 1939، وحصل على الاختصاص بعد رجوعه من امريكا اواخر سنة 1947 وحصوله على شهادة الاختصاص من كلية هارفرد في بوسطن ثم حصل على الاختصاص في ناظور القصبات والمعدة من كلية تامبل في فيلاديفيا عند تخرجه من الكلية الطبية عين في المستشفى الملكي في شعبة امراض الانف والاذن والحنجرة عندما كان يرأسها الدكتور جميل دلالي عند تعينه كان مساعدا لرئيس الوحدة ثم بعد رجوعه من امريكا حصل على لقب استاذ مساعد.
كان يدرس الصف الاخير من مدرسة الممرضات والموظفين الصحيين كما كان يدرس طلابا من الكلية الطبية عمليا. ومنذ سنة 1956 صار يدرس طلاب الصف الخامس من الكلية الطبية نظريا وعمليا اهم عمل انجزه خلال اشتغاله / اخراج العلقة كما يقول من الحنجرة وقيامه بهذه العملية صدفة اذ ارسل لشعبته مريضا هزيلا جدا ويخرج دما مع لعابه وكثير التذمر فادخله الى الردهة (15) للرجال وعند فحصه كانت العلقة لاصقة وراء الانف وكبيرة الحجم سوداء اللون واخرجها بعملية بسيطة ثم تكررت مراجعة مثل هؤلاء بعد ان عرف عنها اذ وجد الاطباء يومها المصابين بها كانوا يشربون المياه من الساقية بكفيهم وكان هذا الماء مليء بالعلقات الكثيرة منها يذهب الى المعدة ونادرة ما تعلق واحدة باعلى الحنجرة وتعيش بها اما خلف الانف او في الحنجرة او في الاوتار الصوتية تمتص دماء المريض الى ان تكبر حتى تصل اكثر من 5 سم وكانت عند دخولها لايزيد طولها عن ربع سم وبعد اخراج هذه العلقة يتماثل المريض للشفاء.
ان اخراجها يحتاج الى الدقة والتاني واعطاء المريض قليلا من المخدر لكي ترتخي مصاصاتها قليلا وتسهل اخراجها، واصبح تردهم حالات متعددة من هذه الحالة بعد ان كانوا يحتارون بتشخيص المرض. كان يجتمع بمساعدة رئيسة المرضات في وحدتهم آن ذاك الاخت (مادلين) حيث ان المرحوم الدكتور جلال حمدي سليمان قد قيم غرفة التداوي او العمليات ولا يدري لازالت موجودة ام فقدت لانه مر عليها ما يزيد عن ثلاثين سنة.
وقد كتب بحثا عن ذلك ارسله الى رئيس شعبة كلية هارفرد الدكتور (شول) وقد ارسلها الى احدى المجلات الطبية في امريكا واستغرب عن وجود العلقة في الحنجرة لانه و(حسب قوله) لم ترد او لم يسمع عن وجود مثل هذه الحالة.
بعد ذلك ذهب لاكمال الدراسة الى كلية تاميل في فيلادفيا وحصل على شهادة التخصص في (البرونكوسكوبي) و(الاسوفاسكوبي) وكانت تدرس من قبل الاستاذين الاب والابن المشهورين جاكسون وجاكسون.
اما عن اهم الذكريات التي مرت عليه منذ كان تلميذا حتى صار طبيبا والتي تستحق الذكر هو كيف صار صديقا في طفولته للامير غازي وكان اول من رأى الملك حين وفاته. كتب لنا رحمه الله قبيل وفاته يقول: (كنت في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة المامونية وفي احد الايام نودي علي لحضور اجتماع في غرفة المدير وقرروا بتشكيل فرقة كشافة سميت بالكشافة الملوكية بناءا على طلب المسؤولين في ذلك الوقت ونسبت ان اكون رئيسا لها. وفي اليوم التالي ذهبت مع السيد جميل الراوي الذي كان رئيسا للكشافة في العراق الى البلاط الملكي لمواجهة الامير غازي وتدريبه قبل يوم من حضور الفرقة الي اعمارهم بين 11-12 سنة وفعلا عمل اللازم. وعند مواجهتي للامير لاول مرة رأيته مؤدبا، نحيفا وخجولا وفي نفس اليوم طلبت والدته مواجهتي فكان تصرفها كام ثانية لي واوصتني بالامير خيرا. حتى اضحى كاخ لي لكثرة مراجعتي واحتكاكي به فكانت الغرفة نجتمع به لاداء الحركات والالعاب الرياضية يوم الاثنين والخميس اسبوعيا وكان ينسب مع الاستاذ جميل الرواي قبل يوم من الاجتماع تدريبه، طلب مني ان ازوره في هذه الايام وذلك من قبل والدته وكت اذهب الى البلاط الملكي وكان هو ووالدته في انتظاري فكنا نلعب في الحديثة حتى صارت معاملة والدته لي كابنها رعاية وحبا ويقينا هكذا مدة اكثر من سنة).

لم يواصل الدكتور جلال فيقول:
(تخرجت من الكلية الطبية وكنت يوما خفرا في المستشفى وحوالي الساعة (12) ليلا استلمت مخابرة من الاستاذ صائب شوكت وكان مديرا للمستشفى طالبا مني وبسرعة تحضير ادوية ذكرها لي وذلك لحادث خطر للملك وهو بسيرته واتت سيارة ملكية تنقلني بسرعة شديدة للقصر الملكي وفي طريقي رأيت الحادث والسيارة وهي مرتطمة بعمود من الكهرباء معوج. فلما وصلت الى القصر واجهتني والدته وهي تبكي بحرقة قائلة اسرع فان اخاك مصاب فلما رايته قبل قدوم باقي الاطباء كان فاقدا الوعي وراسه مدمى وفيه كسر في مقدمة الراس وحالته خطرة او ميئوس منها وعند ذلك حضر كل من الدكتور صائب شوكت والدكتور سندرسن والدكتور ابراهام. وعند الفحص الكامل قرروا ان الحالة ميئوس منها وفعلا توفي بعد مدة قصيرة. فانتقلوا الى غرفة جلوس الملك واخذ سندرسن ورقة وكتب تقريرا ليذاع على الشعب وكان حسب ما اذكر كما يلي:
ننعي بمزيد من الاسف وفاة صاحب الجلالة على اثر اصطدامه بعمود كهرباء. وقد كتبه طبعا بالانكليزية وطلب مني ترجمته فلما انتهيت من ترجمته قلت لسندرسن: لا يصح ان ننشر هذا التقرير من قبلنا بل من قبل الحكومة ويجب ان يكون تقريرنا وصف حالة الملك عند رؤيتنا له ووصف حالة الكسر وسبب الوفاة ولكن الدكتور سندرسن اصر على التقرير الذي كتبه وكان في وقتها طبيبا حديث التخرج واصر على ذلك الدكتور / صائب شوكت وفعلا وضع التقرير من قبلهم وفي صباح اليوم التالي اعرض على هذا التقرير كثير من الاطباء وكذلك رئيس شعبة الطب العدلي، وفعلا تم نقل جثة الملك من القصر الى البلاط وفحصت اللجنة الطبية مضافا اليها الدكتور / احمد عزت القيسي والدكتور / صبيح الوهبي واعيد الفحص عليه من قبل هذه اللجنة ووضع تقريرا اصوليا).
ثم يقول الدكتور جلال حمدي:
( يعتقد تقريبا جميع العراقيين ان الملك قد قتل ولكن للتاريخ نقول ان حادثة الاصطدام كانت قضاءا وقدرا ولو ان الملك كان مكروها من قبل الانكليز وحتى والدته تعتقد ان الحادثة دبرت من قبل الانكليز وتاكد لي ذلك عند دخول الدكتور سندرسن بصحبته الى الغرفة التي كان نساء القصر فيها ينوي معالجة من يحتاج للعلاج منهن فكانت ولدته تصرخ وتقول ان لا يقترب منهن بل يبقى جلال معهم حتى الصباح وفعلا شعر الدكتور سندرسن بذلك وترك القصر. وفعلا بقيت معهم حتى صباح اليوم التالي ثم ذهبت الى المستشفى الملكي لاداء اشغالي المعتادة).
ويواصل الدكتور جلال حمدي حديثه لنا فيقول:
(اما ما قراناه في الجرائد بعد الحادث وما صرح به المؤرخون فلا صحة له (حسب اعتقاده) وكان الملك منذ حدوث الحادثة وحتى وفاته فاقد الوعي ولم يتكلم باية كلمة قطعا، وللمرة الثانية اقول ان حادثة موت الملك كانت قضاءا وقدرا ولو انه كان غير محبوب او مقبول من قبل الانكليز ولراحة ضميري اذكر ذلك). وعلى كل حال فان مقتل الملك غازي رحمه الله ضل موضع خلاف وجدل بين كل العراقيين والعرب فالغالبية تعتقد كان قضاءا وقدرا.
غير ان الوثائق السرية التي كشفت مؤخرا حول مطالبة الملك باعادة قضاء الكويت الى العراق وخصوصا ما اذاعه برنامج (السراب واليقين) الذي قدمه تلفزيون بغداد عبر حلقات اثبتت بما لا يدع للشك ان الملك رحمه الله مات مقتولا من قبل المخابرات البريطانية وعملائها. ولا شك ان المرحوم الدكتور جلال حمدي سليما قد قيم الموقف على اساس انه طبيب مشرف اولا، ولم تكن هذه الوثائق التي نشرت مؤخرا معروفة للناس يومذاك، فقد سرد لنا ذكرياته كطبيب لا كسياسي مطلع على بواطن الامور.

عن كتاب تاريخ اعلام الطب العراقي الحديث الجزء الثاني 1993