الصخب والعنف

الصخب والعنف

بغداد/ أوراق
مقطوعة تنزف بمرارة الحزن وآلام الخطيئة، وهي تصور معاناة كونتن احد الأخوة في اسرة كمبس بسبب اخته كاندس التي عشقت رجلاً غريباً فضاجعته مضحية ببكارتها. أحداث يروي تفاصيلها وليم فوكنر في روايته (الصخب والعنف) والصادرة عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة الأديب جبرا ابراهيم جبرا.

تتفاقم حالة الأخ فلم يستطع تحمل فكرة فقدان شرف الأسرة وعفافها وعدم مبالاة اخته التي يكن لها حباً شديداً ما يجعله يدعي امام ابيه انه هو الذي ضاجعها. ثم يسافر الى هارفرد لمواصلة دراسته، وحال انتهاء العالم الدراسي ينتحر غرقاً في نهر تشارلز بمدينة كمبرج.. اما اخته فتتزوج من رجل سرعان ما يكتشف انها حامل من آخر فيطلقها. وتضع بنتاً تسميها كونتن احياء لذكرى اخيها، وتهجر اسرتها متنقلة من رجل لآخر حتى تصبح عشيقة لجنرال ألماني في باريس. افراد هذه الأسرة الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية يصوغون الأحداث بحركة سيمفونية متكاملة بدءاً من بنجي او بنجامين معتوه عائلة آل كمبسن، وكونتن الابن الآخر للعائلة والذي ينتهي به الأمر الى الانتحار، ثم جاسن الأخ الآخر شرير العائلة ولصّها الذي لا يحسب للأخلاق أو الحس العائلي أي حساب. ومع تحول كانديس الى عاهرة يتقدم زمن الرواية في أحداثها الأساسية من 8 نيسان 1928 الى عام 1943 لنعرف ان كانديس أضحت عشيقة لجنرال ألماني في باريس بعد ممارسة طويلة للعهر.. ترى لماذا يتعين على شخص ما أن يندمج في مثل هذا العالم الذي يمثل سقوط الجنوب الأميركي، وحرك شخصياته داخل هذا العالم، محمّلاً إياها أقصى درجات السقوط واليأس في زمن كان فيه الحلم الأميركي لا يزال مشعّاً وواعداً.. إذاَ تمثل رواية الصخب والعنف التي كتبت في خلال الأزمة الاقتصادية المالية الأميركية الكبرى، أي ان فوكنر كتبها قبل حدوث ذلك الشرخ المريع في الحلم الأميركي. ومع هذا تبدو الرواية وكأنها رواية ذلك الشرخ الكبير
فهي تجريبية من ناحية رسم الشخصيات، ومن خلال اسلوبها السيمفوني الشديد الصعوبة المملوء بأفكار متداخلة متحررة من كل عبودية للغة ومن أي خضوع للمنطق.. وانطلاقاً مما يروى على لسان الشخوص تتولد لدينا حكاية ازدهار وانهيار أسرة اميركية جنوبية، يقدمها الكاتب كالكلمات المتقاطعة محطماً زمناً لا وجود له في حقيقة الأمر إلا في ذاكرة شخصيات الرواية.. ذلك اننا حين نبدأ في قراءة الرواية نجد أن كل احداثها وقعت قبل تلك البداية، بحيث ان ما يطالعنا أساساً انما هو تذكّر الشخصيات المعنية لها، وتفاصيل ما تتركه من آثار في نفسهم.. وكانت غاية فوكنر ان يصور انحلال هذه الأسرة ضمن الانحلال العام للجنوب الاميركي الذي انتعشت الحياة فيه على زراعة القطن واستخدام الزنوج رقيقاً حتى اندلاع الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، والتي انتهت بخسارة الجنوب للحرب والغاء الرق بعد ان تم غزوه بوسائل شتى غيرت معالم الحياة فيه.. وهذا التغيير بما تضمنه من جرائم وصراع وهتك أعراض يرى فيه فوكنر مأساة كونية.




المؤلف في سطور


ولد وليام فوكنر 1897 في أسرة ارستقراطية تنحدر من الجنوب الأميركي، وكان شخصاً منعزلاً منطوياً على نفسه، وظل غير قادر على الاندماج. يعتبر واحداً من كبار الأدباء في القرن العشرين، حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1950وقد انطلق أدبه الى العالم كله معبراً عن أميركا وتعلقه بها برغم انه ركز في أغلب أدبه على حيز جغرافي في مكان وهمي اسماه يوكناباتوفا،وله عاصمة تدعى جفرسون كناية عن ولاية ميسيسيبي الجنوبية وعاصمتها اكسفورد موطنه. والحال ان روايات فوكنر التي تدور احداثها في هذا الحيّز لها دائماً نفس الأبطال تقريبا وهم أبطال يشبهون الى حد كبير شخصيات مرت في تاريخ أسرة فوكنر نفسها وفي تاريخ الولاية والمدينة. غير ان هذه المحلية لم تمنع أدب فوكنر من أن يغزو العالم الخارجي غير الأميركي الذي كان فوكنر يعرفه جيداً من خلال تجوال طويل فيه سبق سنوات شهرته.. حين نشر فوكنر روايته (الصخب والعنف) كان في الثانية والثلاثين من عمره وكان قد كون لنفسه اسماً أدبياً خلال الأعوام القليلة السابقة مع نشر رواية (أجر الجندي) عام 25 والتي كانت انعكاساً لتجاربة في الخدمة العسكرية التي قضاها في القسم الفني التابع للقوات الجوية الكندية والبريطانية. ورواية (بعوض) 27 ثم رواية (سارتوريوس) أول عمل كبير حقيقي له عام 28.. وحين ظهرت روايته (الصخب والعنف) بدا واضحاً أن فوكنر احتل مكانة ادبية مرموقة إذ سرعان ما تلقفها الكتّاب ليس فقط لكونهاعملاً أدبياً كبيراً، بل أيضاً تعد أولى الروايات التجريبية الحقيقية في الأدب الأميركي. توفي فوكنر في تموز من عام 62.