ماري كوري..أول حائزة على  نوبل  وضحيّة شغفها بالعلم

ماري كوري..أول حائزة على نوبل وضحيّة شغفها بالعلم

مدى شلبك

تحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم، الذي يصادف 11 فبراير من كل عام، ويهدف إلى ربط المجتمع الدولي بالمرأة والفتاة في مجال العلوم، ويركِّز على ما تضطلع به المرأة والفتاة والعلوم من دورٍ، فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة.

ومع أن التفاوت بين الجنسين في جميع مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة، وتخصصات الرياضيات، لا يزال قائماً في كل أنحاء العالم، بحسب الأمم المتحدة، فإن عالماتٍ ومخترعات سطّرن قصص نجاح بارزة، لعل أشهرهن العالمة الفرنسية بولندية المولد، ماري كوري، التي سخّرت حياتها وصحتها في سبيل العلم.

إصرار على التعلم

ولدت ماري كوري (ماري سكلودوفسكا عند الولادة) عام 1867م في وارسو في بولندا التي كانت جزءاً من روسيا القيصرية، حيث لم يكن التعليم العالي متاحاً للنساء، إلا أن ماري ولدت لأبوين كانا مدرسين، وشجعا أبناءهما على التعلّم، كما تلقت تدريباً علمياً على يد والدها، لذلك أرادت ماري دراسة الطب في باريس، فانتقلت إليها عام 1891م، والتحقت بجامعة السوربون بدعمٍ من أختها برونيا، ودرست الكيمياء والرياضيات والفيزياء.

ماري كوري مع والدها وشقيقتيها- Association Curie Joliot-Curie

وخلال مرحلتها الجامعية في فرنسا، التقت ماري بعلماء وفيزيائيين معروفين، وكانت تعمل بشكلٍ مكثف في حجرة الطلاب، وحصلت على المرتبة الأولى في تخصص العلوم الفيزيائية في عام 1893م، ثم على المركز الثاني في تخصص العلوم الرياضية عام 1894م.

وعملت ماري أثناء مرحلة الدراسة الجامعية في مختبر أبحاث كان يشرف عليه العالم الفرنسي بيير كوري، زوج ماري المستقبلي، وشريكها في العمل المخبري والاكتشافات، وقد جمع العلم الزوجين، وكانت بينهما هواية مشتركة بعيدة عن المختبرات لكنها قريبة من الفيزياء؛ وهي ركوب الدراجات الهوائية. فبعد زواجهما عام 1895م، اشتريا بالأموال التي تلقوها -كهدية زفاف- دراجاتٍ!

البحث في المواد المشعة

يُنسب لماري فضل كبير في فهم النشاط الإشعاعي، فقد ألهمها اكتشاف الفيزيائي الفرنسي هنري بيكريل النشاط الإشعاعي في اليورانيوم صدفة عام 1896م، للبحث في تلك الظاهرة، ففي سياق أطروحتها للدكتوراة، قامت برفقة زوجها بفحص ودراسة العديد من المواد والمعادن، بحثاً عن علامات النشاط الإشعاعي.

وبعد عامين من التجريب والتحقّق، في ظروفٍ معملية صعبة ومحدودة، وجد الزوجان أن معدن اليورانينيت كان أكثر إشعاعاً من اليورانيوم بـ 400 مرة، كما اكتشفا عنصرين غير معروفين سابقاً؛ البولونيوم، وأعطته ماري اسمه تيمناً باسم وطنها بولندا، والراديوم، وكلاهما كان أكثر إشعاعاً من اليورانيوم.

ماري وبيير كوري وهنري بيكريل- مجموعة ويلكوم

وعلى إثر اكتشافهما تقاسم الزوجان جائزة نوبل في الفيزياء مع بيكريل في عام 1903م، وكانت ماري بذلك أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، علماً بأن الأكاديميين الفرنسيين اقترحوا بيير وهنري بيكريل لنيل الجائزة فقط، لكن بيير أصر على إشراك زوجته بالجائزة. كما نال الزوجان، ميدالية ديفي للجمعية الملكية تقديراً لاكتشافهما. وحصلت ماري على درجة الدكتوراه في العلوم، وكانت بذلك أول امرأة في فرنسا تحصل على درجة الدكتوراه.

ماري منفردة

توفي بيير في حادث سيرٍ مأسوي عام 1906م، وكان لوفاته وقع كبير على زوجته، التي وصفت علاقتهما قائلة: "كرّس بيير حياته لتحقيق حلمه بالعلم: لقد شعر بالحاجة إلى رفيق يعيش معه حلمه". وأكملت ماري عملها المخبري منفردة، وعُينت أستاذة بدلاً من زوجها الراحل في جامعة السوربون، لتصبح بذلك أول أستاذة في الجامعة.

وحصلت ماري على جائزة نوبل للمرة الثانية، وفي عام 1911م، لكن في الكيمياء هذه المرة، لعزلها الراديوم باستخدام تقنيات اخترعتها لعزل النظائر المشعة، وكانت في ذلك الوقت الشخص الوحيد الذي يحصل على جائزة نوبل مرتين.

كان حلم ماري أن يُستخدم الإشعاع في الطب، فسخّرت معرفتها في التصوير الإشعاعي، بمساعدة ابنتها إيرين، لإنشاء وحدات أشعة سينية متنقلة، عرفت باسمPetites Curies" "، خلال الحرب العالمية الأولى، ما مكن الأطباء في الميدان من تشخيص الإصابات بشكلٍ أدق وأسرع.

الاستمرارية بعد المرض

نتيجة لتعرضها المكثف للأطنان من المواد المشعة في أماكن سيئة التهوية لعقود، أصيبت ماري بسرطان الدم، فقد عانت من أعراضٍ مثل آلام في العضلات، وفقر دم، وإعتام عدسة العين، في وقت لم يكن تأثير الإشعاع على الصحة معروفاً، حتى أن كتبها وأوراقها لا زالت إلى الآن مخزّنة في صناديق من الرصاص نتيجة لمدى إشعاعيتها!

وشهدت ماري افتتاح معهد الراديوم للفيزياء والكيمياء النووية، التابع لجامعة باريس في عام 1918م، (سمي لاحقا بمعهد كوري)، وأصبحت مديرة "مختبر كوري" في المعهد، كما انضمت لها ابنتها إيرين، التي سارت على خطى والديها، ففي عام 1935م، شاركت هي وزوجها فريديريك جوليو جائزة نوبل في الكيمياء؛ لاكتشافهما النشاط الإشعاعي الاصطناعي.

وكانت العشرينات مرحلة ذهبية بالنسبة لماري، فقد أصبحت عضواً في أكاديمية الطب، وركزت على دراسة المواد المشعة وتطبيقاتها الطبية، وهو موضوع شغل جلَّ اهتمامها. وحازت ماري على العديد من الشهادات الفخرية في العلوم والطب والقانون والعضوية الفخرية في الجمعيات العلمية في جميع أنحاء العالم، كما قدم لها رئيس الولايات المتحدة وارن جي. هاردينغ، نيابة عن نساء أمريكا، جراماً واحداً من الراديوم تقديراً لجهودها.

توفيت ماري في 4 يوليو 1934م عن عمر ناهز 66 عاماً بعد سنواتٍ من التعرض للمواد المشعة، وتم دفن رفاتها وزوجها في مبنى البانثيون في باريس؛ وهو ضريح مخصص للمفكرين الفرنسيين البارزين عام 1995م، وكانت ثاني امرأة تحصل على هذا التكريم، وأول امرأة تحصل عليه بفضل إنجازاتها الخاصة.

عن: كيو بوست