كيف صدر الدستور المؤقت لثورة 14 تموز 1958؟ودور حسين جميل في كتابته

آية جميل عباس
عقب قيام ثورة 14تموز عام 1958، حدثت العدد من المتغيرات على الصعيد السياسي والاجتماعي دوره والاقتصادي، وكانت الثورة انعطافا تاريخيا في حياة العراق الحديث، فقد اتخذت قيادة الحكم الجديد قرارات عديدة إيذانا بأن الثورة قد شرعت فعلا بالعمل الجدي، ومن بين القرارات إلغاء الاتحاد مع الأردن) الاتحاد الهاشمي)، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، والصين والأردن والجمهورية العربية المتحدة وكذلك صدور قرارات على الصعيد الداخلي التي تقضي على التمييز بين المجرمين والسياسيين، وكذلك رفع الحظر عن الأحزاب السياسية وقيام الثورة بالعديد من الإصلاحات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي منها إلغاء نظام دعاوى العشائر والإصلاح الزراعي، وانسحاب العراق من المنطقة الإسترلينية، وتتطلب هذه المرحلة وجود دستور جديد يعمل به يتماشى مع التغيرات الجديدة؛ لذلك تقرر إنهاء العمل بالدستور العراقي لعام 1925 منذ صباح 14تموز 1958.
كانت الثورة عازمة منذ البداية على وضع دستور للبلاد لغرض نقل الثورة الى وضع دستوري ثابت،وبشأن حكم القانون الأساسي العراقي بعد نجاح الثورة قال حسين جميل: “من المعلوم أن المتفق عليه إذ حدث انقلاب سياسي في أي بلد ونجح كما هو تم في العراق يوم 14تموز عام 1958 الماضي من المتفق عليه أن الدستور في هذه الحالة يسقط حالا من تلقاء نفسه، وقد طبق هذا المبدأ في إحداث كثيرة قديمة وجديدة منذ الثورة الفرنسية حتى اليوم، فقد سقط دستور عام 1814، بنجاح ثورة 1830، وخلع الملك شارل العاشر، وسقط دستور عام1830بنجاح ثورة عام 1848، وخلع الملك لويس فيليب، وكان من نتائج الانقلاب الذي قام به لويس بونابرت 1852، ان سقط دستور عام 1848، كما ان سقوط لويس بونابرت عام 1870، جعل دستور 1852 ملغيا، وفي أحداث العصر الحديث كان نجاح الثورة المصرية في عام 1952، مسقطا دستور عام 1923، وعلى هذا فأن من حق زعماء حركة 14تموز عام 1958، في العراق ان يعدو القانون الأساسي العراقي وتعديلاته ملغاة بما يتضمن من مؤسسات دستورية كمجلس الأعيان المعين جميعه من قبل الملك والمجلس النيابي المفروض نظريا انه ينتخب من قبل الشعب وكلنا نعرف كيف تم اختيار أعضائه وان من حقهم ان يقروا وضع دستور مؤقت للحكم حتى يتم وضع دستور مبني على أسس الديمقراطية الصحيحة والسليمة ويقرر للشعب سيرته الحقيقية وللمواطنين حقوقهم كاملة من سياسية واجتماعية وان تقرر فيه الضمانات اللازمة وتستبعد منه كل عيوب دستور عام 1925، وتعديلاته ذلك الدستور الذي وضع للعراق في وزارة المستعمرات البريطانية ودوائرها”.
اتصل في 20تموز عام 1958، محمد صديق شنشل وزير الإرشاد، ومحمد حديد وزير المالية بالمحامي حسين جميل وكلفاه بوضع مسودة دستور مؤقت، وقد طلبا منه أن يراعي في عمله نقطتين هما: النص على أن العراق جزء من الأمة العربية، وعلى ان العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، وقد تشكلت لجنة لوضع الدستور المؤقت من السادة: حسين جميل، حسين محيي الدين، وعبد الأمير العكيلي،معتمدة في عملها على دستور 1شباط 1953المؤقت، ودستور23حزيران عام 1956المصريين، وذلك بالنظر للتشابه بين وضع الجمهوريتين بعد الثورتين ولتشابه حاجات الحكم في أعقاب الثورة(، فضلا عن اقتباس بعض الفقرات من منهاج حزب المؤتمر الوطني، وفي 27تموز عام 1958، أعلن عبد الكريم قاسم عن انبثاق الدستور المؤقت بعد أن صادق عليه مجلس الوزراء، ومجلس السيادة وأشار عند الإعلان عن الدستور المؤقت إلى أن الدستور القديم كان قد وضع في زمن كان العراق يخضع تحت النير الأجنبي، ومواده كانت تتعارض مع النظام الديمقراطي الحقيقي الذي أراده الشعب العراقي؛ وذلك لأن الدستور القديم منح النظام الملكي صلاحيات واسعة، ومن ثم قام عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء بقراءة نصوص الدستور المؤقت عن طريق الإذاعة.
تضمن الدستور المؤقت ثلاثين مادة موزعة على أربعة أبواب، ومقدمة أعلن فيها انتهاء العمل بالقانون الأساسي العراقي، وتعديلاته، وبينت مسوغات إلغاء الدستور القديم، والغرض من وضع دستور جديد وأن هذا الدستور مؤقت في مدة الانتقال إلى أن يشرع دستور دائم.
نصت المادة(1) من الدستور أن الدولة العراقية جمهورية مستقلة ذات سيادة، ونصت المادة (2) ان العراق يشكل جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية وجاء هذا النص رد فعل لحالة التجزئة التي عمت الوطن العربي نتيجة السيطرة والنفوذ الأجنبي، وحتى يقرر الشعب بنفسه إذا كان يرغب في الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة أو أن يبقى أمة مستقلة منفصلة عن غيرها، أما المادة (3) فقد عدت العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، وبذلك يكون أول دستور ينص بصورة صريحة على حقوق الأكراد أن الشعب العراقي يتكون من قوميتين رئيستين هما العرب و الأكراد.وعن هاتين المادتين علق حسين جميل بقوله: “إنه في يوم 20تموز طلب منه محمد صديق شنشل، ومحمد حديد المشاركة بوضع مسودة دستور مؤقت للبلاد وطلبا منه ان تراعى في وضعه مادتين هما: العراق جزء من الأمة العربية، ويقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافه باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم، ويعد العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية، وقد كان كامل الجادرجي، ومحمد صديق شنشل قد كلفا مسعود محمد وإبراهيم احمد سكرتير الحزب الديمقراطي الموحد لكردستان – العراق، في عام 1956، بكتابة نص حول حقوق الكورد القومية؛ ليكون ضمن منهاج حزب المؤتمر الوطني الذي لم تجزه السلطة في حزيران عام 1956، ثم صيغ ما قدمه الاثنان حينذاك صياغة جديدة لتكون المادة (3) للدستور المؤقت، كانت المادة (3) تعني الشراكة بكل ما تعنيه هذه الكلمة قانونيا، ولم يفهمها الآخرون لاسيما العسكريين وحتى بعض السياسيين هكذا، وكانت في رأيهم تعزيزاً للوحدة الوطنية أو ترضية الكرد، ولو بشكل مؤقت، ان هذا الفهم والتوجه، كانا السبب في أن تلك المادة لم تترجم الى الواقع إلا في حدود شكلية وضيقة وظلت فقراتها مرنه طوال مدة حكم عبد الكريم قاسم، وهي تمثل القاعدة في حق الحكومة بمطالبة الكرد بالولاء لها، وفي حق الكرد بالمقابل بمطالبة الحكومة بحقوقهم.
ونصت المادة (4) على أن الإسلام الدين الرسمي للدولة وقد أضاف هذه المادة مجلس الوزراء عند إقرار الدستور، وذكر حسين جميل عن إضافة المادة (4): “لم احدد دين الدولة الرسمي لأني شخصيا مع الدولة العلمانية وهذه المادة مجرد حبر على ورق ومجاملة واستطيع ان أقول نفاق”، ولكن المادة (18)نصت على حرية الدين والمعتقد لدى الطوائف غير الإسلامية. وعدت بغداد بموجب نص المادة (5) عاصمة العراق، ولكن أغفل النص جواز اتخاذ عاصمة أخرى بصورة مؤقتة عند الضرورة، وختم الباب الأول بالمادة (6)التي نصت على ان يعين العلم العراقي وشعار الجمهورية والأحكام الخاصة بها بقانون.
وبشأن الدستور ذكر حسين جميل: “أن وضع الدستور استغرق يومين فقط، لأنه مؤقت أريد به نقل الثورة إلى وضع دستور دائم، وأن المسودة قبلت في مجلس الوزراء بدون مداولة، أو لم تناقش مواده مناقشة مستفيضة، وعميقة ثم أنه لم يعرض على الرأي العام او على غيرنا من القانونيين لإغنائه بملاحظاتهم، وقد اقر حرفيا بعد أن أضيفت له مادتا الإسلام دين الدولة الرسمي المادة(4)، والقوات المسلحة في جمهورية العراق ملك للشعب، ومهمتها حماية سيادة البلاد، وسلامة أراضيها المادة(17)، وتساءل حسين جميل هل كان بإمكاننا أن نضع دستورا نحدد فيه أهدافا ومبادئ متجانسة ترضي الاختلاف الفكري والعقائدي لمختلف القوى السياسية التي أسهمت في الإعداد للثورة؟”.
عن رسالة: حسين جميل ودوره السياسي في العراق 1954-1968.

اقرأ ايضا

محاولات الاطاحة بالنظام الملكي قبل قيام ثورة 14 تموز 1958

رياض فخري علي فتاحلم تكن الحركة التي قام بها الضباط الأحرار صبيحة يوم 14 تموز …