الإصبع .. منذ لغة الإشارة إلى شاشة اللَّمس

الإصبع .. منذ لغة الإشارة إلى شاشة اللَّمس

ترجمة / عادل صادق
بالرغم من التحوّل الدوري لنوعنا البشري عن العمل اليدوي، ففي العصر الرقمي digital يجد الإصبع نفسه مهماً كما هي حاله أبداً. فحتى و راحات الأيدي، و المعاصم و السواعد تتراجع إلى حالةٍ عجينية من عدم الاستعمال، فإن دور الإصبع يقارب ليس عالم الأشياء فقط، بل المعلومات أيضاً، كما يقول ماثيو بيتلز في عرضه هذا. و تتطلب الأدوات التي نصل بواسطتها إلى التعاطي مع العالم قواعدَ أكثر تشذيباً على الدوام لحالات الملاطفة، و المسح، و اللمس؛ و يحقق الإيماء،

و هو ربما أقدم شكل من أشكال الاتصال أو التبليغ البشري، نوعاً من التأليه أو التمجيدعن طريق لوحة المفاتيح و شاشة اللمس.
غير أن الأصابع قد فتنتنا على الدوام و صدَّتنا، وفقاً لأغنوس ترَمبل، الذي يُعد كتابه ( الأصبع : دفتر The Finger : Handbook ) مسرَداً مثيراً ذا أهمية رقمية. و باعتباره أمين اللوحات و النحت في مركز ييل للفن البريطاني، فإنه ينظر بعين مؤرخ الفن لينشيء " كاتدرائية اليد "، واصفاً التشريح اليدوي بتفصيلٍ مبهجٍ باهر. و يؤكد المؤلف أن الأنظمة الفئوية للحساب المستند الى الأصابع التي استخدمها التجّار الرومان يمكن أن تكون مناسبة لانبعاثةٍ في عهدٍ تبدو فيه المباديء الأولية في الاقتصاد قد غابت عن فهمنا. و هو لا يبالي عَرضاً إلى حدٍ ما بتاريخ لغات الاشارة، التي طوَّرها رهبان القرون الوسطى الصامتون إضافةً للطرشان من الناس ( و هي تحويلة إلى داخل تاريخ برَيل تبدو هنا انسياباً غير مميَّز في هذا الكتاب الحاذق بطريقة مختلفة ).
إن تأملات ترَمبل في الأهمية المقدسة و الإبداعية لصورة الإصبع المتخيَّلة ، من ناحية أخرى، دقيقة و باعثة على التفكير. فلقد شكلَّت الأصابع و أشارت لوقتٍ طويل إلى قوى جوهرية في الطبيعة و الدين : إيماءات اليوغا التي ترى تكراراً في صور الألوهيات البوذية و الهندية؛ إصبع يهود الذي يقتل و يخلق معاً؛ و إبهام قدم يسوع و هو يخربش دروساً غامضة في التراب. و لا يقل عن ذلك فتنةً فحص المؤلف لتاريخ القفازات و الأظافر المصبوغة، و الأيدي في حالة الحرب و في وقت اللعب، و صنعة الإبهام وحدها أيضاً.
لكنه فقط حين يتحول إلى أيدي الفنانين ــ كمواضيع و كأعضاء في صناعة الصورة معاً ــ تجده يوميء إلى اللاذع أو المؤلم. ففي لوحة رامبرانت " تشريح الدكتور نيكوليس بَلب ( 1632 )، يبيّن الدكتور أوتار الساعد بينما هو يصنع دائرة بإبهامه و سبّابته ــ و هي إيماءة كنت قد اعتبرتها على الدوام نوعاً من الحِرَفية، غير أن ترَمبل ( المؤلف ) يوضح بأنها الحركة أو الإشارة بالذات التي تجعلها الأوتار المبيّنة ممكنة.
وتصوير رامبرانت النفّاذ لهذا التشريح ــ الآلية الهشة لحرفته ــ هو في قول ترَمبل نظرة عصبية إلى الجذور الجسدية المتلوّية لعملية الخلق الفني. و تلك الأوتار نفسها تلعب أيضاً دوراً بارزاً لا يُنسى في تصوير مايكل أنجلو للخلق على سقف كنيسة سيستين، حيث يلتوي ساعد الرب بينما يجسّر قوسٌ، غير مرئي، الهوة الاشتباكية synaptic بينه و بين أصابع قدمي آدم الممطوطة. و بالنسبة لترَمبل، فإن أصابع الفنان هذه مذكِّر غريب بأننا لا نصل أبداً الواحد إلى الآخر من دون جهد. و كما تؤكد شاشاتنا اللمسية اليوم، فإن علينا أن نجازف بتلويث أيدينا، لإقامة هذا الاتصال.
عن / review