من رواد الكتبيين العراقييننعمان الأعظمي.. الناشر العراقي الرائد

إعداد: عادل عبد الرحيم العوضي
تحتوي مدينة بغداد على مجموعة من الأسواق القديمة التاريخية التي يعود تاريخ بنائها إلى عهد الدولة العباسية، ومن تلك الأسواق (سوق السراي)، وهو سوق مسقوف، يوازي نهر دجلة، ويشكِّل مع شارع المتنبي الذي يربط شارع الرشيد بنهر دجلة زاويةً قائمة، ويُعرف هذا السوق حاليًا بتجارة القرطاسية (الدفاتر والأوراق والكتب المدرسية…).
وقد قام أمين الريحاني بوصف هذا السوق في كتابه (قلب العراق رحلات وتاريخ)، بقوله: (وفي السوق المسقوف -سوق السراي- مرجة للأدب خضراء صفراء هي الدكاكين التي تباع فيها الكتب والمحلات).
وكما هو الحال في كل سوق له رجالاته ورواده، تجد منهم من يحفر اسمه في السوق حتى بعد إغلاق محله بسنوات، فتجد الآباء يحكون لأبنائهم عنه، والكاتب الذي يكتب عن الحياة في ذلك السوق لا مَناص من أن يذكره بشيء من التفصيل أو يقتصر على بعض أخباره.
ومن هؤلاء: نعمان الأعظمي، الكتبي، صاحب (المكتبة العربية)، من أقدم الكُتُبيين بسوق السراي، وشيخ الكتبيين والمجلدين وأشهرهم.

  • اسمه ومولده ونشأته:
    هو نعمان بن سلمان بن محمد صالح بن أحمد بن سلمان بن نعمان داود بن سلمان الأعظمي، ولد في محلّة الشيوخ في الأعظمية (1306هـ-1888م) ودرس في كتاتيبها ومدارسها الابتدائية وكان من المتفوقين، وبعد وفاة والده فتح بسوق السراي في بغداد عام (1905م) محلًا للتجليد وهو في الوقت نفسه مكتبة لبيع الكتب، سماها بعد الاحتلال البريطاني: المكتبة العربية، حيث أصبحت أشهر مكتبة في العراق والوطن العربي، وكانت أكبر مكتبة في سوق السراي والعراق كافة، وكانت هذه المكتبة من أشهر دور الكتب، ومنتدى لرجال الفكر والعلم والأدب.
    كان الأعظمي من العارفين بالكتب، ذوّاقًا باختيار ما ينشره ويطبعه من الكتب القديمة، بل كان الوحيد الذي يفهم هذا الفن ويعتني بتسويق الكتاب المخطوط وعرضه، وكان ذلك نتاج الممارسة الطويلة، ورحلاته الكثيرة إلى مصر وإيران، وكان الوحيد الذي يستورد الكتب، وكانت له علاقات واسعة في تلك الفترة مع مكتبات خارج العراق في مصر، وتونس، والهند، وبرلين، ولندن، وباريس، وغيرها، ويتبين ذلك من خلال الرسائل والوثائق المتعلقة بالمكتبة.
    وكان يشجع على فتح المكتبات في جميع أنحاء العراق، ويساعد على ذلك، ويساهم فيه كثيرًا، ويمد أصحابها بالكتب والمؤلفات، كمكتبة الجامعة بالبصرة، والمكتبة العربية بالموصل، وفي غيرها ببغداد وخارجها، كالكاظمية، والأعظمية، وكركوك.
    وهو من أوائل الناشريين العراقيين، وكان يُحسن اختيار الكتب التي يتولى طبعها ونشرها، ولا يوجد مَن يضارعه في ذلك، وكان جل اهتمامه ورغباته إحياء ما يتعلق بتاريخ العراق ولا سيما بغداد.
    سردَ مؤلفُ كتاب (مباحث في أوائل المطبوعات والمكتبات العراقية) كلَّ مطبوعات المكتبة العربية التي طبعها داخل العراق وخارجها، والتي هي باللغة العربية والكردية والفارسية، فبلغت (137) عنوانًا، وكان يطبع الكتب على نفقته الخاصة بالمطبعة السلفية بمصر حيث كانت له حصة فيها. أما في العراق فكان يطبع لدى مطبعة الفرات قبل أن يؤسس المطبعة العربية عام 1947م.
    من أبرز مطبوعات المكتبة العربية:
  1. تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي.
    ذكرَ قاسم الرجب في (مذكراته) أنه (في سنة 1930-1931 بدأ نعمان الأعظمي بنشر كتاب عظيم هو تاريخ بغداد لأبي بكر الخطيب أحمد بن ثابت البغدادي، وكان الكِتاب يُعد من الكتب المفقودة، فعَثر عليه محمد أمين الخانجي عند تجواله في المكتبات الشرقية والأوروبية، وباشر بنشره بالاشتراك مع مطبعة السعادة بمصر، ونعمان الأعظمي ببغداد، وأشرف على تخريج أحاديثه الشيخ حامد الفقي، وبعض المشايخ من العلماء بمصر بإشراف الخانجي نفسه…).
  2. الحـوادث الـجـامـعة، والتجارب النافعة، في المئة السابعة.
    نُسب إلى كمال الدين ابن الفوطي، ونُشر بتحقيق مصطفى جواد، وهذا الكتاب أهداه الأعظمي بنفسه إلى ملك العراق فيصل الأول([17])، وصدَّره بكلمة إهداء كتبها نعمان ثابت.
  3. طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي. ومعه: طبقات الشافعية، للحسيني.
  4. المفكرة العربية.
    وهي من أشهر المفكرات وأوسعها انتشارًا، وكان ينظّمها أحد خطباء المساجد في مدينة بعقوبة، يُدعى عبد الحميد الزيدي.
    وكان الأعظميُّ أوَّلَ مَن عمِل الكَلايِشفي العراق للمصحف، وعملها في المطبعة السلفية بمصر.
    وإلى جانب عمله في نشر الكتب، فقد كان له حظ من التأليف، فجمع ديوانًا طُبع سنة (1927م) بعنوان (مناجاة الحبيب في الغزل والنسيب) يشتمل على أهم القصائد الغزلية، والأبيات الغرامية للشعراء الأقدمين والعصريين، قال في مقدمته: (فلما رأيت الأدب قد راج في هذا العصر، وشاهدت الإقبال قد ازداد على النظم والنثر، دعاني ضميري أن أهدي إلى أدباء شبابنا وفضلاء كهولنا هذا الديوان)، والأعظمي كوَّن لنفسه ثقافة تكاد تكون عالية جدًا جرّاء احتكاكه بالنخبة المثقفة في العراق، وبسبب سفراته إلى خارج العراق.
    وأشهر مَن عمل في المكتبة العربية: قاسم محمد الرجب، صاحب مكتبة المثنى ببغداد، عمل فيها مدة سبع سنوات، وكانت بداية العمل في عام (1930م)، وتربطه بنعمان صلةُ قُربى وصلةُ جِوار.
    وكانت للأعظمي عادات في البَيع، فإذا باع كتابًا تغزّل به.
    ومن عاداته أنه يطرق المجلد بالآخر ليظهر صوتًا، ويصيح (كل الصيد في جوف الفرا).
    كما أنه إذا اشترى كتابًا من المزاد أو من بعض الناس، لا يعرضه للبيع إلا بعد مدة، والسبب في ذلك أن سعره يبقى عالقًا في أذهان الناس.
  • صاحب المكتبة العربية والمخطوطات:
    سبق أن ذكرنا بأن نعمان الأعظمي كان يعتني بتسويق الكتاب المخطوط والمطبوع، ومن أسباب إلمامه التقاؤه بخبير المخطوطات السيد محمد أمين الخانجي الذي كان يُعَدّ الورّاق الوحيد في العالم العربي، وكان الأعظمي كغيره من تجّار الكتب يعمل في تجارة المخطوطات، وكانت المخطوطات تصل إلى بغداد من كربلاء والنجف، وكانت من أجود ما يُعرض من المخطوطات وأندرها، فكان الكتبي مهدي رئيس وغيره يعرضونها على الأعظمي وغيره.
    وذكرَ أنه سافر ذات مرة إلى إيران فاشترى بعض المخطوطات، ولما عاد احتُجزت منه على الحدود، ولم يتمكَّن من إخراجها وإعادتها، ولكنه عند عودته أخبر المحامي أحمد حامد الصراف) بما وقع له، ولكي يتوسط له عند السلطات الإيرانية بحكم علاقاته الودية بالكثير منهم، اشترط على نعمان أنه إن وُفِّق إلى إعادة المخطوطات فله أن يأخذ أحدها، ويختار ما يعجبه منها، فوافق الأعظمي، ونجح المحامي في مَساعيه، واختار منها (ديوان حافظ شيرازي) المُحلّى بالذهب، إلا أنه عاد وباعه على الأعظمي.
    وكان الأعظمي يستنسخ المخطوطات، فقد استنسخ مخطوط (رشف الزلال في السحر الحلال) للسيوطي، ونسخ منه لعبد الستار القَرَغولي، وباع الأصل للشيخ فالح الصيهود) وكان الأخير من زبائن الأعظمي.
    كما أني وقفتُ على ختم للأعظمي على إحدى المخطوطات في مكتبةٍ أوروبية:
    (في الأعلى: إدارة المكتبة العربية، وفي الأسفل من اليسار: N AAZAMI، وفي الطرفين: هلال ونجمة، ومن اليمين تحت الهلال -حسب تقديري-: بغداد، وفي الوسط: نعمان الأعظمي).
    وكان الأعظمي في سفرته السنوية إلى مصر يشحن معه ما جمعه من المطبوعات الحجرية، ومطبوعات بغداد، والمخطوطات ليعرضها بمصر والشام، أو يبدلها بمطبوعات، فقد كانت الكتب الخطية لا سوق لها في العراق، وكان الهاوي الوحيد لشراء المخطوطات في العراق آنذاك المحامي عباس العزاوي، وكان الأعظمي لا يعرض عليه إلا بعض ما يحصل عليه، وأما الجيّد فيرسله إلى مصر.
  • وفاة صاحب المكتبة العربية:
    توفي نعمان الأعظمي بتاريخ 1/ 3/ 1950م، وتولى إدارة المكتبة مِن بعده ابناه: سلمان ومنذر، وذلك إلى بداية السبعينات، وبعد ذلك استمر ابنه سلمان في إدارة المطبعة، وتغير اسمها إلى مطبعة سلمان الأعظمي، أما شقيقه منذر فاشترى مطبعة الزوراء وتفرغ لها ونقل المكتبة من مكانها في رأس سوق السراي إلى وسط سوق السراي.

اقرأ ايضا

كتبيون رواد ومكتبات قديمة في بغداد

منصور بسيم الذويبليس هناك مايشد المثقف اكثر من مكتبة وكتاب، فإن من اكثر مايعلق في …