عمار عبد الكاظم حسن
ألف فيه توفيق السويدي وزارته في الثالث والعشرين من شباط من العام 1946، واستلمت وزارة الداخلية طلبات متعددة لتأسيس أحزاب سياسية،كان نوري السعيد في تركيا للتفاوض من اجل عقد معاهدة مع الجانب التركي، وبعد عودته من تركيا في الأول من نيسان 1946، سمع من وزير المالية عبد الوهاب محمود ما دار في مجلس الوزراء في اثناء غيابه، من سِجالات حول المهمة التي اوفد من أجلها الى تركيا،والصلاحيات التي منحت له، والنتائج التي توصل اليها، فشعر الأخير بخيبة أمل المقامات العليا في دعمها للحياة الحزبية، وخشيتها من انتشار الفوضى في البلد، ولاسيما بعد أن استغل اليساريون الظروف الجديدة الملائمة، فتقدموا بطلبات متعددة لتأسيس أحزاب سياسية تبشر بمبادئهم،وصحف تنطق بألسنتهم، فانصرف السعيد عن فكرة تأسيس “حزب الأحرار”،وشرع في تنظيم حملة قوية ضد الوزارة القائمة،في داخل مجلس النواب وفي خارجه،وهو صاحب الأكثرية فيه.قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الحادي عشر من آذار من العام 1946، تقليل الصلاحيات الممنوحة الى اللجنة التي كان يرأسها نوري السعيد،وتحديد القضايا التي يجب أن تتناولها في مفاوضاتها. ويبدو أن هذا الامر قد ازعج نوري السعيد عند عودته من تركيا، وجعله يقف موقف المعارض للوزارة. وفـي أثناء ذلك نظم بعض الأشخاص، الذين ليس لهم انتماء حزبي أو اتجاه سياسي، طلبا لتأسيس حـزب سياسي باسم “حزب الأحرار” وقّعه كل مـن داخل الشعلان وعبد القادر باش اعيان وحسين النقيب ومحمد فخري الجميل وكامل الخضيري وعبد العزيز السنوي وعباس السيد سلمان ونوري الاورفلي، ثم قدموه الـى وزارة الداخلية مرفقا بالنظام الأساسي للحـزب ونظامه الداخلي. وقد أجازت الوزارة الحزب بكتابها المرقم 4589 في الثاني من نيسان من العام 1946، فاجتمعت هيأته التأسيسية برئاسة اكبر الأعضاء سنا وهو كامل الخضيري، ونظمت انتخابات هيأته العليا، وقد اسفرت الانتخابات عن فوز كامل الخضيري برئاسة الحزب زيادة على أعضاء آخرين انتخبوا في عضوية لجنته العليا.
عقدت الهيأة العامة للحزب اجتماعا في مركزه العام في الساعة الرابعة من عصر يوم الجمعة الموافق السادس والعشرين من نيسان من العام 1946 لغرض انتخاب هيأته الإدارية، وقد القى رئيسه كامل الخضيري كلمة رحب فيها بالحاضرين وتمنى لهم أن يوفقوا في تحقيق أهداف الحزب والنهوض بالأمة الى مصاف الامم الراقية، ثم جرت الانتخابات بطريقة التصويت السري، ففاز سبعة اشخاص في عضوية الهيأة الادارية للحزب.
يلاحظ أن الغاء وزارة توفيق السويدي الاحكام العرفية، وإبطالها المراسيم الاستثنائية،وسماحها بتأسيس الأحزاب،قد اثار بعض السياسيين الذين لم يستسيغوا هذا الضرب من الحياة الديمقراطية،وكذلك الإقطاعيين الذين هددت تلك الإجراءات مصالحهم. وفي الوقت نفسه، اعتادت الوزارات المتعاقبة ان تقف من معارضيها في مجلسي الاعيان والنواب،موقف المدافع لا موقف المهاجم،مادام الغرض من وجود المجالس النيابية هو اقرار اللوائح القانونية وتمشية أمور الدولة على أسس ديمقراطية، غير ان ما حدث ايام تلك الوزارة كان مختلفا عن سابقه. فقد تبودلت العبارات القاسية بين رئيسها وبين العين حمدي الباجه جي من جهة وبين وزير الداخلية سعد صالح وعضو مجلس الاعيان عبد المهدي المنتفكي من جهة أخرى وكذلك بين عبد الوهاب محمود وزير المالية وبين عبد الكريم الازري نائب العمارة.
انهارت وزارة توفيق السويدي مبكراً، وتحديدا في الثلاثين مـن آيار 1946 نتيجة للمعارضة التي جوبهت بها في مجلس الاعيان،وانعدام مساندة القصر لها،فقد كان لدى تلك الوزارة القائمة لائحة قانون الانتخابات الجديد ولائحتي قانوني الميزانية للدولة ولمديرية الاوقاف العامة لشهري حزيران وتموز لعام 1946، وكان مجلس النواب قد اقر هذه اللوائح الثلاث في الثالث والعشرين من آيار مـن العام نفسه، فلما أحيلت الى مجلس الاعيان لإقرارها قاطع سبعة من أعضائه جلساته هم: مصطفى العمري،حمدي الباجه جي، يوسف غنيمة،صادق البصام، عبد المهدي المنتفكي، ارشد العمري، الشيخ أحمد الداوود،لإرغام الوزارة على الاستقالة. فلما شعر رئيس الوزراء بأن النصاب غير مكتمل، استنجد بالوصي لإنقاذ الموقف، ليظهر هنا أن الوصي نفسه قد انضم إلـى الساسة القدامى فـي محاربة الوزارة المذكورة التي أطلقت الحريات الديمقراطية والتي تظاهر الوصي بتأييدها سابقا، ثم أدرك خطورتها علـى النظام الملكي. فبعد أن استدعى الأعيان المقاطعين وفهم منهم أسباب مقاطعتهم جلسات المجلس، وعدهم بإقالة الوزارة بعد المصادقة عـى قانون الانتخابات الجديد، فصادق الأعيان على قانون الانتخابات، وأبدوا عدم رغبتهم فـي التعاون مع الوزارة فـي القضايا الأخرى، فطلب رئيس الوزراء حـل المجلس النيابي فلم يوافق الوصي على ذلك، فاضطر توفيق السويدي إلـى تقديم استقالته مـن رئاسة الوزارة فـي الثلاثين مـن آيار من العام 1946، ثم انضم هـو وأعضاء وزارته إلـى “حزب الأحرار” بصورة رسمية، وأصبح السويدي رئيسا له، ووزيري الداخلية، سعد صالح، والمالية، عبد الوهاب محمود، نائبين للرئيس.
وعلى أية حال، رأى البعض أن الحزب هو من أحزاب اليمين،ولاسيما إذا وضع في الحسبان ما ورد في منهاجه الذي سيشار اليه لاحقا،وصفة أعضائه الطبقية،فمعظمهم من الملاكين والتجار، وبينهم عدد من رؤساء العشائر، زيادة على عدد من ذوي الثقافات العالية، وأن قادته وأعضاءه البارزين رأوا أن التعاون مع بريطانيا، وإقامة علاقات ود وصفاء معها أمران لامناص عنهما، وفي الوقت نفسه دانوا بالولاء للعرش، وسايروا الوضع العام. ويصعب الأخذ هنا بالرأي الأخير، إذ لو كان الأمر كذلك لما وقف الحزب موقف المعارض من المعاهدة العراقية- البريطانية لعام 1948، على النحو الذي سيفصل لاحقاً، مثلما يصعب الأخذ بالرأي القائل بمسايرة الحزب للوضع العام، بدليل معارضته أغلب الوزارت التي أُلفت بعد سقوط وزارة توفيق السويدي الثانية في العام 1946، وهو ما سيفصل في موضوع موقفه من القضايا الداخلية،مع ملاحظة أنه قد توالى على رئاسته كل من كامل الخضيري وتوفيق السويدي وسعد صالح، وبلغ عدد أعضاءه المسجلين حتى بداية آيار من العام 1947،3267 عضوا.
وزيادة على ذلك أتُهم “حزب الأحرار” بأنه لم يكن حزبا للعراق كله، وانه بقى صغيرا ومحصورا في منطقة معينة، حتى وصف بأنه يكاد يكون حزب الفرات لا حزب العراق، وانه لم يتميز عن باقي الأحزاب بفلسفة حزبية واضحة،وهو اتهام يصعب هنا الركون اليه كلياً.فقد افتتح الحزب فروعا له في مدن متعددة من العراق، منها الموصل والسليمانية وسامراء(، وبالنسبة الى فلسفته، فإنها واضحة وتجسدت بمعارضته لأية وزارة لا تعمل على تنفيذ رغبات الشعب ومصالحه،وقد ظهر ذلك جلياً من خلال استقالة ممثل الحزب – علي ممتاز الدفتري- من الوزارة في الثامن والعشرين من كانون الأول من العام 1946، وامتناع رئيس الحزب سعد صالح من الدخول في وزارة محمد الصدر عام 1948،ما لم تقدم الوزارة ضمانات بتنفيذ مطالب الشعب ورغباته،على النحو الذي سيفصل تباعا، علماً أن الحزب عبر عن جزء كبير من تلك الفلسفة في سياق الأهداف التي سعى إلى تحقيقها، ووردت في منهاجه.
عن رسالة: تاريخ حزب الأحرار العراقي 1946ــ1948
اقرأ ايضا
الرحالة البريطاني جاكسون عام 1797.. بين البصرة وبغداد
حكيم عنكرتلقي الرحلة التي قام بها الرحالة البريطاني جون جاكسون إلى العراق، ضمن مسار طويل لرحلة أشمل انطلقت من …