د. ابراهيم خليل العلاف
كان داؤود صليوه مؤمنا بفكرتي التقدم والحرية .. ويعد من رواد الصحافة الحرة في العراق .. وكانت له صداقات واسعة مع رموز النهضة العربية المعاصرة امثال ابراهيم اليازجي ، وجرجي زيدان .وكان اسلوبه في الكتابة متميزا فهو يجمع بين الظرافة والجدية وكثيرا ما انتقد العثمانيين ومن بعدهم المحتلين الانكليز .
ألف عددا من الكتب منها :
- « المحاق في ترجمة شهيد الإصلاح ناظم عقد العراق “وهو ترجمة ذاتية لسيرة ناظم باشا والي بغداد .
- العقد الثمين لتحلية جيد المعربين
- نفح العرف في خلاصة الصرف
- النقاوة في علم النحو
- الدر المختار في نظم الاشعار
- رسالة في علم المنطق
- مختارات صدى بابل
- الردود بقلم المعلم داود
- ديوان ابن صليوا
كان داؤود صليوا يرى في الصحافة وسيلة من وسائل التواصل الانساني لذلك قال في افتتاحية العدد الاول من جريدته :”صدى بابل « لايخفى ما للجرائد في الجامعة الانسانية من مكان.. وما يتوقف عليها من اصلاح شؤونها في حالتيها المدنية والسياسية لاسيما في هذا العصر وهي المهيع (الصوت الشديد ) لتعريف الاقوام بعضهم ببعض .. على بعد المسافة . وشط المزار.. وشد عرى الوثاق بين البلاد والامصار .. وهي العامل في تأليف القلوب وتنافرها بين المحب والمحبوب ، وهي المحرك الاول الى الارتقاء في سلم النجاح ، والمنادي حي على الفلاح « .
اصدر داؤود صليوا ببغداد العدد الاول من جريدة “صدى بابل ” في 13 اب سنة 1909 (27 رجب 1327 هجرية ) .. وجاء في ترويستها انها “جريدة سياسية تجارية أدبية اخبارية خادمة لترقي الوطن ” .وقد ظهرت في بعض اعدادها ترويسة اخرى تشير اليها السيدة زاهدة ابراهيم في “كشاف بالجرائد والمجلات العراقية ” 1976 تقول بأنها “جريدة يومية سياسية عربية ” صاحبها ومديرها المسؤول المعلم داؤود صليوا ويوسف غنيمة « . .
في العدد الصادر في 20 تشرين الثاني 1910 نشرت مقالا افتتاحيا بعنوان :” نصح مشفق لوطنه ومسقط رأسه الموصل الحدباء ” اغلب الظن ان رئيس التحرير داؤود صليوا هو الذي كتبه، وجاء فيه انه يوجه نداءه الى الشباب الموصلي ، ويدعوه الى احياء العلوم والاداب اللتين تتميز بهما الموصل سابقا وطلب منهم شن حرب ضد الجهل .. ولم ينكر الكاتب وجود نخبة من علماء الدين والادباء في الموصل .. ولكنه تساءل وهو يوجه كلامه الى الجيل الجديد :” اترى هذا كافيا لك في هذا الدور السعيد ..الدور الذي تلألأت فيه انوار الاداب، بفضل الدستور والحرية ،حيث اطلقت ايادي الصحفيين من قيد الاستبداد …ها قد تسنى لك بفضل الدستور انشاء المطابع ، ونشر الجرائد والمجلات التي هي الرائد الوحيد ، والداعي الفريد لاصلاحك وصلاحك وترقي حالك فلا تغض الطرف عنها أو تحسبها وريقة بالية لافائدة لك فيها ..فهاهي قد كنزت لك من خلال أسطرها كنزا من النبل وذخيرة من الاصلاح …انظر ما حولك من البلدان التي ثقفها العلم ومدنتها الاداب …” .ويختم الكاتب مقاله بالتساؤل :” اليست هي الجرائد التي اضحت لهم مشكاة اجتازوا بنورها تلك الظلمات؟ « . ثم وجه كلامه الى ابناء ملته (المسيحيين )ونوه بأعمال صاحب الغبطة مار يوسف عمانوئيل في افتتاح المدارس وتعمير دور العلم لابناء ملته الكلدانية وطلب اليهم مساعدته والوقوف معه …» .
وبعد ذلك .. وفي عددها التالي الصادر في 27 تشرين الثاني 1910 نشرت خبر احتفال ابناء الطائفة الكلدانية في الموصل بأفتتاح المكتب الاعدادي الكلداني (المدرسة الاعدادية الكلدانية ) بأحتفال مهيب حضره مدير المعارف ، وصاحب الغبطة مار يوسف عمانوئيل بطريارك الكلدان وكان معاون مدير المكتب الاعدادي القس سليمان صائغ ومدير المكتب جبرائيل نعمو .ومن الجدير بالذكر ان كاتب هذا الخبر هو ميخائيل الشماس يوسف حداد .
في العدد الصادر في 12 رمضان 1328 هجرية نشرت جريدة صدى بابل خبرا يقول :” كان في البلاد العثمانية سبعة فيالق الى الان ، فقررت نظارة الحربية (وزارة الدفاع ) جعلها 14 فيلقا بهمة بطل الحرية محمود شوكت باشا .
كانت جريدة صدى بابل تتابع اخبار العشائر العراقية وموقفها من الانتخابات ، ففي عددها الصادر في 3 اذار سنة 1912 قالت وبعنوان :” العشائر والانتخاب ” : لقد وقف –وايم الحق – موقف حيرة كل عربي ..وقف على نظر الحكومة السنية في عدم ادخال العشائر في سلك الانتخاب مع العلم انهم خاضعين للدولة ويدافعون عنها وينصرونها وقت الضيق …ان للعشائر العربية الحق الصريح في انتخاب نواب لهم في مجلس الامة « .
وفي العدد نفسه قالت انه كان لاوامر الاسراع في الانتخابات أثر في غياب كثير من مبعوثي مجلس المبعوثان (النواب ) المنحل لاتهم لم يصلوا الى العراق من الاستانة الا بعد حوالي شهرين من بداية الانتخاب . فعلى سبيل المثال قدم من الاستانة مبعوث الديوانية شوكت باشا ومبعوث المنتفك محسن بك (السعدون ) متأخرين .
وقد نشرت في العدد الصادر في 28 نيسان سنة 1912 نشرت مقالا تقول فيه :”ياقوم ان جمعية الاتحاد والترقي –وحقكم- لاغاية لها ولا مأرب الا حراسة القانون الاساسي (الدستور ) فهي تعمل لسعادة الدولة واللاد وراحة الامة …فكفوا ياقوم ان ترموها بأسهم الغايات …» .
وتحت عنوان ” فسخ المجلس النيابي ” كتبت في عددها الصادر في 9 اب سنة 1912 تقول :” اجتمع بعض الوكلاء من الاعيان وتذاكروا سرا بشأن فسخ مجلس الامة فسخا قانونيا .. فقبل فسخه بأكثرية الاراء أي بثمانية وعشرين صوتا ضد خمسة اصوات …وقد اثبتت الاخبار الواردة من الاستانة ان سبب سقوط الوزارة كان قيام ضباط الجيش العثماني واجهارهم بسخطهم على جمعية الاتحاد والترقي وطلبهم اسقاط اركانها وحل مجلس المبعوثان (النواب )وتشكيل وزارة غير مجارية للاتحاديين في مأربهم ومقاصدهم .وقد اعلن الضباط انهم مصممون العزم على ابعاد رجال الجيش …عن مناصب الحكومة والعهد الى مختار باشا لتأليف الوزارة « .
بعنوان :” الانتحال في الانتخاب والمخاتلة فيه ” كتبت جريدة “صدى بابل ” في عددها الصادر في 11 شباط 1912 تقول :” ان كثيرين من الذين يجهدون في انتخاب المبعوثين والنيابة عن الامة أخذوا يغرون الصحافيين ايضا لعدم كفاءتهم ، وقلة اعتمادهم عليهم وقد خصصوا مبلغا لاقناع يراع الكاتب .. للجري في ميدان ترشيحهم او انتخابهم ،فأقول لاولئك ان كنتم من القوم الكفوئين المقتدرين فلا حاجة الى هذا التكلف …» .
حقا كان داؤود صليوا صحفيا متميزا .. وكانت جريدته جريدة متميزة من حيث الشكل والمضمون . ومما يلفت النظر انها كانت تهتم باللغة العربية في تلك الايام الحالكة وكانت تعابير مقالاتها عربية فصيحة قدر الامكان .. وهذا مما يجعلنا نفخر بها جريدة تؤمن بالحرية والتقدم والتنوير.. ويقينا ان تأثيرها في تيفظ الافكار ، وتوسيع قاعدة المثقفين العراقيين – انذاك – كان كبيرا .
توفي الاستاذ داؤود صليوا في يوم 4 من تشرين الثاني -نوفمبر سنة 1921 .
عن بحث :داود صليوا (1852-1921) وجريدة صدى بابل (البغدادية )