محمد داود
يبدو غريبا جدا ان تسمع اراء غير منشورة لفنان مرت على وفاته سبعة عشر عاماً (هذا التاريخ وقت كتابة هذه المقالة) مثل الفنان الكبير ناظم الغزالي.
اين كانت الصحافة عن نشر تلك الاراء والانطباعات كل هذه السنوات الطويلة؟ ثم اين هو مكان تلك المذكرات التي لم يصلها صحفي!.
كيف اختفت عن العيون وتاهت عنها الاسماع؟
ليس في الامر سر كبير
حين اسألكم هل تعرفون ان للمرحوم ناظم الغزالي مكتبة؟ كلكم تقولون: نعم اقول لكم لو كلفتم انفسكم في جولة برحاب تلك المكتبة وبحثتم قليلا في محتوياتها فانها ستنفتح عليكم باكثر من من سر وباكبر من موضوع ارشيفي نشر عن ناظم الغزالي.
ناظم الغزالي يدون مذكرات محمد القبانجي
كان المرحوم الغزالي ينوي تدوين حياة العازفين والموسيقيين والمطربين العراقيين ممن عاشوا بين عام 1900 وعام 1962. وبالفعل عثرنا له في مكتبته على دفتر من الحجم الكبير كتب على الصفحة الاولى منه (طبقات العازفين والموسيقيين من عام 1900 الى 1962). وبدأ الحديث عن بعض العازفين منهم خضر الياس حيث قال عنه: ولد خضر الياس في صبابيغ الآل، وانخرط في الفن عام 1946/1947 الالة الموسيقية التي يجيد العزف عليها هي آلة الناي). وعن الفنان رضا علي قال: لقد لحن رضا علي لفلمين تركيين، وهو يجيد العزف على الة العود). اما عن الفنان ناظم نعيم فقد قال: (وضع ثلاثمئة لحن تقريبا، وهو يجيد العزف على الة العود والة الكمان).. ويبدو لي ان هذه معلومات اكثر ما تكون رسمية اخذها ناظم عن الفنانين يحكم مهمة ادارية كان مكلفا بها داخل الاذاعة.
غير ان المرحوم ناظم الغزالي حين يصل في مذكراته المذكورة آنفا الى الفنان الكبير محمد القبانجي فانه يتوسع بالحديث وينقل لنا عن القبانجي ذكريات وانطباعات طريقة اضافة الى معلومات مهمة في حياة القبانجي الفنية.. كتب الفنان ناظم الغزالي يقول (لقد تسلم الاستاذ محمد القبانجي مئة دينار عن حفلة اقامتها امانة العاصمة عام 1939,
ان الاستاذ القبانجي سافر الى القدس عام 1932 وهناك اقام حفلتين، بقي الاستاذ القبانجي ثلاثة اشهر في القاهرة اثناء انعقاد المؤتمر الموسيقي هناك وكانت مصاريف الاقامة والمأكل على حساب الحكومة المصرية سجل المؤتمر خمسا وثلاثين اسطوانة، لم يبق منها سوى خمس او عشر اسطوانات وقسم من هذه الاسطوانات محفوظة في معهد فؤاد الاول. وحين ناتي الى مكتبة المرحوم ناظم الغزالي عن عادات استاذه القبانجي فأننا نجده يتحدث بخصوصيات طريفة جدا نذكر منها على سبيل المثال قوله، ان الاستاذ محمد القبانجي لايشرب القهوة مطلقا ولايدخن مطلقا، ويأكل على طريقته الخاصة، يكره ان يرى نفسه في المرآة لان المرآة في نظره تظهر عيوب البشر لذلك فهو لايحلق عند حلاق حتى لايرى نفسه في المرآة، بل يرسل على الحلاق واذا سافر القبانجي خارج العراق يطلب من الحلاق ان يكون الكرسي معكوسا).
مراد ابو سليمة يعترف: اخذت النهاوند من ريف العمارة
بين اوراق صفر تبدو غير مهمة، عثرت على وثيقة مدونة بخط يد مراد (ابو الفنانة سليمة مراد) زوجة المرحوم ناظم الغزالي، جاء في تلك الورقة (سافرت بمركب كلاص الى العمارة وكانت سليمة عمرها ست سنوات وكان احد الاعراب في المركب وهو يغني::
إعكاله فضة / سنونه ذهب تيزاب
ومنين اكضه…………….
جي مالي والي
وقد طلبت الاعرابي ان يعيد هذه الابيات مرة اخرى حتى احفظها وعند رجوعي الى بغداد، اول من غنى الاغنية هو انا ولكون الاغنية ريفية فقد أبدلت كلمات الاغنية من قبل شعراء يترددون على بيت قرب جامع الشورجة والغريب ان هذه الاغنية هي من نغم النهاوند وهي اول اقامتها.اغنية عراقية من هذا النغم وجميع الانغام الريفية هي من البيات والسيكاه والحجاز ولست اعرف اغنية بهذا النغم ريفية)، وفي الصفحة الثانية من الورقة وردت اسماء عدد من الاغاني التي ارادها المطرب لعدد من الحفلات كان ينوي
غنيات قديمة مدونة بالنوطة
السماع هو الوسيلة الوحيدة التي حفظت لنا جزءا من الموروث الغنائي في العراق والوطن العربي، ولم نجد اغنية قديمة كتبت الحانها بالنوطة..غير اننا في مكتبة المرحوم الغزالي نجد مجلدا ضخما سجل فيه ناظم الغزالي نوطات الحان قديمة.. نلتقط منها مثلا لحناً، وضعه المرحوم ملا عثمان الموصلي لأغنية “قوموا صلو الفجر بين) والسجل نفسه يحتوي على معلومات تشير الى طريقة تدوين الاغنيات القديمة بالنوطة..
لقد تهيأ لنا ان نستقصي عدد النوطات التي دونها المرحوم ناظم الغزالي في سجلات مكتبته فوجدناها خمسا وثلاثين وتسع مئة اغنية، اضافة الى سجلات اخرى تحتوي نصوصا لأربعين وثماني مئة والف اغنية..
ناظم الغزالي في التدريب
نجد في مكتبة المرحوم ناظم الغزالي عشرين شريطا سجل عليها اغنياته كافة مع اغنيات المرحومة زوجته سليمة مراد، اثناء التدريب على ادائها في بيته، وعند انصاتك الى الشريط تسمع من المفارقات الشيء الكثير
ونرى من المناسب ان تستفيد الاذاعة من هذا الشريط وتقدم مقاطع منه للمستمعين.
يلفت نظرك في مكتبة المرحوم الغزالي معرض الصور الفوتوغرافية في (البوم).. تشاهد بين تلك الصور صورة للمرحوم حسن خيوكه والمرحوم رشيد القندرجي والمرحوم احمد زيدان والمرحوم عبد الامير الطويرجاوي وعدد من مطربي المقام الاوائل اضافة الى صورتين نادرتين الاولى للجالغي البغدادي والثانية للشاعر ملا عبود الكرخي، وفي الاماكن المفتوحة من رفوف المكتبة تتكئ صور مكبوسة على الخشب لسليمة مراد وزكية جورج وعفيفة اسكندر وحسن خيوكة والجالغي البغدادي.
الجالغي البغدادي من عام 1870 الى عام 1940
اذا كان لمرحوم ناظم الغزالي مطربا ناجحا وهذا ما عرف به، فأنه ايضا مؤرخ ناجح للاغنية العراقية برغم انه لم يعرف بذلك.. ما قرأته عنه في هذا الموضوع يؤكد لك هذه الحقيقة وما تقرؤه في السطور الاتية يؤكد لك الحقيقة اكثر حقيقة ان المرحوم ناظم الغزالي كان مؤرخا ناجحا للاغنية والغناء العراقي.
ندعوك ان تستمر في البحث بين رفوف مكتبة الغزالي فأنك تجد كراساً كبيراً دون فيه الاغنيات التي ادتها المطربات العراقيات خلال اربعين عاماً. بين عام 1910 -1950 وتجد ايضا فهرسا باغاني الاستاذ محمد القبانجي وفيه يذكر كلمات اربع وستين اغنية مع ذكر السنة التي سجلت فيها تلك الاغاني على الاسطوانات،وغالبا ما يذكر اسماء شعراء الاغاني وشعرا لبعض المفردات.
نجد الغزالي في دفتر اخر دون اسماء وعناوين اشهر المخطوطات العربية في علم الموسيقى والغناء من محتويات مكتبة المتحف العراقي مع ذكر ارقامها وبعض الملاحظات حول كل كتاب مخطوط، وفي 77 صفحة كتب المرحوم ناظم الغزالي الاغنيات التي اداها الجالغي البغدادي على مدى سبعين عاما، من عام 1870 ولغاية 1940 مع معلومات تشير الى عدد الذين ادوا كل اغنية وما كان منها مسجلا على الاسطوانات.
وفي سجل اخر كبير نجد المرحوم ناظم الغزالي قد كتب المقامات العراقية المؤداة والطبقة وطريقة الغناء كما دون المرحوم الغزالي كل اغاني زوجته سليمة مراد على دفتر ما تزال المكتبة تحتفظ به.
الغزالي ينتقد إخراج الاغنية في التلفزيون
بين اوراق المرحوم ناظم الغزالي ومذكراته وجدت ورقة رسم عليها مخططا لاستديو تلفزيون..وفيه حدد اماكن العازفين ومكان المطرب من الديكور، وكيف يخرج المطرب والمكان الذي ينتقل منه وحتى يعود اليه ثم الانارة ومساقطها وقطع الاكسسوار ما هي واين توضع؟.. الخ.
وفي الصفحة الثانية من الورقة نجد اشارة الى ان المخرج كمال عاكف قام يوم 11/12/1960 بتسجيل اربعة اعمال غنائية وموسيقية هي رقصة الشوملي مدتها ثلاث دقائق، مقام مدته اربع دقائق واخيرا اغنية (مروا علي الحلوين)، مدتها خمس دقائق وخمس وثلاثين ثانية.
وحول اخراج هذه الاعمال التلفزيونية الاربعة يثبت المرحوم ناظم الغزالي تسع ملاحظات منها: ان الصورة كانت غير جديدة بسبب عدم اجراء تمرينات قبل التصوير، الوقت لاجراء التمرينات 3.30 عصرا غير ملائم، الصوت لم يكن لسببين، الاول عدم اجراء تمرينات والثاني، عدم قياس الصوت، الموسيقى مع الاغنية كانت عالية لم يظهر قسم من الديكور، ولا حتى المزهريات بسبب عدم الدقة في وقوف الكورس، ظهر فتور على المخرج الاستاذ كمال عاكف، بسبب مرضه وعدم اخذه الاستعدادات، الاغنية والشعر استلمهما المخرج في يوم التصوير نفسه.
مركز الوتر السابع
اقرأ ايضا
من أوراق خلص عزمي المطوية..في بغداد مجلس أدبي و علمي عامر
إعداد: ذاكرة عراقيةحفلت بغداد ـ كعادتها ـ بمجالس ذات الوان متنوعة الاداء؛ تتوزع على شرفات …