العراق والقضية الفلسطينية.. الملكة عالية والحرب في فلسطين عام 1948

العراق والقضية الفلسطينية.. الملكة عالية والحرب في فلسطين عام 1948

قاسم حلو الغرابي

لقد كان دور الملكة عالية في الحرب العربية – الصهيونية في فلسطين 1948 واضحا إذ هزت نكبة فلسطين كيان العرب وحركت ضمائر ابنائها على اختلاف انتماءاتهم هزاً عنيفا فكان على ملوك العرب ورؤساء الجمهوريات في بلادهم و المسؤولين عن الحكم فيها ان يعيروا هذه الحالة النفسية اعظم الاهتمام فيتلافوا ما فات.

وسيبقى العام 1948 من الاعوام التي يتذكرها العراقيون دوما لسببين مهمين الاول هو انه في اواخر كانون الثاني تمكن الشعب وبعد سلسلة من اعمال العنف الواسعة النطاق والتي شملت العاصمة بغداد وبدرجة اخف بعض الالوية من افشال واسقاط اتفاقية بورتسموث التي وقعها رئيس الوزراء صالح جبر في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر في بناء مدينة بورتسموث في جنوب بريطانيا وكما مر بنا سابقاً.

اما الحدث الاخر البالغ الاهمية هو وقوع الحرب العربية – الاسرائيلية التي اشترك فيها الجيش العراقي من اجل انقاذ فلسطين من الضياع وفي ظلاجواء كانت مليئة بالتآمر على القضية داخل الاسرة العربية حيث كان العرب يقاتلون بعضهم البعض قبل مقاتلة عدوهم المشترك وتمثل قضية فلسطين احدى مأسي التاريخ العربي والتي وقع ظلمها على العرب عامة وعلى شعب فلسطين خاصة من خلال تغلغل الصهيونية وهي حركة استعمارية استيطانية وقد كانت خيبتنا في فلسطين واصبح اهتمام العراق حكومة وشعبا موجها في تلك الآونة بصفة خاصة الى قضية فلسطين.

لبيان موقف الملكة عالية من حرب فلسطين فنشير الى ان فلسطين هي تحتل مكانة ومنزلة كبيرة في قلب الملكة عالية وأظهرت تناغما في سبيلها وكان ذلك نابعاً من شعورها القوميإذ ادركت ان ما ينشأ عن ضياع فلسطين وقيام دولة الكيان الصهيوني من خطر ماحق يزعزع كيان الدولة العربية ويهدد وجود العرب وانهيار سيادتهم وضياع كرامتهم لذلك وقفت بصلابة – تجاه كل خطوة تؤدي الى ضياعها متأثرة بصلابة جدها الملك حسين الذي اصر حتى اللحظات الأخيرة من عمره وهو يدعوا الى حقوق العرب في فلسطين و لا يتساهل ازاءها قيد شعره فكانت خير حفيدة تسير على خطى جدها في الدفاع عن فلسطين والذود عن عروبتها فما ان بدأت حرب تحرير فلسطين التي شاركت فيها الجيوش العربية كان الجيش العراقي من بينها في ايار 1948 حتى توجهت الى الارض العربية الفلسطينية لمناصرة الجيوش العربية ورفع مستويات الجيش العراقي الذي يخوض معركة الشرف.

وكانت الملكة عالية تتابع معارك الجيوش العربية منذ اندلاعها من خلال الاذاعة حتى انها وضعت خريطة كبيرة لفلسطين لتتمكن من معرفة سير المعارك مع الصهاينة فتفرح لاخبار النصر الذي تحققه الجيوش العربية وتحزن اذا ما تراجع في هذه المعارك وكان تعقبها الأخبار الوقائع الحربية في فلسطين يضطرها للسهر – أحيانا - لما بعد منتصف الليل وبعد أن تنجز بعض الفروض تتلو في كتاب الله العزيز سائلة الله ان ينصر العرب في هذه المحنة وكم كان سرورها كبيرا وعظيما عندما حقق الجيش العراقي انتصاره على الصهاينة في معركة (جنين) بقيادة القائد العراقي المقدم الركن عمر علي حتى انها لم تتمالك فرحتها من ان تخبر عن طريق الهاتف ابنها الملك فيصل الذي كان يدرس في كليته في لندن خبر هذا النصر الكبير الذي احرزته القوات العراقية الباسلة فأجابها وهو مسروراً بأنه هو الاخر كان يتابع سير المعارك من الاذاعات مع زملائه الطلبة في الكلية. ولم تكتفي بذلك ورحى الحرب تدور على الارض المقدسة بل الأكثر من ذلك شدت رحالها للذهاب الى ساحة القتال وارتأت بأنه الأفضل لها ان تترك ولدها الملك فيصل في لندن وتقصد ميدان الحرب حيث سبقها شقيقها الامير عبد الاله على راس القوات العراقيةالا ان شقيقتها الاميرة عابدية انذرتها بأنها لا تتحمل مسؤولية العناية بجلالة الملك فيصل وبالرغم من ذلك حزمت الملكة عالية أمرها غير مبالية بموقف شقيقتها الاميرة عابدية وفي أول خطوة طلبت الى الفرع النسائي لجمعية الهلال الاحمر العراقية وهي في لندن ان يقوم بمبادراته وضمن اطار الواجب القومي والإنساني لدعم الجيش العراقي هو يقاتل الصهاينة في أرض فلسطين وأوفد بعثة خاصة الى ميدان الحرب ثم أبرقت الى هيئة الفروع الادارية من لندن بأنها على اتم الاستعداد لأداء واجبها حتى لو تطلب الأمر أن تترك ولدها الوحيد في لندن وحده وتتوجه الى بغداد وحينما وصلت اعلنت عن نيتها السفر الى الجبهة فورا وخاطبت نساء العراق من لديها القدرة والرغبة في السفر الى ميدان القتال لرفع مستويات المقاتلين وشدد أزرهم فاستجابت لها عدد كبير من السيدات المتطوعات وذهبن الى ساحة الحرب وسافر الركب وعلى رأسهم الملكة عالية الى الأردن وفلسطين وهناك التقت شقيقها الأمير عبد الأله وزارت أغلب المدن متنقلة بين المستشفيات تتفقد الجرحى وتخفف عن المصابين الآمهم وتقوي روح المجاهدين المعنوية وتحث القائمين على خدمتهم وعلاجهم بالاهتمام العالي بهم.

كما قامت بتقديم المساعدات الانسانية من خلال زيارتها لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وغمرتهم بكرمها واحسانها، وخففت الام النساء منهم والاطفال الذين تشردوا في العراق كما تجولت في خطوط القتال تشجع المقاتلين وتثير الهمم فهم على الصمود ومواصلة الدفاع عن هذه الارض العربية المقدسة من براثم الصهاينة المحتلين ولم تقف عند هذا الحد فقد ترأست الجمعيات النسائية التي تكلفت بمساعدة الجيش العراقي وإغاثة منكوبي الحرب الفلسطينية وقد اثنى على نشاطها الذي يشمل الجبهة كلها بدون كلل أو ملل المجاهد الفلسطيني سليم عبد الرحمن بما نصه:" لم يبق انسان في ديار فلسطين والأردن بعد المأثر الجليلة التي قامت بها الملكة عالية إلا وحفظ لملكة العراق اسمى آيات الأجلال والإكبار وغدت الملكة المثل الأعلى لعمل الخير والانسانية".

وبعد أن أكملت زيارتها وقامت بواجبها على أكمل وجه عادت الى بغداد فلقيت تلك الزيارة صدى كبير في أوساط الشعب العراقي وعكست مبادرتها شعوراً طيباً تجاه الوطن الكبير الذي لا تفصله سوى الحدود المصطنعة وعبرت عما يجول بخاطرها وتفكيرها وإحساسها بالمسؤولية وأن كانت خارج السلطة وفي حديث لشقيقها الوصي عبد الأله جرى مع نوري السعيد حولها قال"أن تقاليدنا وطريقة حياتنا في العراق والأقطار العربية بأسرها حالت من دون انتفاعنا بكفاية من هذه السيدة الموهوبة ولو كان من الممكن ان تتولى العرش بعد زواجها من الملك غازي الأول لبرزت شخصيتها في هذا المجال عندما تتاح لها الفرصة الكاملة لأداء واجباتها اتجاه الوطن ولتصبح في مصاف اشهر الملكات التي تحك بلدانها

وتثمينا للجهود والخدمات التي قامت بها الملكة عالية في فلسطين فقد أصدرت الحكومة العراقية أمراً وزارياً نص على تكريم الملكة بتسمية لواء المشاة الرابع الذي كان له دور بطولي في تلك الحرب بلواء الملكة عالية.

عن رسالة (الملكة عالية سيرتها ونشاطها الاجتماعي في العراق 1911-1950).