كين فوليت: كشفت أزمة كورونا عن الفارق بين الحكومات الجيدة والسيئة

كين فوليت: كشفت أزمة كورونا عن الفارق بين الحكومات الجيدة والسيئة

ترجمة: منعم الفيتوري

كين فوليت (كارديف، 1949) صحفي، وروائي ويلزي يجنح إلى التاريخ في رواياته وخياله الأدبي،. كتبه أكثر الكتب مبيعاً حول العالم.

كانت روايته عمود نار - صدرت ترجمتها العربية عن دار المدى - من أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم منذ نشر الكتاب في عام 1989، من رواياته المشهورة: الظلام والفجر، عالم بلا نهاية، مفتاح ريبيكا، الثلاثي، أيضاً رواية برقول التي صدرت مؤخّراً.

في هذا الحوار جملة من الآراء المختلفة، كفايروس كورونا، والسياسة العالمية، وخروج بريطانيا ونقده اللاذع لحكومة بلاده، والعنصرية والعبودية، والحرية، وحياته التي قضاها في الحجر الصحي. ولقد ارتأيتُ ترجمة الحوار بصيغة توضيحيّة بعيداً عن الحرفية، بل بشكل مختصر، مركزاً على أهم مقولاته وآراءه الفكرية والسياسية التي تهمنا في العالم العربي، الذي يفقد الحرية والديمقراطية والإنسانية، ولا يهتم إلا بالمؤامرة والخرافة والهلوسات التي تضرّ بصحة العقل.

تناول فوليت الحريّة كثيراً في كتبه، وهي عنصر أساسي تتميز به مختلف رواياته، وقد تعامل معها بطرقٍ مختلفة، فكيف يرى الحرية اليوم؟ وما مدى التهديد الذي يلاحقها؟ ومن المهدّد له أساساً؟!

بدايةً يرى فوليت أن الحرية مهددة بالفعل؛ فالمواطنون [في دول العالم] هم المسؤولون عن التهديد الذي تتلقّاه الحريّة. فيضرب مثالاً على ذلك، بحالة الديكتاتوريات التي تصعدُ إلى السلطة بأصوات المواطنين. الديكتاتور لا ينجح إلا بفوز ناخبيه، يقول فوليت. ما يثير تفاؤله أن الديماغوجيين القوميين في أوروبا لا ينجحون، ولا يتحصلون على دعمٍ كاف، وكبير في معظم دول أوروبا، لكن في أميركا، يتحصّلون على الكثير من الدّعم؛ إنّهم الناس الذين يدعمونهم، يقول فوليت! في ألمانيا فقد الناس حرّيتهم؛ لأنهم لم يدافعوا من أجلها. هذا أمر خطر جدّاً، حسب قول فوليت. على من نلقي اللّوم في هكذا أمور؟ يجيب فوليت: لا يمكن أن نلقي اللوم على الزّعماء والقادة؛ لأننا دائماً ما نجدُ دجالين ومغفلين ومجانين، فهم موجودون بطبيعة الحال دائماً. ما الحلّ في هذه الحالة؟ على الناس أن يضعوا حدّا لهم!

حلحلة النزاعات في نهاية القرون الوسطى بدأت باحترام القانون وتطبيقه، فهو الذي فرض على الناس احترام التنوع والاختلاف والتعايش بين بعضهم البعض، ولم تعد هناك سلطةٌ تعلو سلطة القانون، فمن يعتلي سدّة الحكم والكرسي، أو من يكنس الشارع سواسيةٌ كأسنان المشط أمام سيادة القانون، فمن يخالف القانون أو يخدش المواطنين ويضيّق عليهم حرّيتهم عليه أن يمتثل للقانون ويطيع مواده وقوانينه. فكيف يرى فوليت ذلك؟

سيادة القانون هي المكون الرئيس للحرية. عندما يكون القانون فوق الحكومة، على الجميع أن يمتثل للقانون. من الضروري أن يطيع الناس قوانين الحريّة، وهو ما نراه أمراً خطراً في دولٍ عدّة كالولايات المتّحدة، وبولندا! في المملكة المتّحدة، توجد صحيفة: ديلي ميل، تهاجم كل خميس؛ لأنها لا يقع اختيارها. ينبغي أن نفهم أن هناك قضاة لم يتم اختيارهم، ولا يمكن أن نختار الجميع. هناك أناس أغبياء، وسذّج ولا يدركون مدى خطورة ما يحدث!

ماذا تعلم فوليت من تاريخ بلاده، ومن خلال خياله الذي نسج روايات تتحدث عن تواريخ عديدة في حياة المملكة المتحدة؟ أكبر خطأ ارتكبه البريطانيون حسب فوليت، هو خروجهم من الاتحاد الأوروبي، وسيأسف له المواطنون بعد وقت. هذا القرار جاء، بحسب فوليت، بناء على العواطف، مما سيضطر الأبناء والأحفاد عواقب هذا الأمر. يقول فوليت أن الأوروبيين لن يقبلوا بنا مرة أخرى، لكنّ الاتحاد الأوروبي سيرحّب بنا؛ لأنّنا سبّبنا لهم مشاكل عديدة! الآن بريطانيا، دولة تراقب نفسها. هذا ليس خطأ اقتصاديّاً، أو تجاريّاً، إنه خطأٌ روحيّ! الركود، هو أن تهتمّ بنفسك فقط. كان لزاماً علينا أن ننظر إلى مختلف الثقافات، والاختلاف حول العالم، وأن نهتمّ ونتقبّل الأدب في أماكن مختلفة؛ كذلك، الأزياء والفنّ في أماكن عديدة، علينا أن نتقبّلها هي الأخرى!

العالم الذي أتمتع به هو عالمي، وليست بريطانيا فقط، مع أن الكثيرين من البريطانيين لا يدركون ذلك. التّنوع أساسُ المتعة. بالنسبة لي فإنّ متعة الحياة تأتي عبر التنوع والاستمتاع به، مع أن بلادي تفعل عكس ذلك! يردّدون: لا نريد الأجانب، لا نريد شيئاً يأتينا من الخارج!" هذا خطأٌ كبير جدّاً!

القوميات والأيديولوجيات، هي أشياء سارت البشرية على نهجها في عصور مختلفة، تحقيقاً لرغبات الذات في الحكم وفي التسلّط وفي إبراز الذات وحضورها أمام العالم، لكن مع تقدّم الزمن أصبح من العبث التعويل عليها، خصوصا في القرن العشرين، فكيف يرى فوليت هذا الشي؟ فوليت يرى بأن القومية ليست سيئة بحالٍ من الأحوال في الماضي، فالدول الإفريقية نالتْ شرف استقلالها عبر القومية، وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانت شيئا جيّدا للبلدان التي خلعتْ عن نفسها ثوب الأمبراطوريّة. لكن الأمر الآن على العكس من ذلك، لايمكننا أن نكسب شيئاً بفضل القوميّة، ناهيك عن الخسارة التي ستجلبها لنا.

في روايته تناول فوليت قضية العبودية في إنكلترا، وهو أمر لا يهتم به المؤرخون في بريطانيا، ولا نجد له صدى للدراسة والبحث، ولا تتمّ مناقشته. من أين ينبع هذا النسيان لقضية عصفت بضمير البشرية خلال قرونها المظلمة؟ يجيب فوليت: إنهم يخجلون من ذلك، لا يريدون أن يروا بأن إنجلترا كانت في وقت من الأوقات مجتمعاً مكوّناً من العبيد. في جميع البلدان، إسبانيا، وإنجلترا، كانت العبوديّة حاضرة، وكلما كانت هناك عبوديّة، ازدادتْ وحشيّة البشر. المؤرخون لا يحبون ذلك؛ لأنهم لا يريدون سماع الأشياء السّيئة. [هنا يضحك فوليت.

كيف يرى فوليت قضية جورج فلويد، أو أعمال الشغب التي حدثت بأميركا، ما رأيه في حركة: حياة السود مهمة؟

فوليت، يقول عن نفسه أنه متورط في هذا الأمر، إذ لديه عائلة متألّفة من أعراق مختلفة، فأحفاده أميركيين من أصل أفريقي. أنا من أجل حياة السود المهمة، فهي حركة مهمة للغاية يجب أن تنال حُسن القَبول، لن يتم تنحيتها، أو إخفاؤها، كما أنّ النّاس لن يقبلوها. بالمناسبة يضيف فوليت: أن الشرطة الأميركية ليست هي الوحيدة عنصريّة. لقد عشتُ معظم حياتي في لندن، فالشرطة الإنجليزية هي الأخرى عنصريّة، كما أنّ الفرنسيّين عنصريّون كذلك! ليس لديّ فكرةٌ عما يحدث للشرطة، لكنّهم عنصريّون في كل دول العالم. لا أعلم ما الذي دفعهم لذلك، لكن ينبغي علينا أن نقف ضدّ العنصرية. أنا لست محايداً في هذا الأمر، أنا ممّن يؤيّد حركة السود مهمّة!

فوليت ممّن يؤيد هدم وإزالة تماثيل وآثار العبوديّة، فكولستون الذي كان يقوم بأعمال خيريّة، قد جنى أموالاً من تجارة العبيد، لكن الناس أزالت تمثاله في بريطانيا، وهذا ما يراه فوليت حقّا مشروعاً في إزالته على الرغم من أفعاله الحسنة. عند إقامة تمثال لبطل ما ينبغي أن يعلم السكان بذلك، وينبغي احترامهم؛ لأنّ التمثال يُوضع في مكانٍ عام. فالشخص الذي كانت سلالته تنحدرُ من العبيد يرى بأنّ ذلك إهانةٌ له، فكل يوم يمرّ به يشعر بأن ذلك جريمة في حقّه. كيف يمكن لهذا الشخص أن يكون له تمثال؟ كلّ تعاطفي.

هل نحن مسجونون سياسيّاً خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي؟ حين نتعرض لهجمات الكترونية كما جرى ج.ك رولينج بسبب آرءها بخصوص المثليّة الجنسيّة؟ عندما ندلي برأي في قضية سياسيّة ما، فإنّك ستتعرض لهجمات قد حيكتْ لك وغير منصفة إطلاقاً، كما يرى فوليت. حيث كان هو وزوجته منخرطين في العمل السياسي ببريطانيا بدعمهم لحزب العمال، تعرضوا خلال ذلك لهجماتٍ كيديّة، ومجحفة بحقّهم. المشكلة أن هذه الهجمات قد نشرت في الصحف، قالت الصحافة الكاثوليكية أن فوليت وزوجته مؤيدان للإجهاض، في الوقت الذي لم يكن لهم تأييد في الإجهاض. بالأحرى، يقول فوليت، إن النساء قررن أن لهن حق الإجهاض. هذا هو ثمن الأراء الذي ندفعه حين يتعلق الأمر بقضية سياسيّة. متأكّد فوليت من أنّ رولينج تعلم ذلك، وقد علمت قبل أن تقول رأيها، وكانت مستعدّة لتلقّي هذه الهجمات. لم أناقشها في ذلك، يقول فوليت، لكنّني على ثقة من ذلك.

أما من ينكر وجود الوباء، ويعتقدون في نظرية المؤامرة فإن فوليت يرى بأنّنا نواجه في كل أزمة أشخاصا يؤمنون بالخرافات والأوهام، ويتكاثرون حالياً مع الانترنت ويحيلونها في النهاية إلى مؤامرة ضدّهم. حيث وفّر لهم الانترنت وسيلةً لنشرها وللدفاع عنها. لكن مع ذلك يقول فوليت: ينبغي أن نتحلى بالعقلانيّة ونناقش الأشياء من وجهة نظر عقلانيّة. حيث ينفي أي مؤامرة حول كوفيد ١٩، وأنه قد صُنّع في مكانٍ ما. فهؤلاء الناس لديهم مشكلة؛ لأنهم لا يرون المعلومات والبيانات بشكل عقلاني. وهؤلاء لا يختفون على الساحة، هؤلاء، يقول فوليت، لديهم إيمان بالهلوسة! علينا أن ننتقد طرق تفكيرهم، حتى لا يتكاثروا من جديد.

عاش فوليت حياته خلال الحجر الصحي كالعادة. يقضي يومه في الكتابة، كما فعل منذ حوالي ٤٥ عاماً. الشيء الذي تغير هو وقت ما بعد الظهيرة. حيث يذهب إلى المسرح، ويتناول العشاء في مطعمٍ ما، ويرى قبل ذلك عائلته. وقد فرّق بينهم كورونا حالياً، حيث يعيش بقية أفراد عائلته في الولايات المتحدة، ولا يستطيع أن يذهب إليهم؛ فهذا أسوأ شيءٍ قد حدث له: عدم المقدرة على رؤية عائلتي.

ينتقد فوليت بشدّة إدارة الحكومات للأزمة. لقد كشفت هذه الأزمة عن الفارق بين الحكومات الجيدة، والسيئة، وهذا واضحٌ جدّا. هناك من أخبرني بأنّ الحكومات التي تديرها النساء قد عملت بشكلٍ صحيح، بينما الحكومات التي يديرها الرجال كانت فاشلة. أشعر بالخجل حيال هذا الأمر، مع أنه صحيح بالمرّة! في المملكة المتحدة لدينا رئيس وزراء سيئ في تعامله لإدارة الأزمة. لم يكن يدير شيئاً أبداً! على السياسيين أن يركزوا على إدارة الأشياء. نحن نسمع أحاديثهم وخطبهم، ولكننا لا نلقي بالاً لإدارتهم.السياسي يجب أن يقسم وقته ليكون ٩٠% في الإدارة. زوجتي عملت في الحكومة و ٩٠% كان الاهتمام بالإدارة لا بالجدل السياسي. واعتماداً على الأيديولوجية فإنهم يدارون بطريقة أخرى، المهم أن الإدارة ضرورية. الحكومات حول العالم وفي أوروبا هي حكومات فاشلة. فلنفترض أن هناك انتخابات مرة أخرى على ماذا نركّز؟ ليس على ما يقوله السياسيون، بل على قدرتهم على إدراة المشاكل التي تعجّ بها بلدانهم بكفاءة عالية.

ما نستفيده من تجربة كورونا علمياً وطبياً، ينبغي أن نتعلم من البيانات العلمية والمعرفة العلميّة، فلنتوقف عن سماع الأشخاص الذي يقولون كلاماً جميلاً، أولئك الذين لا يعرفون فعل شيءٍ ما. علينا الحذر في هذا الأمر. علينا أن ننصت لمن لديهم بيانات علمية ومنهج علمي واضح. الموت الأسود فتك بإبمان الناس بالكنيسة كمصدر للمساعدة الطبية، لقد ركز الأطبّاء على قضايا الطب والعلاج، وبدأ الطب كعلم حقيقي. آمل أن يكون الوباء تجربة نستفيدُ منها وأن نكون واثقين من العلم، ومؤمنين به.

وفي سؤالٍ له عن خروج البشريّة و العالم بشكلٍ لائق ومشرّف من هذه الأزمة العاصفة. حيث يثمّن فوليت هذا السؤال أولاً، ويقول: لا أعلم إن كنّا سنخرج من هذه الأزمة بشكل أفضل أم لا. لا فكرة لي عن هذا الأمر. ربما في نشر كتاب قادمٍ لي أعرف ذلك