صلاح جاهين.. أكبر قدر من الوطنية

صلاح جاهين.. أكبر قدر من الوطنية

علي حسين

بنى صلاح جاهين لنفسه اهرامات من القصائد التي تغنت بالثورة والفقراء، يذهب الحكام ويبقى الحكماء وكان صلاح جاهين واحدا من حكماء مصر، يجلس على ناصية الطريق يتامل الناس، يدقق في وجوههم، يسالهم عن احلامهم، يصغي الى امانيهم، حكاياتهم وامالهم، يرسم همومهم وافراحهم، ثم يبدا يدون سيرة هذا الوطن من خلال اشعار تغنت بالفجر البهي القادم على الأفق.

لم تكن فى كلماته أية ظلال لافتعال سياسي، لم يكتب جاهين شعارات باردة جوفاء بل استطاع ان يغوص فى اعماق الانسان المصرى المتطلع الى عالم أفضل ليستخرج منه بكلمات عامية بسيطة وبليغة، أجمل ما فيه من أغنيات وقصائد راح ينثر بها البهجة والفرح في قلبه المتفائل المحب للحياة فتتحول عبر شاعريته الأصيلة الى أناشيد للفرح والحب

يا عندليب ماتخافش من غنوتك

قول شكوتك واحكي على بلوتك

الغنوه مش حتموتك.

إنماكتم الغنا هو اللي ح يموتك

في العام 1955 يصدر صلاح جاهين ديوانه الاول"كلمة سلام"ليضعه في مصاف شعراء العامية الكبار، فيكتب عنه احد النقاد"نحن امام شاعر عمره خمسة الاف عام"فيبدأ منذ ذلك التاريخ بالعمل على بتشكيل الذائقة الوجدانية لجيل الثورة بأكمله، شعراء وفقراء وبسطاء وعمالا وفلاحين وموظفين وعاشقين وحالمين. مترجما مشاعر وأحلام وأفراح ملايين المصريين الى كلمات حية متوثبة مليئة بالدفء والزهو والنشوة.

ولد صلاح جاهين في زمن كان العمالقة فيه يتجولون في شوارع مصر ويجلسون على مقاهيها، طه حسين والعقاد وسلامة موسى و نجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب وام كاثوم واحمد شوقي، فما ان كبر الفتى حتى اصغى اليهم، جاورهم وجاوروه، كان جاهين من جيل أفنى حياته في التفكير والحياة وحب الناس،واحدا ممن اضاءوا دروب مصر اكثر مما اضاءتها مصابيح الشوارع،

عاش وهو يضع اماه ورقة كتب عليها هذه السطور

" أكبر قدر من المصرية

أكبر قدر من البساطة

أكبر قدر من السعادة "

هذه الايام يتذكر المصريون وعبقريّهم الاثير الذي ابدع وادهش ورسم وغنى لوطنه كما لم يغن شاعر من قبل، العبقري الذي يتفق الجميع على ان مكل ما تركه اشعاره، اغنياته، مسرحياته، افلامه، رسومه، تمثل نبلض الشعب المصري

ياعندليب ماتخافش من غنوتك

قول شكوتك واحكى على بلوتك

الغنوه مش حتموتك...... إنما

كتم الغنا هو اللى ح يموتك

كتب صلاح جاهين اكثر من « مائة واحدى عشرة « رباعية، تمثل كل منها خكمة مضيئة، يطالعنا من خلالها وجه الشاعر الذي احب وطنه، ليؤكد لنا ان الاوطان هي كنز الشعر بالنسبة له ، كنز يعود إليه ويغرف منه متى شاء. ولهذا يرى المتابع لتجربة صلاح جاهين الشعرية بان الشاعر يحاول دائما الامساك بلحظة التوحد مع الوطن ، ولا شك ان أي قارئ لدواوين صلاح جاهين المتلاحقة على مدى مسيرته الشعرية سوف يلفت انتباهه على الفور ان الحلم بوطن جميل معافى يقف بديلاً لعالم اليأس الذي احاط به اخر ايام حياته والذي جعله يكتب

أدي اللي كان، وآدي القدر وآدي المصير

نودع الماضي.. وحلمه الكبير

نودع الأفراح... نودع الأشجان

راح إللي راح ومعدش فاضل كتير

اجهضت هزيمة 1967 احلام الشاعر، فقرر ان يدير ظهره للحياة ليرحل عام 1986