حوار في بغداد مع أم كلثوم قبل 85 عاماً

حوار في بغداد مع أم كلثوم قبل 85 عاماً

ناصر جرجيس

في منتصف تشرين الثاني من عام 1932 زارت الانسة ام كلثوم بغداد بناء على دعوة من السيد عبد الجبار سبع صاحب مقهى الهلال لتحيي عشر حفلات وقد استقبلت سيدة الطرب بحفاوة بالغة من رجال الصحافة والادب وعشاق صوتها من المطار حتى مكان اقامتها.. وخصصت الصحف المحلية في اليوم الثاني من وصولها اعمدة خاصة كرستها للحديث عن الموقع الذي احتلته ام كلثوم في عالم الغناء والطرب.

قبلة الزهاوي!

وجاء في وصف احد الصحفيين للانسة ام كلثوم انها سمراء وضعت على رأسها عصابة بنية وسترت النصف الاسفل من وجهها بقطعة من القماش الشفاف وارتدت معطفا بني اللون كذلك ولغت رقبتها بفرو من اللون ذاته.

وفي ليلة الافتتاح القى الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي قصيدة خص بها الانسة ام كلثوم والتي قوطعت عدة مرات بالتصفيق الحاد من قبل المتفرجين الذين غصت بهم قاعة الملهى من كلا الجنسين وقد جاء فيها.

حملت ما يعجز الفتيان محمله

وما ابن عشرين فهو لابن سبعينا

وبعد الانتهاء من القاء قصيدته تقدم اليها وطبع على خدها قبلة فتعالى التصفيق في اجواء قاعة الملهى.

وكان السيد عبد الجبار سمع قد خصص جناحا خاصا للصحفيين ليستمعوا الى صوت ام كلثوم وكنت من بين الذين شهدوا حفلتها الثانية.

وفي فترة الاستراحة اجريت معها حوارا جاء فيه.

* لماذا سميت باسم ام كلثوم وانت لاتزالين انسة؟ اجابت:

- عندما ولدت وكان ذلك يوم 31 كانون الاول من عام 1908 اختار لي والدي الشيخ ابراهيم هذا الاسم تيمنا باسم احدى بنات النبي محمد (صلعم) وقد صادف يوم مولدي ليلة القدر 17 رمضان المبارك.

* واين تلقيت تحصيلك العلمي؟

- عندما بلفت الخامسة من العمر ادخلني والدي عند كتاب، الشيخ عبد العزيز حسن بقريتنا مع شقيقي خالد لأتعلم قراءة القرآن الكريم، ثم التحقت بمدرسة الشيخ ابراهيم جمعة مع اخي ايضا في (عزبة الموال بالسنبلاوين).

وجها لوجه مع الجمهور

* وكيف كانت تجربتك الاولى؟

- كان ابي يأخذ بيدي ويذهب بي الى الموالد والافراح بعد ان انصت الي مرة وانا اردد اناشيد اخي خالد فسحره صوتي وشجعني على الاستمرار في الغناء وفي احدى الليالي كان والدي قد تعاقد على احياء حفلة ينشد فيها اخي باحد افراح القرية وصادف ان مرض ولم يتمكن من تقديم حفلته فطلب مني والدي ان اقوم بالمهمة فرحبت بذلك فانشدت وغنيت حتى اكملت هذه الحفلة على احسن ما يرام حتى ان جميع الحاضرين كانوا قد اخذتهم نشوة الطرب.

ومرت الايام والاشهر والاعوام وانا انشد في الحفلات الواحدة بعد الاخرى وكانت اول حفلة عامة تقاضيت عنها جنيها واحدا عندما غنيت في احدى السرادق وكان الدخول اليها بالبطاقات.

* وماذا بعد ذلك؟

- ذاعت شهرتي وانتشرت في ريف مصر حتى امتدت الى حواضره

رحلة الى القاهرة

* وماذا عن رحلتك الى القاهرة؟

- في عام 1921 تعاقد والدي مع احد وجهاء القاهرة لاحيي حفلة في بيته لمناسبة زفاف ابنته ففرحت عندما عرفت اني ساغني في القاهرة التي كنت احلم بها وتحقق حلمي ونجحت حفلتي هناك.

ولدت ليلة القدر

* وكيف امتلكت هذه الموهبة الصوتية؟

- كان شقيقي خالد منذ حداثته مشهورا بحلاوة الصوت، ويغني في المواليد والاعياد وحفلات الريفيين وينشد مع والدي القصائد الدينية وكنت انصت الى اخي عندما يتمرن على اداء اناشيده في البيت واعتدت الجلوس في احدى زوايا الغرفة لاسترق السمع اليه والتقط باذني النغمات الموسيقية السليمة حتى حفظت اغلب اناشيده واغانيه.

وفي هذه الحفلة تعرفت على الشيخ محمد محمود والشيخ علي القصبجي والد الموسيقار محمد القصبجي والشيخ ابو زيد والذي تعاقد معي على الغناء حضرت الىالقاهرة ثانية وغنيت (وحقك انت المنى والطلب) و(افديه ان حفظ الهوى او ضيعه) و(امانا ايها القمر المطل) و(غيري على السلوان قادر).

ثم تعرفت على ملحن هو طبيب الاسنان احمد صبري النجريدي الذي لحن لي قصيدة (مالي فتنت بلحظك الفتان) وهي من نظم علي الجارم فغنيتها كما تعلمت على يده العزف على العود فكنت اعزف واغني وانا جالسة مع فرقتي الموسيقية.

وبعد ذلك تركت العزف وبدأت اغني وانا واقفة بدلا من الجلوس وفي عام 1926 - تقول ام كلثوم - عرض علي مصطفى رضا رئيس المعهد الموسيقي تاليف فرقة موسيقية يشترك فيها معي عدد من العازفين منهم محمد العقاد الكبير بالقانون ومحمد القصبجي بالعود وشادي شوا بالكمان ومحمود رحمي بالرق.

شعب يحب الطرب

* هل تذكرين موسمك الغنائي الاول؟

- اديت موسمي الاول على مسرح دار التمثيل العربي الذي كانت تغني فيه المطربة منيرة المهدية واذكر انني غنيت (ان كنت اسامح) وهي من نظم احمد رامي وتلحين القصبجي فاحدثت هذه الاغنية انقلابا في عالم الطرب انذاك وتوالت حفلاتي ومواسمي الغنائية.

* يبقى سؤال كيف وجدت بغداد وشعب العراق؟

- بغداد مدينة جميلة واجمل ما فيها شعبها المضياف الذي يحب الطرب والكيف ودليلي على ذلك قصيدة الزهاوي التي حياني فيها.

الزراعة العربية

12 كانون الثاني / 1998