عباس البغدادي
. ولد الشيخ عبد الكريم رضا الماشطة عام 1881 في مدينة الحلة وتوفي في 3 / 11 / 1959 وكانت له اهتمامات كثيرة موزعة بين الثقافة والدين والسياسة.
عالج الشيخ مسألة الاغتراب عند الصوفية. ومعناها عنده هو العجز والاستسلام وبأن قدر الانسان ليس خاضعاً لمشيئته، وغربة المتصوفة عنده هي غربة ثقافية واجتماعية وذاتية، ويصنفهم الى اصناف فمنهم الاشراقيون ومنهم اتباع الفقهاء ومنهم الدجالون وآخرون جهال، والتصوف عنده ظاهرة انسانية شملت غير المسلمين كما هي عند البوذيين والمسيحيين، ولا يخلوا عصرمن هؤلاء المتألهين، ومن الاشراقيين حسب تصنيف الشيخ الغزالي، وابن عربي فالاول عاش عصراً مضطرباً وعهده عهد صراع بين المتكلمين والفلاسفة والفقهاء، والغزالي في اول أمره وجه نقده الى الصوفية ثم انصرف لدراسة الفلسفة وكانت الثمرة (كتاب تهافت الفلاسفة)، ثم عاد ليسلك طريق التصوف ويعيش ازمة روحية سببها ادراكه لبطلان افكار يؤمن بها، فدخل العزلة والخلوة وارتاد طقوس الصوفية قاصداً الوصول الى التجليات الاشراقية، واطلق الماشطة كلمة الاشراقيين على من هو مثل الغزالي وهم اصحاب مكاشفات ومشاهدات، وتعرض الصوفية الى العنف والقتل كما حدث للسهروردي الذي قتل على يد (الظاهر غازي) بأمر من صلاح الدين الايوبي والده كان متهماً بإنحلال العقيدة فقتل مخنوقاً وتهمة الزندقة تلاحقه رغم كونه من العُباد الزهاد، وكُفِرَ ابن عربي واحرقت كتب الغزالي في المغرب ونسبت اليه الضلالة وصدرت احكام بقتل من يحوي كتب الغزالي، وقد هاجم الامامية الصوفية وحرم المجلسي صاحب بحار الانوار كتبهم رغم ان والده كان صوفياً، وكانت تهمة الصوفية تعني الطعن بفكر من اعتنقها ويرى الماشطة ان الصوفي كغيره من الحكماء يعتقد بأن النفس البشرية تشعر باللذة والالم والسعادة والشقاوة، فالعين تلتذ بما تشاهد والمتذوق يلتذ بلسانه والاذن بالاصوات كذلك النفس تلتذ بإدراكها لحقائق الموجودات، ويعترض على انزال عقوبة القتل بالصوفية منطلقاً من حرية المعتقد والرأي، ودعا الشيخ الماشطة انه لا طريق لإكتساب المعارف سوى الطريقة الفكرية البحثية وما يرى من حصول التصديق ببعض القضايا التي لا تعرف المقدمات المنتجة لها عند التجرد وصفاء الذهن، ودعا الشيخ لأول مرة الى موضوع وهو المراد به الاستحسان اي ان المتوغل في الفقه قد يدرك بذوقه الفقهي الحاصل من كثرة الممارسة فيوجب الحدس بصحة ذلك الحكم، اما ما يقوله البعض عن الكشف المستقبلي عند الصوفية فينكره الماشطة ويعتبره افتراء من وضع الجهال.
الماشطة والاممية
دعا الماشطة الى ان العاطفة الانسانية هي البحر المحيط الذي تتفرع منه سائر البحار والخلجان والوطنية اذا اقترنت بمحبة المواطنين فهي قطرة من هذا البحر، ان غريزة حب النوع او ما يظهر نورها على اهل البلد ثم يشع ذلك النور بقدر القوة والقدرة على خدمة المجتمع الذي هو اوسع من تلك الدائرة الضيقة واما الذين لا يشتغلون بخدمة القريبين منهم مع التمكن من الخدمة ويتظاهرون بحب اهل البلدان الاخرى فهؤلاء اهل الامنيات الكاذبة، ان النزعة الوطنية عند الامم المغرقة بالوطنية لا بد ان تقترن بظلم غير ابناء الوطن والاستبداد بهم والاستيلاء على مرافقهم كما نشاهد ذلك من الدول الاستعمارية، واما النزعة الوطنية عند الامم المنحطة فلا بد ان تكون نتيجتها شراً على اهل الوطن والاستبداد بهم والاستيلاء على مرافقهم كما نشاهد ذلك من الدول الاستعمارية، واما النزعة الوطنية عند الامم المنحطة فلا بد ان تكون نتيجتها شراً على اهل الوطن واستبداد شرار الناس بخيارهم، ان محبي الانسانية دائبون في عملهم لا يفترون عن السعي لخدمة اخوانهم بقدر امكانهم وحيث ان اتحاد الدول وانضمام بعضها لبعض يقاومه اهل الانانية الذين يريدون العلو في الارض ولا يرضون بالمساواة مع غيرهم فلم يستطيعوا الوصول الى هذه الغاية في الوقت الحاضر وسيصلون اليها ان شاء الله في المستقبل، ويقول الماشطة: ان حب الانسانية يلزمه بغض اعدائها من اهل البغي والظلم سواء أكان الباغي اجنبياً ام مواطناً فالمواطن الذي يضطهد اهل وطنه تتحتم مقاومته كالاجنبي لأن الجهة التي من اجلها نحب المواطن هي شفقته على ابناء وطنه فإذا استبدل هذه الصفة بالقسوة والشدة استحق الذنب والعقاب والمطاردة، ان محب الانسانية كما يحب الخير لأبناء وطنه يحب ذلك لغيرهم ويحب ان يسود العدل والمساواة بين الناس فلا يظلم بعضهم بعضاً ولا يبغي بعضهم على بعض. في طروحات الماشطة السابقة نراه وطنياً واممياً ولا يجد هناك اي تعارض بين المفهومين حسب رأيه.
الماشطة وانصار السلم
ولدت فكرة السلام التي احبها الماشطة مؤكدة دوره العالمي يداً بيد مع جوليو كوري الرئيس الاقدم لمجلس السلم العالمي ومعه اراغون الشاعر الفرنسي الكبير وبيكاسو الرسام العالمي وكوزما الموسيقار الهنكاري بول ايلوار شاعر الحب والحرية ومدام كوتون رئيسة اتحاد النساء العالمي، ووجهت رسائل الى بعض الشخصيات الوطنية والدينية ومنهم عبد الكريم الماشطة والرسالة موقعة من جوليو كوري موضوعها يدور حول تحريم استعمال القنبلة الذرية (نداء استكهولم) مما اثار حفيظة السلطة العراقية فشنت حملة اعلامية وبوليسية ضد السلم وانصاره، ورد انصار السلم بحملة جمع تواقيع تأييداً لهذا النداء العالمي وشعروا بالحاجة الى قيام تنظيم للنشاط السلمي فكونوا لجنة تحضيرية عقدت اجتماعها الاول في مساء 15 تموز 1954 م في منطقة ام العظام في بغداد وحضر 103 مندوبين وتوسط الاجتماع الرجل المهيب الشيخ عبد الكريم الماشطة واعلن افتتاح المؤتمر بصوته الدافئ الوقور والتقى المجتمعون في دار عبد الجليل برتو وتكلمت في الجلسة السيدة (ام غصوب) بإسم الامهات العراقيات وكان من الحضور عبد الله كوران من السليمانية، عبد اللطيف مطلب من الحلة اضافة الى عبد الحميد الونداوي، ابراهيم احمد، محمد زياد الاغا واسماعيل النجار، واسماعيل حقي شاويس، انعام العبايجي، طلعت الشيباني، فاروق برتو، نزيهة الدليمي، صفاء الحافظ، صلاح خالص وكمال عمر نظمي. وفي الختام القى الشيخ الوقور عبد الكريم الماشطة كلمة الختام التي اشار فيها الى وحدة الرأي بين الفصائل الوطنية وطالب بجعلها منطلقاً لجبهة وطنية خلال الانتخابات ونال تأييد احزاب الوطني الديمقراطي، الشيوعي، حزب الاستقلال ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني، واستمرت نضالات مجلس السلم وكانت ممهدة لثورة 14 تموز 1958م.
اقرأ ايضا
الشيخ عبد الكريم الماشطة: مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
محمد علي محيي الدينفي ذاكرة الحلة الفيحاء، حيث تعانق الروح ضفاف الفرات، وتتعانق المنائر بأصداء …