الفترة الذهبية للفكر والأدب خلال حكم الفاطميين

الفترة الذهبية للفكر والأدب خلال حكم الفاطميين

أوراق
تعتبر الفترة الفاطمية العصر الذهبي للفكر والأدب الاسماعيلي، عندما حكم الإسماعيليون الشيعة مناطق شاسعة من العالم الاسلامي بصفتهم خلفاء فاطميون. وحقق الاسماعيليون مساهمات مهمة في الحضارة الإسلامية، هذا ما يتحدث عنه الكاتب هاينز هالم في كتابه "الفاطميون وتقاليدهم في التعليم" والذي عربه سيف الدين القصير، وصدر عن مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون.

يشكل الاسماعيليون، جنبا إلى جنب مع السنّة والشيعة الأثني عشرية، إحدى أكثر الجماعات أهمية داخل الإسلام، وزعيمهم الروحي الحالي، سمو الأمير كريم آغا خان الرابع، معترف به من قبل أتباعه على انه إمامهم التاسع والأربعون من سلالة النبي محمد وخليفته الشرعي.
فبعد فترة الاستتار، ظهر الاسماعليون على مسرح التاريخ العالمي قرابة العام 874م، عندما بدأ دعاتهم ومؤيدوهم العمل، وأسسوا في أقل من ربع قرن شبكة من الجماعات امتدت من المغرب في الغرب إلى السند "الباكستان حالياً" في الشرق، ومن جبال الديلم على الشاطئ الجنوبي لبحر قزوين في الشمال إلى مرتفعات اليمن جنوباً.
ومنذ البدايات الأولى، ظهر الدعاة الاسماعيليون كمعلمين. والتعليم والتعلم هما الجوهر الفعلي للدعوة الاسماعيلية، وكان هناك الداعي، والمروج، والمعلم، الشخصية المركزية – بعد الإمام – في الجماعة. وكان الإسماعيليون، وهم الذين نسبوا باسمهم إلى إمامهم السادس اسماعيل (الابن الأكبر للإمام الشيعي جعفر الصادق)، كانوا قد أطلقوا على عقيدتهم في الأصل اسم "دعوة الحق" أو مجرد " الدعوة ".
وشكلت فترة الخلفاء الفاطميين (909 – 1171) ذروة في تاريخ الاسماعيليين. ففي عام 909م تمكن الاسماعيليون من تأسيس خلافة في ما يعرف اليوم بتونس، في معارضة منهم لخلافة العباسيين السنية المتمركزة في بغداد وتم إعلان الإمام الحادي عشر للاسماعيليين، عبد الله المهدي، خليفة، وأسس أحفاده واحدة من أكثر الامبراطوريات أهمية في التاريخ الاسلامي، ونجحوا في عام 969م في غزو مصر سلمياً حيث أسسوا القاهرة عاصمة جديدة لهم، وفي عام 973 استقر الإمام الرابع عشر المعز هناك وأطلق على الأئمة الاسماعيليين باعتبارهم سلالة من الخلفاء، اسم الفاطميين لأنهم تتبعوا بنسبهم إلى فاطمة ابنة النبي محمد، وبالتالي إلى النبي نفسه.
لقد كان حكم الأئمة – الخلفاء الفاطميين واحداً من أعظم الفترات المتألقة في التاريخ الأسلامي، سواء من الناحية السياسية أو فيما يتعلق بالمنجزات العلمية والفنية والاقتصادية والأدبية.
وبالفعل تستحق المنجزات العلمية لتلك الفترة أن تشكل موضوعاً لمجلد مستقل لأن تراث الفاطميين المعرفي نشر تأثيرهم جغرافياً بعيداً خارج حدود الامبراطورية الفاطمية ذاتها – إلى الهند وأوروبا الغربية – وتعدى تاريخياً نهاية السلالة سياسياً.
هذا الكتاب الذي يتكون من سبعة فصول تحدث عن الدعوة الإسماعيلية والخلافة الفاطمية والدعوة ومجالس التعليم، وعن دور الفاطميون في مصر، وتنظيم الدعوة وعن الخليفة الحاكم بأمر الله ودار العلم والمعاهد العلمية في زمن الفاطميين.
وبينما تعرض التراث الأدبي الفاطمي في مصر للتشتيت والتبعثر، بل وإلى الضياع في معظمه، نجد أن الجماعات الاسماعيلية قد حافظت عليه في مكتباتها الخاصة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، في اليمن والهند وباكستان وسورية وإيران وافغانستان وآسيا الوسطى.
وبعد الانشقاق الذي تعرضت له الجماعة الاسماعيلية سنة 1094 تمركزت الدعوة النزارية في قلعة آلموت الواقعة في جبال الديلم الشاهقة (بين طهران والساحل الجنوبي لبحر قزوين) وهي التي سبق للداعي الفاطمي حسن الصباح أن يستولي عليها عام 1090 ولدينا معلومات تفيد أن آلموت كان فيها مكتبة مهمة. إذ كان حسن الصباح نفسه مؤلفاً متميزاً، لكن لم تصلنا من كتاباته سوى مجتزءات قليلة حسب، ولابد أن هذه المكتبة قد حققت نمواً كبيراً في ظل خلفائه.
وعندما استسلم ركن الدين خورشاه آخر أسياد آلموت، للخان المغولي، هولاكو، حفيد جنكيز خان، سنة 1256، وخضعت قلعة آلموت له، كان ذلك إيذاناً بنهاية مكتبتها أيضاً، وقد أورد الجويني، وزير الخان في تاريخه " تاريخ فاتح العالم".
أن علمية التدمير والإتلاف لم تكن كاملة بمثل ما كان يعنية الجويني المتعصب، فالادب الديني وصل على أيدي الجماعات الاسماعيلية والتراث العلمي وتم حفظه أيضاً. وأصبح نصير الدين الطوسي(1247 م)، الذي كان حتى ذلك الوقت في خدمة الاسماعيليين في آلموت، واحداً من الرياضيين الفلكييين الأكثر شهرة في زمنه.
هذا الكتاب يلخص أن المعارف الفلكية لشخص في آلموت في أحد الأيام هي التي ساعدت الأوروبيين في العثور على طريق بحرية إلى الهند، وهي الشيء الذي آذن ببزوغ فجر فترة جديدة من تاريخ العالم.