عمار حسين العنزي
تعود جذور فكرة إنشاء شركة للحصول على نفط خانقين الى عام 1913, عندما أرادت بريطانيا استغلال الخلافات الحدودية ما بين الدولة العثمانية وبلاد فارس, لاسيما بعد اكتشاف النفط في الأراضي الحدودية ما بين بلاد فارس والعراق, وإدعاء الدولة العثمانية ملكيتها لهذه الأراضي. ولرغبة بريطانيا في توسيع إمتياز شركة النفط (الإنكليزية-الفارسية) ليشمل الأراضي العراقية, عملت على استغلال تلك الخلافات الحدودية لتحقيق غرضها. وفي بداية عام (1913) جرت محاولات للنظر في مسألة (الحدود الفارسية-العثمانية), وكان الخلاف حول منطقة صغيرة عرفت فيما بعد بإسم الأراضي (المحولة), وهي الأراضي الواقعة في قضاء خانقين (لواء ديالى) بين العراق وبلاد فارس, تبلغ مساحتها ما يقارب بـ(800) ميل مربع أي (2080) كم3 وتشكل 0,5% من إجمالي مساحة العراق, ويوجد فيها حقل (النفط خانه) يقع الى الجنوب الشرقي من مدينة خانقين بحوالي 40 كم, و 144 كم شمال شرق بغداد, وهو يتكَّون من تركيب قباني, يتكَّون من حجر كلس كلهور, يمتد حوالي 13 كم طولاً و 2,6 كم عرضاً, محمد أزهر السماك, البترول العراقي بين السيطرة الأجنبية والسيادة الوطنية,ويقسم نهر ابي نفط الفاصل بين العراق وبلاد فارس هذا الحقل على قسمين, القسم العراقي وهو النفط خانه, والقسم الآخر الفارسي هو (النفط شاه).
كانت بريطانيا ترغب في ضم الأراضي المحولة التي كانت خاضعة للدولة الفارسية المشمولة (بإمتياز دارسي) الى الدولة العثمانية, وكان هدف بريطانيا من ذلك وضع حد لمنافسة الألمان لهم في ثروات الدولة العثمانية, وكذلك للسيطرة على النفط العراقي, فضلا عن تسهيل مهمة نقل النقط الفارسي الذي كانت تنتجه شركة النفط (الإنكليزية-الفارسية) من المناطق الفارسية المتاخمة لها عبر العراق الى الأسواق العالمية.
وتحقق هدف بريطانيا عندما تم توقيع بروتوكول (الإستانة), لتعيين الحدود بين الدولة العثمانية والفارسية في 17 تشرين الثاني 1913, من قبل لجنة خاصة, ضمت رئيس الوزراء العثماني (سعيد حليم) وسفراء كل من بريطانيا (لويس ماليتLouis Maleit) وسفير الدولة الفارسي (مرزا محمد خان قاجار) وسفير روسيا (ميشيل دي كيبرس) لدى الباب العالي(. وبموجب ملحق (ب) من بروتوكول الاستانة المؤرخ في 4- 17- تشرين الثاني 1913, تم الإتفاق على إدخال قسم من الأراضي الفارسية المشمولة بإمتياز دارسي (الأراضي المحولة) الى حدود الدولة العثمانية, على أن تعترف الحكومة العثمانية بشرعية ونفاذ (إمتياز دارسي) في تلك الأراضي, والتعهد بعدم منح إمتياز نفطي فيها لأي فرد أو شركة أخرى, وفي المقابل تتمتع الدولة العثمانية بالحقوق والإمتيازات والرخص والمنافع الأخرى التي تمنحها شركة النفط- الإنكليزية الفارسية في هذه المنطقة, على أن تقوم الدولة العثمانية بالسماح للشركة بمد الأنابيب من الأراضي المحولة الى الخليج العربي.
وبذلك تمكنت بريطانيا من الحصول على موقع قدم نفطي في العراق, وأعطى لشركة النفط (الإنكليزية- الفارسية) صحة للإدعاء بأن لها حقوقا في الأراضي العثمانية, وأخذت تطالب بحصة في شركة النفط التركية, وكتمهيد أساسي للمفاوضات, وافقت الحكومة الألمانية في آذار 1914على الإعتراف بكون القسم الجنوبي من العراق والقسمين الأوسط والجنوبي من بلاد فارس مجالاً حيوياً لشركة النفط الإنكليزية – الفارسية, والموافقة على مد سكة حديد بين الكوت ومندلي.
وبعد تشكيل الحكومة العراقية حدثت العديد من المفاوضات بينها وبين الشركة الإنكليزية- الفارسية, كانت الحكومة العراقية قد إعترفت بشرعية إمتياز تلك الشركة بالأراضي المحولة في 7 تشرين الأول 1922, على أن تدخل في مفاوضات معها لتحديد نوع العلاقة ما بين الحكومة والشركة, لا تستند إلى إتفاقية دارسي أو بروتوكول الحدود, بل على إتفاقية جديدة تضمن الحقوق المشروعة للعراق, وبالفعل أجريت العديد من الإتفاقيات منها (إتفاقية وزارة المستعمرات لسنة 1923, وإتفاقية (21 أيار 1925) وكذلك إتفاقية (30 آب 1925), وكان آخر تلك الإتفاقيات هي إتفاقية النهائية في (24 آيار 1926), التي حدَّدت مدة الإمتياز للشركة بـ(سبعين) سنة تنتهي عام 1996, أما حصة العراق فكانت (أربعة) شلنات ذهبية عن الطن الواحد الذي تنتجه الشركة.
وتنفيذاً لما جاء في المادة الأولى من إتفاقية 30 آب 1925, التي تنص (على الشركة أن تؤلَّف خلال ثلاثة أشهر من تأريخ هذه الإتفاقية شركة فرعية لأجل استحصال واستثمار المواد الموجودة في الأراضي المحولة),وبالفعل أعلن(جارس كرينوايCharsCreenwoi) رئيس مجلس إدارة شركة النفط الإنكليزية- الفارسية المحدودة في كانون الأول 1925 عن تأليف شركة فرعية جديدة لاستخراج النفط واستثماره في منطقة النفط خانه الواقعة على بعد 25 ميلا (40) كم من خانقين, على أن تسمى (شركة نفط خانقين), وقد وضع لهذه الشركة الفرعية الجديدة رأس مال أسمي قدره مليون باون إسترليني يدفعه المساهمون بشراء اسهمها وقيمة السهم الواحد (باون إسترليني واحد), وكان لهذه الشركة مجلس إدارة مؤلَّف من عدد من المديرين لا يقلون عن الثلاثة ولا يزيدون على الخمسة عشر, ويحق للحكومة العراقية أن تعيَّن مندوباً يمثلها في مجلس الإدارة وتكون آراؤه استشارية.
وكانت المادة الثانية من الإتفاقية ذاتها (إتفاقية 30 آب 1925), التي نصّت (على الشركة أن توصل بجد لاستثمار المواد الموجودة في الأراضي المحولة وتباشر بدون إبطاء (إنشاء) معمل للتصفية في بقعة تختارها لهذا الغرض داخل الأراضي المحولة.
وتنفيذ لهذه المادة شرعت الشركة بإنشاء معمل للتصفية في خانقين عام 1926, وسمي هذا المصفى (مصفى الوند) نسبة الى نهر الوند الواقع عليه, وكان تأريخ افتتاح المصفى في كانون الثاني 1927, وإن الهدف من اختيار موقع المصفى بالقرب من الضفة الجنوبية لنهر الوند, هو للحاجة الكبيرة التي تحتاجها صناعة تصفية النفط للمياه, فلتكرير لتر واحد من النفط الخام يتطلب (18 لترا) من الماء, وتبلغ طاقة المصفى الإنتاجية 500,000 الف طن سنوياً, وقامت شركة نفط خانقين المحدودة بمد خط أنبوب, يقدر طوله بـ(37) كم, بقطر عشر بوصات ليجهَّز مصفى الوند بالنفط الخام من منطقة خانقين, فضلا عن ثلاثة خطوط من الأنابيب تمتد من المصفى الى محطة السكك الحديد في خانقين, لمسافة ثمانية كيلومترات بقطر أربع بوصات, تنتهي في مستودع كبير للخزن, يستقبل هذا المستودع منتجات المصفى المتنوعة, والهدف منها سد حاجة الاستهلاك المحلي في العراق من منتجات النفط.
وفي بداية تأسيس المصفى كانت الشركة هي التي تقوم بتوزيع المنتجات النفطية, ولكن بعد عام 1932 أُسست شركة فرعية لهذا الغرض هي (شركة نفط الرافدين المحدودة) وهي الشركة التي أسستها شركة نفط العراق, طبقاً للمادة الرابعة عشرة من إتفاقية 24 آذار 1931, وتقوم بمهمة تصفية المنتجات النفطية وتوزيعها داخل العراق,
بعد عام 1950 دخلت الحكومة العراقية وشركة نفط خانقين بمفاوضات جديدة, وكانت ظروف داخلية وخارجية قد دفعت الحكومة لمثل هذه المفاوضات, منها المطالبة بتأميم النفط العراقي, مثلما قامت حكومة محمد مصدق في إيران بتأميم النفط الإيراني عام 1951, فضلا عن قيام الحكومة السعودية بتوقيع إتفاقية مناصفة الأرباح في كانون الأول 1950 مع شركة أرامكو, لذا عقدت الحكومة العراقية إتفاقية جديدة في 25 كانون الأول 1951 مع شركة نفط خانقين, اشترت بموجبها جميع موجودات الشركة ومصفاها في الوند, ابتداءً من 1 كانون الثاني 1952, وتولت الحكومة كذلك السيطرة على تجهيزات مشتقات النفط وتوزيعها في داخل البلاد.
لكن الشركة ظلّت تدير المصفى مقابل أجر سنوي مقطوع مقداره (150) ألف دينار, ولمدة عشر سنوات قابلة للتجديد, فضلا عن تعهد الشركة بزيادة إنتاج النفط بمعدل لا يقل عن مليوني طن سنوياً ولمدة سبع سنوات من تأريخ إبرام الإتفاقية في 25 كانون الأول 1951, وفي حال عدم قيامها بتنفيذ هذا الإلتزام يحق للعراق إنهاء إمتيازها, وبناءً على عدم قيام الشركة بتنفيذ إلتزاماتها أصدرت الحكومة العراقية أمرها بإنهاء امتياز الشركة في 18 تشرين الثاني 1958 وتولت الحكومة عملية إنتاج النفط من حقول نفط خانقين مباشرة, التي أصبحت تحت إدارة مديرية حقول نفط خانقين.
عن رسالة (لواء ديالى دراسة في أوضاعه الإدارية والإجتماعية والإقتصادية)
اقرأ ايضا
الرحالة البريطاني جاكسون عام 1797.. بين البصرة وبغداد
حكيم عنكرتلقي الرحلة التي قام بها الرحالة البريطاني جون جاكسون إلى العراق، ضمن مسار طويل لرحلة أشمل انطلقت من …