كوكس والزائدة الدودية

كوكس والزائدة الدودية

عبد الأمير البدران
ارتأيت من الأنسب ذكر هذه الحادثة الطبية الغريبة التي جرت للملك وهو يحتفل بعيد تتويجه في الثالث والعشرين من آب 1921.
ففي ذلك اليوم حضر المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس، ومعه كبار الشخصيات البريطانية الي البلاط لزيارة الملك، والتبريك له لمناسبة التتويج فسمع اثناء مروره وهو علي السلم المؤدي الي غرفة الاستقبال الشاعر مهدي البصير يخاطب الجماهير المحتشدة من الشرفة متحاملاً علي السياسة البريطانية والحكومة ومندداً بمعاهدة الانتداب مما جعل احد الحاضرين ضمن الحشود المعارضة يهتف:

(يسقط الانتداب ، تسقط انكلترا) فعند ذلك عد المندوب السامي ان هذا اهانة له شخصياً والي حكومته ، وعندما رجع الي مقره ارسل في اليوم الثاني مذكرة شديدة اللهجة الي الملك طالبه فيها بالاعتذار عن الاهانة التي نسبت الى ممثل صاحب الجلالة البريطانية ، وطالب كذلك بطرد سكرتير الملك فهمي المدرس الذي كان هو المسؤول رسمياً ، وطلب ايضاً بياناً عن الاجراءات التي ينوي الملك اجراءها.
ومن الغريب ان الملك مرض يوم تتويجه مرضاً حال دون خروجه من قصره ، فإذا بالاطباء البريطانيين ينصحونه بوجوب اجراء عملية استئصال" الزائدة الدودية " ربما كان ذلك يعني استئصال الوطنيين المعارضين للمعاهدة " وحذروه من تأخير الشروع بها فوراً ، وإختلفت الاراء في هذه المفاجأة غير السارة التي حدثت في مناسبة سارة فمن قائل بأن الانكليز اضطروا الملك الي التمارض. واخر يقول ان الاطباء بإيعاز من الساسة الانكليز أوصوا باجراء العملية ، وبالفعل كان اختيار تلك الايام والاحداث العصيبة لاجراء العملية ، واستغلال المندوب السامي تلك الفرصة للقضاء علي المعارضة الوطنية للمعاهدة يدل دلالة اكيدة علي ان اصابع انكليزية كان لها اثر كبير في مرض الملك واجراء العملية ليخلو الجو للمندوب السامي لقمع المعارضة الشعبية والوطنية العارمة لمعاهدة الانتداب، ولهذا انتهز برسي كوكس فرصة مرض الملك وقام بزيارته قبل اجراء العملية بساعتين، وحاول اقناعه بأن يحرر نفسه من هؤلاء المعارضين، وينحاز علناً الي بريطانيا، او يتحمل النتائج التي قد تصل اليها المملكة الفتية، كما انتهز فرصة عدم وجود مجلس وزراء وامر الملك بالقبض علي قادة المعارضة، لكن الملك رفض كل تلك المطالب والاملاءات وبينما كان الملك بين أيدي الاطباء الجراحين تقدم اليه برسي كوكس وطلب منه ان يوقع علي الامر الصادر علي الزعماء العراقيين ونفيهم ، لكن الملك لم يجبه الي طلبه، ولما الح عليه المندوب السامي إجابه بهدوء ووقار: (بعد دقائق قليلة اكون بين هؤلاء الاطباء، وقد لا اعود من غيبتي الي الحياة، فهل تطلب مني ياسيد برسي كوكس ان يكون هذا الامر آخر اعمالي في هذه الدنيا، وهل تنتظر مني ان أنفي هؤلاء الناس من بلادهم قبل موتي ؟ لا والله انه غير ممكن ... وغير ممكن).

ذات صلة