احمد خلف والجمال في مدياته المتعددة

احمد خلف والجمال في مدياته المتعددة

إسراء يونس
من منا لايتذكر تلك النقاشات الحامية لجيل الستينيات الادبي في العراق، والكم الهائل من الدراسات والبحوث التي انتجتها اقلامهم المبدعة، والمقابلات في الصحف اليومية والمجلات الأدبية المتخصصة، مايعني ان هذا الجيل امتلك وعياً معرفياً اثرى مجالات اختصاصهم، ان لم نقل تعداها الى صنوف فكرية أخرى حازوا فيها على شهادات اكاديمية مثل الفلسفة وعلم النفس

أغنت نصوصهم الأدبية بطروحات ثقافية تجلت في معظم ماأنتجه هذا الجيل. وحسن فعل القاص والروائي العراقي الكبير احمد خلف عندما جمع كل ماكتبه من مقالات وبحوث ومقابلات أُجريت معه في كتاب بعنوان (الجمال في مدياته المتعددة) الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة اسهاماً منه في تأسيس وترصين ظاهرة أدبية عراقية هي امتداد لتجارب عربية وعالمية سابقة، نتمنى من الادباء العراقيين ان يحذوا حذوه بغية إعطاء مساحة واسعة للأجيال الأدبية الواعدة للاطلاع على تجارب أدبية وفكرية كان لها شرف التاسيس لاهم الظواهر الثقافية في العراق.
ان يضع القاص والروائي الكبير احمد خلف تجربته الأدبية التي تجاوزت الخمسين عاماً في كتاب تربو صفحاته على الثلاثمائة صفحة لهو تقليد يستحق القراءة والاحترام.
وعلى امتداد صفحات هذا الكتاب يلمس القارىء مدى الجدية في معنى الكتابة لدى هذا الجيل الذي شغل التاريخ الثقافي في سجالات فكرية راح ضحيتها العديد من الادباء العراقيين في غياهب السجون والمنافي فضلاً عن العزلة والاقصاء السياسي والقمع الحزبي الا ان قدرة العقل العراقي لامتيازه على القدرة التعبيرية والتخييلية واستخداماته اللغوية الترميزية في اقتراح موضوعاته القصصية والروائية فوت على الرقيب الحزبي مرور جيل هو من اكثر الأجيال الأدبية ثراءاً معرفياً وعطاءاً ادبياً مبدعاً من نص الجمال في مدياته المتعددة يثير احمد خلف أسئلة مطلقة في الجمال والوجود، ثمة سؤال اشكالي مثير للجدل يطرحه الكاتب (هل الفنان شاعراً ام روائياً: وحده معني برصد الجمال والاحاطة به، من حيث هو معطى بعيد المنال على مستوى الواقع، الا يصعد الجمال الذي نعمل على رصده، لكي نجعله عبر الكلمات آسراً وفاتناً، يصعد من طاقتنا على التعبير عن احتياجاتنا النفسية والعقلية، لخلق التوازن الروحي مع الواقع الذي غالبا مايصدمنا بمصادفاته المفاجأة.
فـــي مقال (عادة حرق الكتب) يمتزج الألم مع متعة القراءة اذ ياخذنا المؤلف في رحلة مع صديقه الشاعر المرحوم محمد درويش علي اسمياها (الذهاب الى اقصى الخراب) يقف المؤلف فيها على ماخلفه الاحتلال الأمريكي من دمار شامل لبغداد يقول احمد خلف (ربما لشدة تعلقي بهذه المدينة الجبارة التي لم استطع مفارقتها في كل محنها التي صنعها الجبابرة لها والطغاة والبغاة الذين آذوها بقسوة نادرة.
وفي بلاغة قاسية يشير المؤلف الى حرق الكتب من قبل عصابات السلب والنهب (منذ فجر التاريخ والكتب تعاني من خصومها التقليديين، الذين يكرهونها ولايميلون الى جنيها او الاحتفاظ بها بل يكون الإهمال والتردي حصتها منهم، والكتب حين تحترق انما تدافع عن وجودها والحيز الذي تشغله بجدارة أيضا، اذ هي تخلد ذكرى الحرائق في التاريخ).
ومن حرائق الكتب ودخانها المتصاعد يأبى احمد خلف الا ان يذهب بنا الى عالم الكتب والمكتبات يقول في مقاله (سحر الكتب) وتحت عنوان فرعي (الدهشة المنتظرة من القراءة في عالم الكتب علينا ان نكتشف كم نحن غافلون عن مسرات نرى ان الكتب قادرة على ان تمنحها لنا كلما انطوت نفوسنا وعقولنا على المزيد من الحب للكتب او الايمان بقيمتها واعتبارها، وسوف يتعمق حوارنا الداخلي معها ومع موضوعاتها وما تحمله الصفحات من عناوين داخلية، عشرات المرات هيمنت فيها الكتب على روحي وعقلي، اتأملها ملياً، بدءاً من العنوان وكم باستطاعته ان يقدم لي اغراءاً باقتنائه، ثم انظر نوع الخط واقلب الكتاب بين يدي ثانية وثالثة وعيناني تحدقان به بنظرة العارف باسرار الكتب وماتنطوي عليه من مفاجئات.