كيف استحدثت وزارة الري والزراعة عام 1927؟ولماذا اعترض المندوب السامي البريطاني عليها؟

حسين علي فليح
شكل جعفر العسكري وزارته الثانية في الأول من تشرين الثاني عام 1926 إلى الثامن من كانون الثاني عام 1928 و التي ضمت ثمانية وزراء، وتضمن منهاج هذه الوزارة توحيد أعمال الري والبيطرة والتجارة في وزارة واحدة، فضلاً عن الإهتمام بمكافحة الآفات الزراعية وتأسيس المصارف والغرف التجارية.
ان تحسين مشاريع الري وزيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، كان الباعث وراء إستحداث وزارة الري والزراعة حسبما جاء ذلك في المادة الرابعة من منهاج حكومة جعفر العسكري الثانية.
كما ان هناك اعتقاداً كان موجوداً حينها، ان واحد من الأسباب الجوهرية في إستحداث وزارة جديدة إضافية هو ان بعض الوزارات (المواصلات والأشغال، والداخلية، والمالية) أصبحت كبيرة جداً وذات مسؤوليات واسعة وأقسام كثيرة، مما يصعب إدارتها في وزارة واحدة وتحمل المسؤوليات المتعلقة بها.
إستنادا إلى ذلك قُدِم مقترح تشكيل الوزارة الجديدة من قبل وزارة المالية إلى رئيس الوزراء جعفر العسكري والذي جاء فيه:
“ان مسألة تشكيل وزارة جديدة على المنوال المقرر في منهاج الوزارة قد أغمرنا الإهتمام اللازم، وبعد دراسة ومناقشات طويلة للمسألة فان الصيغة التي قررناها والتي نعتقد إنها المثلى هي كالآتي:
تسمى الوزارة المستحدثة الجديدة (وزارة الري والزراعة)
وبذلك رفعت هذه المقترحات لأجل موافقة مجلس الوزراء عليها، مع استشارة المندوب السامي البريطاني في العراق حول هذا الموضوع قبل عرضه على مجلس الوزراء(.
كان موقف المندوب السامي البريطاني في العراق السر هنري دوبس، عند استشارته بشأن تشكيل الوزارة الجديدة، فقد عدَ الموضوع غير ذو جدوى وغير مجدي، وذكر ان البدء في الموضوع والمنصب الجديد وإستحداث وزارة جديدة بحاجة إلى نفقات ورواتب إضافية، لاسيما راتب الوزير والمجموعة التي بصحبته ومدراء الأقسام، فضلاً عن توفير وسائل الراحة والنقل والإقامة ونفقات أُخرى كما هو الحال عند الوزراء الآخرين، وذكر من ان هناك موضوع آخر في منهاج الحكومة، ألا وهو تخفيض النفقات بما يخص الأمور الحيوية للبلاد، وقال لا يوجد هناك ضرورة لإستحداث وزارة جديدة لطالما هناك وزارات تتولى إدارة الاقسام التي سوف تكون ضمن الوزارة الجديدة، فضلاً عن إشارته إلى ان إستحداث هذه الوزارة وتعيين وزير جديد يستوجب ان يكون له مستشاراً من الجانب البريطاني.
وعلى الرغم من تحفظ المندوب السامي البريطاني في العراق ألا إنه، لم يرفض المقترح العراقي بشأن تشكيل الوزارة الجديدة، وذلك بناءً على طلب ورجاء الملك فيصل الأول، بعدم الإعتراض على المقترح، مما يدل على هيمنة الادارة البريطانية على المشهد السياسي والاقتصادي في العراق، ومن جانب آخر ان المندوب السامي البريطاني في العراق بعد إستفساره من رئيس الوزراء جعفر العسكري عن وعوده إلى الحكومة والتكتلات المؤتلفة معه في تشكيل الحكومة، أوضح الأخير للمندوب السامي البريطاني على ان من المستحيل تأمين إنضمام ياسين الهاشمي وزير المالية، وزعيم حزب الشَعب إلى الائتلاف الحكومي دون الوعد بإستحداث وزارة جديدة يكون فيها مزاحم الباجه جي احد المؤيدين الأساسيين لسياسة ياسين الهاشمي، والذي من المحتمل ان يتسلم الحقيبة الوزارية الجديدة، واذا لم يحقق للأخير هذا الوعد سوف يقدم إستقالته بالتأكيد، وهذا يعني نهاية الحكومة الإئتلافية مما يؤدي بالتالي إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات عامة جديدة، وبناءً على ذلك أوضح المندوب السامي البريطاني في العراق إلى رئيس الوزراء جعفر العسكري، من إنه سوف يؤخر إعتراضه على الموضوع لحين تشكيل الوزارة الجديدة، وبعدها تكون الأمور قد استقرت وممكن التحدث في الموضوع حتى إلى الملك فيصل الأول شخصياً.
إستنادا إلى ذلك أمر رئيس الوزراء جعفر العسكري بإرسال نسخة من كتاب وزارة المالية، المقترح فيه إستحداث وزارة جديدة تسمى “وزارة الري والزراعة” إلى كل من وزراء المالية والداخلية والمواصلات والأشغال، مع تأليف لجنة وزارية من تلك الوزارات المعنية، فضلاً عن حضور مستشاريهم البريطانيين لدراسة هذا الموضوع وبيان الرأي فيه قبل عرضه على جلسة مجلس الوزراء المزمع عقدها. وفي ضوء ذلك اجتمعت اللجنة الوزارية)، فضلاً عن حضور مستشاريهم البريطانيين في ديوان وزارة الداخلية، في الساعة الثالثة والنصف مساءً من يوم السابع عشر من كانون الثاني من العام 1927، وبعد المداولة والمناقشة في مسالة تأليف الوزارة الجديدة، توصلت اللجنة الوزارية المؤلفة إلى الاستنتاجات الآتية:

  1. إطلعت اللجنة على كتاب وزارة المالية بشان مقترح تشكيل الوزارة، وفي أثناء المذاكرة مع محمد أمين زكي وزير المواصلات والأشغال، أوضح بانه يرجح بيان رأيه حول الموضوع حتى يتمكن من دراسة الموضوع أكثر مع مستشاره البريطاني بيري Bury، كما طلب في الوقت نفسه ان تقف اللجنة على المصاريف التي تتطلبها الوزارة المراد احداثها قبل البت بالأمر من قبل مجلس الوزراء.
  2. إرتأَى رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية، ان تبقى دائرة البيطرة الملكية مرتبطة وتابعة لوزارة الداخلية، ويرى ان يبت بأمر مدرسة الهندسة والمدارس الصناعية من قبل مجلس الوزراء لإرتباط ذلك بالسياسة العامة للتعليم في البلاد.
  3. تقرر ان يكون عنوان الوزارة الجديدة (وزارة الري والزراعة)، على ان تحتوي الدوائر المشار إليها في كتاب وزارة المالية.
  4. بطلب من اللجنة المخصصة لهذا الغرض، فقد حضر كل من مستشار وزير الداخلية (كينهان كورنواليس Cornwaliz)، و (بيري Bury)، مستشار وزير المواصلات والأشغال، وقد أستمعت اللجنة الى آراء ومناقشات هذين المستشارين، ولاسيما الأخير، وكان رأيهما المعارضة المبدئية في إستحداث هذه الوزارة.
    وفي ختام المناقشات أكد محمد امين زكي وزير المواصلات والأشغال، من إنهُ يوافق مبدئيا على إنشاء وزارة جديدة تحت اسم وزارة الري والزراعة ونتيجة للموقف المعارض من قبل المستشارين البريطانيين، مما دفع رئيس الوزراء جعفر العسكري الطلب من المندوب السامي البريطاني في العراق، التدخل في الموضوع، والضغط على المستشارين البريطانيين في الوزارات المعنية، لكي يوافقوا على مقترح إستحداث الوزارة الجديدة.
    بناءً على طلب رئيس الوزراء، بادرَ المندوب السامي البريطاني في العراق بإرسال مذكرة سرية في 5 شباط 1927 إلى وزير الدولة البريطاني لشؤون المستعمرات ونستون تشرشل Winston Churchill، مبيناً من خلالها المقترح العراقي لإستحداث الوزارة الجديدة، والذي جرى عليه العديد من المناقشات والجدال، دون توافق الآراء، و لاسيما بين المستشارين البريطانيين لوزيري الداخلية والمواصلات والأشغال، فضلاً عن الوزراء الباقين في الحكومة العراقية، مشيراً بذلك إلى ان الموضوع لم يتم حسمه وبحاجة إلى قرار من أجل حله و إنهاء الخلاف، لاسيما ان العديد من الوزراء العراقيين قد إنشغلوا في مناقشة هذا الموضوع، كما أشار إلى ان المستشارين البريطانيين لتلك الوزارات المعنية، قد رفضوا إستحداث هذه الوزارة، لأنهم يعتقدون ان الموضوع بحاجة إلى أموال ونفقات، فضلاً عن إختيار شخصية مناسبة ليكون وزيرا لهذه الوزارة الجديدة، كما بين المندوب السامي البريطاني من خلال هذه المذكرة، من إنهُ قد دعا رئيس الوزراء إلى تقديم ما يمكن تقديمه لإنجاح خطة حكومته، اذ أكد من انه سوفَ يبذل قصار جهده لمساعدة الحكومة العراقية، والإجرائات التي سوف تتخذها بهذا الشأن مع بعض الملاحظات والنصائح لإجراء بعض الترتيبات حتى تكون الأمور سلسلة دون مشاكل وتحديات تسقط الحكومة وذلك من خلال تعيين صبيح نشات وزير المالية في الحكومة السابقة وزيراً لهذه الوزارة الجديدة، ويكون مزاحم الباجة جي الشخص المرغوب لدى المندوب السامي البريطاني، ومن أتباع ياسين الهاشمي وحزبه، بمنصب الممثل الدبلوماسي العراقي في لندن، وبصدد الإشارة إلى موقف رئيس الوزراء جعفر العسكري، فقد كان مرحباً بهذه الأفكار وكان مقتنعاً بها فضلاً عن موافقة حزبه، كما انهُ سوف يقوم بإصدار أوامر لتعين مزاحم الباجة جي بمنصب الممثل الدبلوماسي العراقي في لندن، وبذلك سوف يقوي مركزه وحكومته من خلال تعيين صبيح نشات. كما طالب المندوب السامي البريطاني من خلال هذه المذكرة إلى ضرورة النظر في الموضوع ليس لإتخاذ موافقة أو الوقوف ضد الملك ورئيس الوزراء إلى درجة متطرفة في ظل هذه الظُروف.
    ألا انَ الإجابة بشان هذا الموضوع من قبل وزير الدولة البريطاني لشؤون المستعمرات ونستون تشرشل إلى المندوب السامي البريطاني في العراق قد جاءت متأخرة، جاء فيها “ان الأمر متروك لتقديرات سيادتكم لإتخاذ القرار بشان هذا الموضوع”. لاسيما ان الأخير قد أرسلَ مذكرة سرية لوزير الدولة البريطاني لشؤون المستعمرات قبل وصول هذه الإجابة، بينَ خلالها من ان مجلس الوزراء العراقي قد قرر في جلستهِ المنعقدة بتاريخ العاشر من شباط من العام 1927 إستحداث هذه الوزارة.
    بعد ان قرر مجلس الوزراء العراقي إستحداث هذه الوزارة، وبعد الرد المتأخر من قبل وزير الدولة البريطاني لشؤون المستعمرات بشأنها، وتمرير لائحة قانون إستحداث الوزارة في مجلس الأعيان العراقي، اتخذ المندوب السامي البريطاني قراره بشان هذا الموضوع، وهو مقترح جاء فيه أنَ من تسند إليه هذه الوزارة يكون “وزيراً بدون وزارة”.
    يبدو ان الحكومة العراقية قد إستحدثت الوزارة الجديدة قبل ان يصلها الرد النهائي بشأنها من قبل المندوب السامي البريطاني في العراق، لاسيما حول الطلب الذي قدمه رئيس الوزراء العراقي مسبقاً إلى المندوب السامي البريطاني هنري دوبس، والذي حث من خلاله الأخير على ضرورة التدخل في الموضوع، والضغط على المستشارين البريطانيين للموافقة على إستحداث الوزارة الجديدة، بعد معارضتهم لهذا المقترح اثناء مناقشة اللجنة الوزارية التي كانت مؤلفة بشان إستحداث الوزارة، وذلك لان الحكومة العراقية قد استندت في إستحداث الوزارة الجديدة على المواقف السابقة للمندوب السامي البريطاني بخصوص هذه المقترح، والذي بين فيه الأخير من انه سوف يؤخر اعتراضه على الموضوع لحين إستحداث الوزارة الجديدة، فضلاً عن ان الحكومة العراقية قد وافقت اثناء تشكيل هذه الوزارة، من تعيين مستشار بريطاني لهذه الوزارة الجديدة، بناءً على الشرط السابق الذي قدمه المندوب السامي البريطاني، والذي دعا من خلالهِ الحكومة العراقية بتعيين مستشار بريطاني بجانب الوزير الجديد لهذه الوزارة.
    قررَ مجلس الوزراء العراقي في جلسته المنعقدة بتاريخ العاشر من شباط من العام 1927، وبعد النظر في مقررات اللجنة الوزارية التي كانت مؤلفة للنظر في الإقتراح، تشكيل وزارة جديدة هي (وزارة الري والزراعة).
    عن رسالة (وزارة الزراعة في العراق – دراسة تاريخية)

اقرأ ايضا

من أوراق خلص عزمي المطوية..في بغداد مجلس أدبي و علمي عامر

إعداد: ذاكرة عراقيةحفلت بغداد ـ كعادتها ـ بمجالس ذات الوان متنوعة الاداء؛ تتوزع على شرفات …