يوسف العاني.. مليونير بحبّ الناس

يوسف العاني.. مليونير بحبّ الناس

ميسلون هادي
أستعيد هذا العنوان لمقالة قديمة نشرتها في مجلة ألف باء عن الفنان الكبير يوسف العاني، ولا أتذكر مناسبة المقالة لأن زمانها بعيد وأنا أيضاً بعيدة، ولكني أرجّح أنها كانت بمناسبة تكريمه في أحد مهرجانات المسرح العربية في فترة التسعينات.

الأخبار وحدها هي التي لم تعد بعيدة، فترددت مزعجة ومثيرة للقلق حول صحة فناننا الكبير يوسف العاني، جعلتني أستعيد تلك الأيام الجميلة التي لم تغادر البال أو الذاكرة قط، عندما كان الفنان يوسف العاني يسكن قريباً من المجلة، ويزور ها بين يوم وآخر بحكم كتابته للكثير من المقالات فيها.. فكانت زياراته تلك للمجلة هي مصدر بهجة لجميع العاملين فيها، وكنت أمازحه حول ذلك بالقول،إن الناس يدفعون الكثير من النقود لحضور مسرحياتك ومشاهدتك فيها، ونحن نراك هنا كل يوم بدون مقابل.. فيالنا من محظوظين.
وليست رؤية (أبو وسن) وحدها هي التي كانت تستحق منا أغلى الأثمان، ولا تحيته الشهيرة ذات المذاق البغدادي العذب(صباح الخير والسرور)، ولكن ثمة جوانب كثيرة فيه، وفي شخصيته الجميلة تستحق أن تجمع حوله الصغير والكبير، وأن تجذب إليها العقول قبل القلوب، فقد كان يوسف العاني مميزاً بأناقته المفرطة، وتهذيبه الرفيع في السلوك والحديث، كل ذلك تتوجهه ضحكة متفائلة، وروح مرحة ساخرة، وخفة ظل منحته الكارزما التي اشتهر بها بين الناس، والتي يندر أن يحظى بها فنان عراقي معاصر لهذا الردح الطويل من الزمن..
وإذا كانت الملايين تقاس بالقلوب لا بالفلوس، فقد كان يوسف العاني فعلاً مليونيراً بحب الناس له ولفنه الراقي الرصين.. إذ لم يشمل جمهوره الواسع من العراقيين، معجبيه من ملايين الناس الذين وجدوا فيه رمزاً من رموزهم الوطنية حسب، ولكنه كان يشمل أيضاً شريحة واسعة من الأصدقاء المقربين الذين تتسع دائرة اختصاصاتهم ومناصبهم من أهل النخبة إلى الفقراء، فكان بينهم الرسام الكبير، والطبيب المشهور، والفنان العالمي، وأيضاً السمّاك، والبلّام، وصاحب المقهى.. وإذا ما فكر باستلهام هذه الشخصيات في عمل مسرحي، فقد كان ينشب قلمه في شريحة الناس البسطاء فقط، ليحبك أغلب شخصياته المسرحية من حيواتهم وهمومهم ومشاكلهم، وبعضهم أو جلّهم أصدقاء له كان يلتقي بهم في جولته اليومية على الأقدام بين محلات الكرخ القديمة التي نشأ فيها، وعاش شبابه مع ناسها، ونوارسها، وشرائعها المطلة على نهر دجلة...
حيويته تجعله في حضور دائم للملتقيات والندوات والمهرجانات العربية والعالمية، وكان زميلنا العزيز عبد الستار البيضاني غالبا ما يستقبل يوسف العاني بالممازحة والمعاكسات حول ذلك، فيضحك له يوسف العاني، ثم يضع معطفه الكحلي الأنيق وبيريته على الكرسي، ويجيبه بمزحة شعبية يقولها بلا أي تصنع، ثم يذهب حاملاً كلمة الافتتاح التي سيلقيها في المهرجان، لكي تترجمها ابتسام إلى الإنكليزية، بعد أن يقول لها طبعاً:
- صباح الخير والسرور.
أتذكر أيضاً أنه امتدح ذات يوم مذاق (القيمة) التي كانت السيدة زوجة الفنان مقداد عبد الرضا، تطبخها وتوزعها على جيرانها في الحي، فأقول لنفسي يالها من جيرة حلوة تلك التي كانت تجمع الكثير من الفنانين مع فنان كبير كيوسف العاني... وياله من حظ جميل أننا كنا في دائرة تلك الجيرة الملائكية..