بوب ديلان..  صوت الشباب الثائر

بوب ديلان.. صوت الشباب الثائر

ترجمة وتقديم: د. ماجد الحيدر
بوب ديلان Bob Dylan((((واسمه الحقيقي روبرت تسيمرمان) مغنٍ وملحن وشاعر أمريكي حاز على شهرة عالمية عظيمة وخصوصاً في أوساط الشباب والمثقفين والطبقة العاملة. ولد عام1941 في بلدة صغيرة بولاية مينوسوتا قرب الحدود مع كندا لأبوين من المهاجرين اليهود من أوكرانيا، تعلم العزف على الغيتار وهو طفل صغير وتحول الي عازف محترف علي الغيتار والهارمونيكا قبل أن يصل الثامنة عشرة من العمر.

كان أول ظهور له كعازف ومغن في عام 1955حين شارك في حفلات موسيقية بمصاحبة فرقة متخصصة في الموسيقى الفولكلورية مكونة من أربعة من الشبان، لكنه لم يلبث أن ضاق ذرعا بالحياة في المدينة الصغيرة والغناء في البارات والمقاهي الرخيصة فانتقل عام 1961 الى نيويورك التي كانت آنذاك مدينة تزدحم بالنوادي التي تعج بحفلات الموسيقي الفولكلورية، فلاحظ على الفور أن غالبية المغنين فيها يكتفون بإعادة أداء الأغاني الفولكلورية القديمة أو في أحسن الأحوال تأليف أغان جديدة علي منوال ايقاعات معروفة سلفا. لكن الموسيقي في نيويورك آنذاك كانت تعيش أيضا علي ايقاع حيوية ثقافية صاخبة بفضل شعراء وكتاب حركة البتنيكس الذين كانوا ينظمون قراءاتهم في نوادي الجاز، فلم يلبث أن تعرف على أكثرهم، خاصة "آلن غينسبرغ" الذي رأى فيه منذ اللقاء الأول بذور عبقرية موسيقية جديدة وشجعه علي كتابة نصوص أغانيه وإغنائها بمضامين ثورية احتجاجية. وهناك تعرف أيضاً على مطربه المفضل "ودي جوثري" الذي كان يتميز عن بقية المغنيين بدفاعه عن الطبقات العمالية والمضطهدين. وهكذا من حفلة لأخرى سحر هذا الشاب الخجول الناسَ بصوته الجامح المسكون بنبرة حزن موجعة وبأغانيه التي تروي شجون الحياة اليومية عبر قصص قصيرة ومكثفة تحكي انكسارات وأحزان المواطن الأمريكي العادي، وإذا به، وفي غضون عام واحد، يكتسب شهرة متعاظمة، ليقوم في العام التالي بتغيير اسمه الي بوب ديلان تيمنا بالشاعر توماس ديلان وتزامنا مع إصدار ألبومه الأول الذي لقي نجاحا كبيرا علي الفور وضم أغانيه الأكثر شهرة حتى الساعة.
لا يمكن فهم صعود نجم ديلان من دون ربطه بالسياق الثقافي والسياسي العام الذي بزغ فيه نجمه؛ فقد كان عصره عصر الحرب الباردة وحركات الاحتجاج الشبابية الكبرى على سباق التسلح وحرب فيتنام واضطهاد السود كما كان عصر التحول الى موسيقى الروك التي صارت اللون الموسيقي الأكثر جدة وانتشاراً والتصاقاً بهموم وتطلعات الشباب الأمريكي، وابتداء من 1964 تحول ديلان الي العزف علي الغيتار الكهربائي منتقلا من الموسيقي الفولكلورية الي الروك، ويؤكد مؤرخو الموسيقى على أن هذا التحول كان له الفضل الكبير في دفع الموسيقى الشعبية المدينية إلى عالم موسيقى الروك وإغنائها بالمضامين العميقة والوعي السياسي والاجتماعي حتى غدت أغنياته بمثابة النشيد الوطني لجيل كامل من الشباب الغاضب خلال الستينيات وأوائل السبعينات.
نال ديلان الكثير من الجوائز الكبرى شاعراً ومثقفاً وموسيقاراً ومغنياً، وعده بعض النقاد أفضل كاتب كلمات في تاريخ الغناء الغربي، وهو يستلهم تلك الكلمات من حياته ومن آمال وأحزان وتطلعات الناس المحيطين به والشباب منهم على وجه الخصوص. ومما يزيد من تقدير الناس لكلماته أنها محاطة بقدر كبير من الغموض المحبب الذي يبقي الأغنية حية ومفتوحة على العديد من التفسيرات والاحتمالات التي يخمنها المستمعون كل حسب طريقته دون أن يتطوع هو بتفسيرها وإيضاح معانيها. حدث هذا مثلاً في أغنيته القصيرة أطرق باب السماء (التي كتبها وغناها من أجل الموسيقى التصويرية لفيلم Pat Garrett & Billy the Kid عام 1973 وحققت مراتب متقدمة وتبوأت المرتبة الثانية عشرة في قائمة Billboard لأفضل 100 أغنية فردية في العالم) وهي تتحدث على لسان مساعد شرطة يخاطب أمه وهو في لحظاته الأخيرة بعد إصابته في مواجهة مع المجرمين؛ أو في أغنيته الذائعة الصيت Like a rolling stone التي عدها البعض أعظم أغنية روك في التاريخ، والتي اختلفت الآراء وتعددت حولها وحول قصتها وقيل أنها تتحدث عن فتاة منعَّمة هجرت قيم الأسرة والوفاء والصدق مع النفس (تلك القيم التي تتردد أصداؤها في أغلب أغنياته) وانغمست في عالم اللهو والأضواء والرفقة المداهنة لتفقد كل شيء: البيت والثراء والأضواء والأصدقاء ولقمة الخبز.
شارك ديلان في ألمع التظاهرات والمهرجانات الموسيقية في الولايات المتحدة وأدى بعض الأغاني مع المغنية الشهيرة "جون بيز" التي كانت هي الأخرى من بين أبرز ممثلي الفن الملتزم المناهض لحرب فيتنام آنذاك. ومع أن تأثيره وصل إلى ذروته في الستينات من القرن العشرين، فقد استمر في كونه فناناً له جمهور واسع من المعجبين ويتبع خطواته عن كثب العديد من الفنانين المعاصرين. لم يرضَ ديلان، رغم بلوغه السبعين، أن يتوقف عن الإبداع أو أن يوضع على الرف أو يتحول الى فنان مُتقاعد يقدم النصيحة إلى الآخرين، وواظب طوال حياته على إنتاج البومات مميزة، متنوعة العناصر والأساليب والثيمات ولا تتبع مساراً ثابتاً بحيث تمثل شهادة فريدة على روح الابتكار لدى موسيقى البوب وعلى قدرة ديلان شخصياً على الاستمرار عبر جولاته الفنية الماراثونية وتسجيله الذي لا يكل للمزيد من الأغنيات التي تتجاوز قدرة المراقبين على التكهن بما يأتي به من جديد.